يتساءل الكثير من الإعلاميين والمحللين العسكريين اليوم، هل يعقل أن تحرر أميركا الكويت عام 1991 في أقل من شهرين ويستغرق «التمهيد» لتحرير مناطق العراق الشمالية والشام من هيمنة «داعش».. نحو عامين؟ هل يُعقل كذلك أن تنفرد قوات الحلفاء الجوية بمنطقة صغيرة كهذه، ولديها أكثر الأسلحة تقدماً في العالم، تقصف تحصينات ومراكز داعش كما تشاء، ولا يظهر أي أثر محسوس لهذه القنابل الرهيبة المدمرة؟ كيف استطاع هذا السلاح عامي 1991 و2003 تحطيم دفاعات وتحصينات نظام صدام وإجبار قواته على الاستسلام، بينما تُلقي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كل هذه القنابل الحديثة المكلفة والموجهة بدقة نحو أهدافها، وتستطيع «داعش» الصمود كل هذا الوقت؟
عندما كان «المجاهدون الأفغان» يقولون في كتيباتهم الدعائية التي يروجها أنصارهم العرب، إن القنابل الروسية تُوجه نحو المجاهدين ولكنها لا تنفجر، وإن انفجرت لا تؤذي أحداً من المجاهدين، كان جواب الأميركان بكل لا مبالاة وشك، «لا بد أن القنابل من نوعية رديئة»! فهل تنفجر قنابل الحلفاء بمراكز «داعش» حقاً؟
ما الذي يجري في مناطق «داعش»، وهل يتم ضرب مواقعهم بقنابل صوتية ومفرقعات، أم ماذا؟! وإلى متى يستمر هذا القصف المكلف بهذه النوعية البالغة التقدم من القنابل والصواريخ، والمصاريف المليونية والمليارية للقوات والوقود والجهد العسكري، والتي لا يعقبها إنزال بري كاسح أو استسلام داعش، إن كانت هذه القنابل تتساقط على رؤوسهم بالفعل كل يوم وساعة؟
كل هذا والصحف تتحدث بعناوين عريضة عن «صعوبات في مدن داعش بالعراق بعد قطع رواتب موظفيها»، وتقول كذلك «إن الفساد المالي والأخلاقي متفش بين قادة داعش، والتمادي في الوحشية يخيف الجميع» وأن «عدداً متزايداً من المنشقين عن التنظيمات المتطرفة يتحدثون عن قرارهم التخلي عنها»، وغير ذلك؟ في 27 – 09 – 2015 تحدث الجنرال «جوردون ماسنجر»، نائب رئيس أركان القوات المسلحة البريطانية في مقابلة مع «الحياة» بمقر وزارة الدفاع في لندن، ولم يتحدث مثلاً عن انهيار التنظيم المتوحش، بل أقر بأنه الواقع «يحقق تقدماً في بعض المناطق، مشيراً إلى سيطرته على الرمادي في العراق وتدمر في سوريا». صحيح أن هذا التقدم كما أضاف «تكتيكي» ومؤقت، ولكن قوات الأمن العراقية، قال، «ما زالت تحت ضغط كبير ولا أستطيع أن أقول إنهم استطاعوا تأمينها. بمعنى أن القوات العراقية بكل ما لديها من عدة وعديد.. تحت رحمة داعش!
بالطبع، بذلت القوات العراقية ومختلف الميليشيات ما بوسعها من جهد، وبدعم ومساندة إيرانية، وطائرات الحلفاء «تقصف داعش»، ورغم هذا كله، لا زال من السهل على قوى «داعش» أن تحتل مدينة ومصفاة «بيجي»، التي لا أعلم كم بقي منهما بعد هذا الكر والفر! الجنرال البريطاني نوّه بأن دولته لا تتفق مع تركيا في توصيفها لوحدات الحماية الكردية بأنها إرهابية قائلاً: «إننا نعتبرهم شركاء شرعيين في القتال ضد داعش»، وأشاد بقدراتهم القتالية خلال تقدمهم شرقاً نحو الحدود العراقية، ودفاعهم عن «كوباني» عين العرب، وإلى حد ما جنوباً حيث الرقة. وهنا لغز آخر فيما يتعلق بدولة داعش!
إذ كيف تعجز جيوش العراق وإيران وأميركا عن تحطيم هذه القوى القتالية التي تم تجميعها من أطراف الدنيا وأقطار المعمورة، وتنجح قوى الكرد وميليشياتها، بإمكانياتها التي تعد بسيطة متواضعة مقارنة بالحكومة العراقية وأميركا وفرنسا وتركيا، من إنزال هزائم متوالية بداعش، كما رأينا في كوباني وقرى كركوك؟
وإذا كانت دولة «داعش» بهذا الضعف والتداعي، كما جاء في تقرير لصحيفة «القبس» عن «انتهاء اليوتوبيا الداعشية» في وصفها لـ 58 حالة فرار من التنظيم، فلماذا لا تؤثر فيها هذه الضربات؟ لماذا وقع فرار هذه العناصر من التنظيم؟ يقول التقرير الذي ينقل عن مجلة فرنسية عن المركز الدولي لدراسة التطرف ICSR، إن الباحثين في المركز حددوا أربعة أسباب رئيسية للفرار، هي: انهماك «داعش» في محاربة منافسيه، بينما لا يكاد يقترب من جيش النظام السوري. والوحشية التي يمارسها التنظيم ضد المسلمين السُنة الذين تقول «داعش» إنها تحميهم. وبالطبع، لا يستثني إرهابيو «داعش» الأقليات من مختلف الأديان والمذاهب. وفساد عناصر التنظيم وسلوكهم غير الإسلامي. كما يشتكي السوريون من الامتيازات الخاصة التي يتمتع بها المقاتلون الأجانب، و«الحياة الجهادية» المخيبة للآمال وبخاصة بالنسبة للغربيين الذين يصدمون بنوعية الوضع والسلوك وانقطاع الكهرباء وصعوبات الحياة.
الإفلات من قبضة داعش ليس بالأمر السهل كذلك الانشقاق عن التنظيم مغامرة خطيرة بالنسبة لأعضاء التنظيم. فهم معرضون للاعتقال من حكوماتهم، أو للقتل من قبل أعضاء التنظيم، الذي يعتبر المنشق عنه مرتداً. لا تزال بعض الأسئلة الهامة عن استمرار قوّة داعش قائمة تبحث عن جواب مقنع!
خليل علي حيدر
صحيفة الإتحاد الإماراتية