العراق بين سياسية الإصلاح والإرهاب

العراق بين سياسية الإصلاح والإرهاب

يشهد الواقع السياسي العراقي منعطفا خطيرا في كيفية التعامل مع النتائج الأخيرة التي افرزتها الانتخابات العراقية التي جرت في العاشر من تشرين الاول عام ٢٠٢١ وما الت إليها من وقائع وأحداث كانت مفاجئة للعديد من الأحزاب والتيارات السياسية بحكم الأصوات التي حصلت عليها والتباين الكبير في المقاعد الانتخابية التي تمكنت منها في انتخابات ٢٠١٨ ، وهي حالة سياسية أعطت وضوحا في فهم وإدراك المواطن العراقي لحقيقة الأوضاع التي تمر بها البلاد وأكدت المصالح الفئوية والمنافع المادية لبعض الأحزاب وقياداتها وأبعادها عن فهم روح المطالب الشعبية المشروعة التي نادت بها طلائع وقوى التغيير والإصلاح في الانتفاضة الكبرى لأبناء الشعب العراقي التي شهدتها ساحات وميادين مدينة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية في الاول من تشرين الاول عام ٢٠١٩ .
وبنظرة واقعية ودراسة ميدانية اعتمدها مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية والأبحاث السياسية في قراءته للاحداث التي شهدتها الساحة العراقية والأزمات السياسية التي تلت نتائج الانتخابات وانعكاسات وقائع الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي بتاريخ التاسع من كانون الثاني ٢٠٢٢ حيث شهدت مدينة بغداد وبعض مراكز المحافظات العديد من الهجمات التعرضية والأعمال التخريبية التي استهدفت مقرات سياسية وحزبية وشخصيات نيابية ودينية ومواقع عسكرية تابعة التحالف الدولي والقواعد الأمريكية ومصالح اقتصادية وكما يلي :
١.بتاريخ ١٤ كانون الثاني ٢٠٢٢ تعرض الناطق باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي المهدي عبد الكريم القبلي إلى محاولة اغتيال فاشلة في مدينة بغداد من قبل عناصر مسلحة.
٢.استهداف مقر حزب تقدم التابع السيد محمد الحلبوسي في منطقة الاعظمية بمدينة بغداد بعبوات ناسفة .
٣.بتاريخ ١٤ كانون الثاني ٢٠٢٠استهداف مقر تحالف عزم التابع للسيد خميس الخنجر بمنطقة اليرموك بمدينة بغداد بعبوة ناسفة .
٤.فجر يوم ١٥ كانون الثاني ٢٠٢٠ تم إطلاق ثلاث صواريخ من منطقة كرارة التابعة لمدينة الدورة جنوب بغداد باتجاه المنطقة الخضراء حيث تقع السفارة الأمريكية وتمكنت المنظومة الدفاعية الأمريكية من اعتراض صاروخين بينما سقط الآخر في مجمع القادسية .
٥.بتاريخ ١٥ كانون الثاني تم استهداف قاعدة بلد الجوية العراقية بمحافظة صلاح الدين بثلاث طائرات مسيرة ونم فتح النار عليها من قبل عناصر حماية القاعدة .
٦.بتاريخ ١٦ كانون الثاني ٢٠٢٢ استهدفت عبوتان مقرا لبنك جيهان في منطقة الكرادة بمدينة بغداد وهو تابع لمجموعة شركات جيهان التي تمتلك جامعات وشركات تأمين في إقليم كردستان .
٧.مساء يوم ١٦ كانون الثاني ٢٠٢٢ تعرض منزل النائب عن حزب تقدم عبد الكريم عبطان لهجوم بقنبلة يدوية في منطقة السيدية .
٨.مساء يوم ١٧ كانون الثاني ٢٠٢٢ تعرضت قاعدة زليكان التركية الواقعة في منطقة بعشيقة بمحافظة نينوى إلى هجوم بصاروخين نوع كاتيوشا سقطا في محيط القاعدة .
٩.ليلة ١٧ كانون الثاني ٢٠٢٢ تم التعرض على منزل حميد الياسري امر لواء في تشكيل أنصار المرجعيةبمركز محافظ المثنى بواسطة مسلحين استخدموا رمانات يدوية وأسلحة خفيفة .
١٠.بتاريخ ١٩ كانون الثاني تم استهداف مكتب النائب الثاني لرئيس مجلس النواب شاخوان عبدالله برمانة يدوية في مركز مدينة كركوك.
رسمت هذه العمليات الإرهابية واقعا خطيرا وأعطت انطباعا سيئا عن كيفية معالجة الأزمات التي تعصف بالمشهد السياسي العراقي وطبيعة الأساليب المتبعة في حل المشاكل بين الأحزاب واختلاف رؤيتها في إدارة الحكم ببغداد وتشكيل الحكومة العراقية المقبلة وسط أجواء من التوتر والصراع السياسي الذي رافقه قيام بعض العناصر المسلحة والمرتبطة بجهات سياسية باتباع أساليب التخويف والترويع والاغتيال السياسي والاخلال بالواقع الأمني وتعريض السلم المجتمعي إلى مزيد من التدهور والانفلات ، وأصبح التنافس السياسي مرتبط بالتصعيد الأمني والمجازفة بأعمال إجرامية وبشكل علني عبر هذه العمليات التي هي رسائل سياسية تثير القلق وتعبر عن توجهات ميدانية عقابية للجهات والأحزاب التي تحالفت مع التيار الصدري بدعمها لتشكيل حكومة أغلبية وطنية وهي نتاج واضح لتوترات وخلافات بين الأحزاب المختلفة والتي ابتعدت عن المنافسة السياسية خاصة بين التيار الصدري وجهات موالية للنظام الإيراني وهي لا تخرج عن سياقات وتوجهات تتصف بالعنف والمواجهة المسلحة لإرهاب الفرقاء السياسين ومنعهم من تشكيل الائتلاف الكبير الذي يفضي إلى نتيجة حتمية بإعلان حكومة الأغلبية .
تشكل هذه التطورات الميدانية حالة تعبوية تؤكد حقيقة الانقسام القائم بين الأحزاب السياسية التي ترى أنها خسرت دورها ومستقبلها السياسي وأصبحت رهينة بيد التحالفات القائمة وترى ان أدواتها مستهدفة في وجودها ومشاركتها في القرار السياسي أو الأحداث المستقبلية التي ترافق الإعلان القادم لهيكلية الحكومة وتوجهاتها الداخلية وسياستها الخارجية وتشكل خوفا وهاجسا لدى قياداتها من ابعادهم عن المشاركة في الحكومة وهذا ما يساهم في التصعيد والتوتر السياسي بين زعماء الإطار التنسيقي وتوجهات السيد مقتدى الصدر بتصميمه بثوابته وتوجهاته في أسلوب تشكيل الحكومة القادمة.
وهذا ما أكده السيد الصدر بتغريدته حول هذه الأفعال بوجود جهات غوغائية محسوبة على القوى السياسية المعترضة لنتائج الانتخابات وحكومة الأغلبية الوطنية وتنفيذها تفجيرات وهجمات ضد مقرات الأحزاب الموالية لحكومة الأغلبية موجها كلامه لمسؤوليهم( أدبوا رعاياكم كما أدبنا فالمذهب يحفظ بسمعته لا بالتصدي والعنف ) ، وهذه رسالة واضحة تحدد مسؤولية الجهات القائمة على هذه التعرضات وتعطي وصفا دقيقا لاسبابها ومخاطر نتائجها ، ومنح السيد الصدر رؤية فكرية في توجيهه السياسين بقوله ( من غير المنطقي أن يلجأ السياسي للعنف اذا لم يحصل على مبتغاه وليس مدعي المقاومة أن يستهدف العراقيين فهذا يزيد من تفاقم الوضع الأمني ) .
ان الواقع السياسي والصراعات بين الأحزاب يتحتم عليها الاتفاق على رؤية تخدم مصالح الشعب العراقي وسعيها إلى تغليب مصالحها الذاتية على المنافع العامة التي تبني مجتمعا راقيا بعيدا عن المحاصصة الطائفية والتوافقات السياسية ونبذ الخلافات ومكافحة الفساد السياسي والاقتصادي وإيجاد قاعدة عريضة واسس وركائز متينة لمنظومة سياسية واقتصادية واجتماعية تساهم في عملية التغيير والإصلاح والنمو والأعمار .
ان طبيعة الصراع السياسي المحلي سيتيح تشكيل حكومة وطنية أغلبية عبر التيار الصدري مع حلفائه من القادة السياسين السنة والاكراد ومن يؤكد هذا الواقع هو قرار المحكمة الاتحادية المرتقب والخاص بالشكوى المقدمة من الإطار التنسيقي حول صحة وقانونية الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي بعدما فشلت جميع محاولات أطراف الإطار التنسيقي في إقناع السيد مقتدى الصدر بالتخلي عن بعض شروطه وثوابته وعبر اللقاءات والحوارات الداخلية أو التدخلات الإقليمية الإيرانية.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية