يذكّر الزخم الإعلامي على موقع تويتر في السعودية بذلك الذي كان سائدا قبل سنوات، حيث تنزل جيوش إلكترونية مدعومة من جهات خارجية بكامل ثقلها على الترند السعودي لبث الشائعات في محاولة لإثارة البلبلة، ما يجعل السلطات أمام تحدّ جدي يتمثل في إبقاء سيطرتها على توجهات الرأي العام.
الرياض- تصدر هاشتاغ #أنا_مواطن الترند السعودي على موقع تويتر ليل الخميس الجمعة، وغزته حسابات وهمية تحمل معرفاتها صور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزير وولي العهد الأمير محمد بن سلمان للإيحاء بأنها سعودية لانتقاد ما أسمته غلاء الأسعار ونسب البطالة المرتفعة بالإضافة إلى فعاليات الترفيه “التي تزيد من الذنوب”.
ونشرت بعض الحسابات مقطع فيديو لوافد عربي في السعودية يسخر من سعودي وهو ما أثار جدلا واسعا. وغرد حساب:
ويتفاعل السعوديون على تويتر بشأن الانتقادات الموجهة لبلادهم، وهناك من يرى فيها تهجما وتحاملا على المملكة.
ويُعتبر العالم الافتراضي، خصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، فضاء مثاليا لقياس تفاعل السعوديين مع رؤية العالم الخارجي وخصوصا الغربي لبلدهم.
وفي السعودية يمثل تويتر ساحة المدينة التي يجتمع فيها المواطنون لتبادل المعلومات والآراء حول كل القضايا. وتعتبر المملكة أكبر سوق لوسائل الإعلام الاجتماعي في المنطقة، حيث أن 75 في المئة من سكانها لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين، وتجنح هذه الفئات العمرية إلى التعامل مع منصات الإعلام الرقمي.
انتبهوا من الحسابات الوهمية
وقد يبدو أن الجميع في السعودية يستخدمون تويتر، سواء كانوا رجال دين بارزين أو صحافيين معروفين أو مشاهير التلفزيون، وحتى العاهل السعودي الذي لديه 9.4 مليون متابع.
ونظراً إلى الأهمية الكبيرة التي تحظى بها هذه المنصة، تحوَّل تويتر إلى ساحة معركة رئيسية بين الحكومة السعودية التي تستخدمها لترويج سياسات المملكة و”أعدائها” الذين يستخدمونها لنشر انتقاداتهم للمملكة.
وتستخدم الجيوش الإلكترونية كل الأساليب لغزو الترند السعودي بدءا من “الهاشتاغات الباردة” التي تتميز بخدش الحياء، وتفاهة المحتوى، والإساءة للذوق والآداب العامة، بالإضافة إلى استغلال المؤسسات السعودية.
وقبل أيام قليلة حذّرت لجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية من التعامل مع الحسابات الوهمية التي تستغل الباحثين عن عمل على مواقع التواصل الاجتماعي. وقبلها حذرت الشركة السعودية للكهرباء من الانسياق خلف الرسائل أو الروابط أو الحسابات الوهمية وغير الرسمية.
وتواجه السعودية تحدي إبقاء سيطرتها على الرأي العام في تويتر الذي كادت أن تفقد السيطرة عليه قبل سنوات قليلة حين واجهت السلطات الأمنية صعوبة في إدارته، إذ أن أغلب الحسابات المؤثرة التي غزت تويتر حينها كانت تدار من خارج السعودية، ما جعل السلطات تدق ناقوس الخطر، حتى أنها طرحت فكرة إمكانية إغلاق الموقع إذا تطلب الأمر ذلك.
ورد السعوديون بإنشاء جيوشهم الإلكترونية الخاصة من مستخدمي تويتر في السعودية واختصت بملاحقة ومضايقة منتقدي المملكة ووصفهم بـ”الخونة” في إطار موجة من تنامي المشاعر القومية في البلاد.
وقبل أيام حذرت النيابة العامة من ترويج الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن مروجيها يواجهون عقوبة تصل إلى السجن خمس سنوات وغرامة مالية باهظة، بعد أيام من انتشار تغريدات عن تعرض فتيات لوقائع اختطاف وتحرش جنسي بعد إلغاء فاعلية ترفيهية في الرياض.
تويتر يمثل في السعودية ساحة المدينة التي يجتمع فيها المواطنون لتبادل المعلومات والآراء حول كل القضايا
وكانت السلطات السعودية ألغت الجمعة في اللحظات الأخيرة على وقع تردي الأحوال الجوية حفلة لفرقة “ستراي كيدز” الكورية الجنوبية. وتسبّب ذلك بفوضى في موقع الحفلة في شمال الرياض خصوصا مع هبوب رياح شديدة وأمطار غزيرة.
وتتهم النيابة العامة جهات خارجية معادية بقيادة حملات ممنهجة على مواقع التواصل، تهدف إلى تشويه سمعة البلاد. وبلغت نسبة المشاركة في الشائعات من خارج السعودية حوالي 75 في المئة. وأرسلت معظم المشاركات من إيران والعراق وفلسطين.
وأوضحت النيابة العامة في المملكة الخليجية الثرية أنّها استدعت بالفعل مشاركين في نشر هذه الشائعات، مشيرة إلى “العمل على استكمال الإجراءات الجزائية بحقهم”، من دون أن توضح عددهم أو إذا كانت أوقفتهم.
ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017، تشهد المملكة إصلاحات اجتماعية شملت السماح للنساء بقيادة السيارات، وإقامة الحفلات الغنائية، ووضع حدّ لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء الذي استمر لعقود.
ورغم ما تحظى به عملية الإصلاح والانفتاح من شعبية تثبت تغير مزاج السعوديين الذين نبذوا المتطرفين وتفسيرهم المتشدد للدين، فإنّ طريقها ليست خالية من العوائق وذلك بسبب تغلغل المنظور القديم داخل شرائح من المجتمع والذي تستغله الجيوش الإلكترونية.
الجيوش الإلكترونية تستخدم كل الأساليب لغزو الترند السعودي بدءا من “الهاشتاغات الباردة” التي تتميز بخدش الحياء، وتفاهة المحتوى
ووصف المستشار الأمني محمد الهدلة الجيوش الإلكترونية بـ“خلايا مدمرة مدعومة من قوى إقليمية شريرة هدفها تشويه السعودية ومرحلتها التنموية الحالية، ظاهرها الخوف على الدين، وادعاء حراسة الفضيلة وباطنها الإخلال بالأمن السعودي، ومحاولة الإساءة إلى السعودية وقياداتها”. وأضاف “العاقل يدرك أن استهداف السعودية مستمرّ وبرعاية دول ومنظمات ومؤسسات إعلامية، هدفها نشر الشائعات وتشويه سمعة السعودية وهز ثقة الشعب في قيادته وشرخ الكيان الداخلي، من خلال إطلاق هاشتاغات تلامس قضايا المجتمع السعودي”.
ويطالب أكاديميون المغردين السعوديين بعدم الانجرار وراء الهاشتاغات المريبة والمشاركة فيها.
ويقول معلقون إن الجمهور السعودي تحول من جمهور وسائل إعلام إلى جمهور قضايا جدلية. وفرض الجمهور السعودي نفسه على الساحة الإعلامية العربية بتجربة ومتابعة ونقد واستهلاك يصعب تجاوزه عند التخطيط الإعلامي، إلا أن الاستثمار الفعلي لهذا الجمهور، بعيد عن عيون صانعي الاستراتيجيات الإعلامية الوطنية، الذين يرون تبعية الجمهور لخطابهم الإعلامي تبعية هوية وليست مشاركة في قضية وخطاب.
العرب