تعكس التدخلات المتزايدة لمرتزقة فاغنر الروس في العديد من المناطق في العالم – مثل سوريا وليبيا والسودان ومالي وغيرها – مراهنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هؤلاء لإنعاش اقتصاد بلاده المتعثر بسبب العقوبات، وذلك من خلال الاستحواذ على الثروات والموارد الطبيعية الهائلة في تلك المناطق.
موسكو – يطرح توسيع مرتزقة فاغنر لنطاق عملهم، من ليبيا فسوريا إلى السودان وغيرها من الدول العربية والأفريقية، التساؤل عن الهدف من وراء ذلك، خاصة في ظل المحاولات اليائسة التي يقوم بها الغرب -لاسيما الأوروبيين- لمحاصرة هؤلاء.
انتشار واسع
ويبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كأنه يوظف هؤلاء المرتزقة المنضوين تحت شركات مقربة منه مثل فاغنر للاستفادة من الثروات الهائلة في عدة دول، وهو ما يمكن بوتين من إنعاش اقتصاد بلاده الذي يرزح تحت وطأة العديد من العقوبات الأميركية.
شكل الاعتماد على المرتزقة أبرز سمة تُميّز توجه روسيا العسكري في السنوات الأخيرة رغم نفي موسكو أي صلة لها بهم، خاصة مجموعة فاغنر التي تدعم في سوريا الرئيس بشار الأسد، وفي ليبيا هناك تقارير تتحدث عن دعمها للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، وهي موجودة أيضا في السودان وغيرها من الدول.
وبدأت صورة فاغنر تتغير مؤخرا بعد الكشف عن أن دورها الأمني والعسكري المحدود ليس سوى واجهة تخفي إمبراطورية اقتصادية آخذة في التوسع بعد أن وضعت يدها على النفط والغاز في سوريا من جهة البحر المتوسط.
شركات مملوكة لأشخاص مقرّبين من بوتين تتولى عملية استخراج الموارد الطبيعية في المناطق الخاضعة لسيطرة فاغنر
ورأى رسلان طراد -وهو كاتب يركّز بشكل خاص على شؤون سوريا وأساليب الحرب الهجينة، وقوات المرتزقة- أن “روسيا تنشر المرتزقة مدفوعةً بأسباب عدة: أولًا، للحصول على الموارد الطبيعية، ولاسيما من أجل تحسين موازنتها التي تأثّرت بالعقوبات. ثانيًا، يريد الكرملين العودة إلى الساحة الدولية. لقد شكّل الوضع في أوكرانيا زلزالًا قويًا، كشّرت خلاله روسيا عن أنيابها، لكن تدخلها في سوريا عام 2015 أظهر أن موسكو لا تنوي التنحّي جانبًا فيما تسعى البلدان الغربية خلف تحقيق مصالحها. وفي أفريقيا تخطو روسيا خطوتها الكبرى، إذ تبرم معاهدات مع بلدان أفريقية تشمل تدريب الجيوش المحلية واستخراج الموارد الطبيعية وبيع الأسلحة. ثالثًا، تقوم روسيا باختبار نموذج المرتزقة وصقله. وما مجموعة فاغنر إلّا نتاج عدة عمليات واختبارات في أوكرانيا وسوريا، استندت إلى الخبرة التي اكتسبها الاتحاد السوفييتي في الحرب الأفغانية خلال ثمانينات القرن العشرين، وحروب يوغوسلافيا السابقة في التسعينات، وحروب الشيشان في التسعينات أيضًا. في أفريقيا ليس المرتزقة مجرّد مقاتلين في الخطوط الأمامية، بل هم أيضًا رجال أعمال وحرّاس أمنيون ومدرّبون عسكريون، كما يبدو جليًا في جمهورية أفريقيا الوسطى”.
وأضاف طراد في حوار مع مركز “كارنيغي” أنه “بالعودة إلى الموارد الطبيعية تتولّى شركات خاصة مملوكة لأشخاص مقرّبين من بوتين عملية استخراج الموارد. وحين تُستوفى احتياجات الدولة يقوم الأوليغارشيون الذين يدعمون الحكومة الروسية بتسديد ثمن الخدمات أيضًا. يجب ألا ننسى أن مجموعة فاغنر تشارك بشكل نشِط في النزاعات العسكرية، ما يُكلّف مبالغ مالية طائلة يسدّدها الأوليغارشيون وليس الخزانة الروسية. ونظرًا إلى الروابط التي تجمع بوتين بهؤلاء الأشخاص، مثل يفغيني بريغوجين -أحد المموّلين الأساسيين لمجموعة فاغنر- يستحيل الفصل بين المصالح الخاصة ومصالح الدولة. لذلك يشكّل المرتزقة جزءًا من حزمة الخدمات التي تقدّمها روسيا إلى زبائنها، ومعظمهم قادة سلطويون يعانون صعوبات اقتصادية وسياسية. إذن يستخدم الكرملين روابطه القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، لكن يُلبسها حلّة جديدة من أجل تلبية حاجات البلاد في مجال السياسة الخارجية”.
وساهم توسيع مجموعة فاغنر نطاق تواجدها داخل سوريا فالسودان وليبيا وأخيراً مالي في تحجيم نفوذ عدة قوى إقليمية على غرار فرنسا والولايات المتحدة لصالح روسيا، وهو ما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى التحرك في محاولة لمحاصرة هذا التمدد، لكن جهود التكتل لم تثمر إلى حد الآن أي نتائج على أرض الواقع فمالي على سبيل المثال باتت تتحدى بشكل واضح باريس والعواصم الأوروبية الأخرى.
بدأت روسيا في السنوات الأخيرة تجني ثمار تدخل مرتزقة فاغنر في عدة مناطق في العالم مهما كانت نتيجة ذلك التدخل، ففي سوريا مثلا نجحت في تأمين بقاء الأسد على رأس السلطة، ولكن في ليبيا لم تنجح حملة المشير خليفة حفتر في استعادة السيطرة على العاصمة طرابلس غير أنه في كلتا الحالتين تُعد موسكو أبرز مستفيد.
روسيا تجني الثمار
محاولة إنعاش اقتصاد البلاد
يقول طراد إن “الروس أنشأوا تشكيلات عسكرية أصبحت رسميًا جزءًا من جيش الرئيس بشار الأسد، لكنها مرتبطة في الواقع بالقوات المسلحة الروسية. بهذه الطريقة يساعد الروس زبائنهم، ويدعمونهم على الساحة الدولية، ويشاركون مباشرةً في النزاعات”.
وأضاف “في ليبيا أيضًا تُعتبر المهمة الروسية ناجحة، على الرغم من فشل حفتر في السيطرة على طرابلس. فقد نجحت موسكو في تعزيز مكانة زبونها المحلي والاستفادة من الاحتياطيات النفطية والحصول على قواعد آمنة مقابل المساعدة التي قدّمتها مجموعة فاغنر”.
الاعتماد على شركات أمنية خاصة مضمونة الولاء يضمن لروسيا هامشا من حرية التعاطي مع الأحداث، كما يجنبها الضغوط الدبلوماسية والإعلامية الغربية ويفتح الطريق أمام تمدد ناعم في المجالات الحيوية
على صعيد آخر يوفر الاعتماد على شركات أمنية خاصة مضمونة الولاء لروسيا هامشا من حرية التعاطي مع الأحداث كما يجنبها الضغوط الدبلوماسية والإعلامية الغربية ويفتح الطريق أمام تمدد ناعم في المجالات الحيوية التي لم يكن يتيحها التدخل العسكري المباشر في السابق لدعم حلفاء في أميركا اللاتينية أو أفريقيا أو أفغانستان.
كما أن غياب الصفة الرسمية يتيح للشركات الروسية التحرك بحرية خاصة في قارة مثل أفريقيا التي تتحكم فيها حالة عدم الاستقرار السياسي ولديها موارد طبيعية وفيرة.
وفي حين تعترف روسيا بتدخلها في سوريا تُنكر أي دور لها في ليبيا، وهو ما يشكل تحديا خاصة بالنسبة إلى مناهضي الحضور العسكري الروسي أو غيره في البلاد.
العرب