لا فائدة من الحديث مع إيران.. هذا ما أكده هجوم أبوظبي

لا فائدة من الحديث مع إيران.. هذا ما أكده هجوم أبوظبي

عندما أجرت دولة الإمارات محادثات مع النظام الإيراني في الشهر الماضي، بدا أن الأمور تسير على ما يرام وحسب التوقعات، حيث وصل مستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد إلى إيران في السادس من ديسمبر ودعا الرئيس إبراهيم رئيسي لزيارة أبوظبي في الشهر المقبل.

ولكن عوضاً عن رد البادرة الطيبة بمثيلتها، ردت ميليشيات الحوثي الإيرانية في اليمن بشن هجوم على أهداف مدنية في العاصمة الإماراتية، واستهدفت الضربات، مستودعًا لتخزين الوقود، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين، كما تسببت الهجمات في اندلاع حريق بالقرب من مطار أبوظبي.

إن تغيير طهران لمسارها من مسار الحوار إلى مسار حرب الطائرات دون طيار يثبت خطأ شعار الرئيس جو بايدن القائل “إن الحديث مع إيران فقط يمكن أن يحقق الاستقرار الإقليمي”، ومثل معظم الدول المارقة الأخرى فإن الدبلوماسية الوحيدة التي تعمل مع إيران هي تلك النسخة القديمة من السياسات التي وصفها الرئيس ثيودور روزفلت بقوله “تحدث بلطف واحمل عصا غليظة”.

◙ قد يكون الدافع الإيراني الآخر من وراء ذلك الهجوم هو الإذلال الذي عانت منه، بعد أن عصفت بها عدة تفجيرات غامضة مؤخرا

ولم يوفّر الحوار مع طهران أي حماية للإمارات من هجمات الحوثيين، لأن إيران تنظر إلى الشؤون العالمية من منظور الربح والخسارة، ولا مكان فيها للاعبين المحايدين أو لمن لا ينتمي لفريق مّا من الفرق المتعاركة. وفي مواجهتها لأميركا ولإسرائيل، تريد طهران من حكومات المنطقة الانحياز إلى إحدى جانبي الصراع، كما تريدها أن تعاني الويلات إذا عارضتها.

وإدراكًا من حكومة الإمارات للتوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، وتفهما منها أن سلامها المتنامي مع الدولة اليهودية قد يُنظر إليه على أنه غلق للباب في وجه إيران، أرسلت أبوظبي الشيخ طحنون إلى إيران برسالة واضحة وهي: إن الإمارات تريد النأي بنفسها عن أي مواجهة عسكرية محتملة بين إسرائيل وإيران، وفي حين أن أبوظبي قد تفضل أحدى طرفي الصراع، إلا أنها ستحتفظ بخياراتها لنفسها ولن تقدم يد العون لأيّ من الجانبين.

ويبدو أن إيران وافقت على مضمون تلك الرسالة، وحاولت توظيف تلك الرحلة كفرصة لالتقاط الصور، بقصد الإشارة إلى عواصم إقليمية أخرى أن طهران هي القوة المهيمنة الجديدة في المنطقة، وأن على الحكومات الخليجية الأخرى الالتفات إليها وطلب ودها.

ولكن، قد لا ينحصر العداء الإيراني تجاه الإمارات في السياسات الإقليمية فقط، حيث يتعارض النموذج الإماراتي الناجح مع المخطط الذي تُروّج له الحكومة الإسلامية الإيرانية تعارضاً كبيراً، فقد أعطى النموذج الإماراتي القائم على السلام والجدارة واقتصاد المعرفة ملايين الإماراتيين والمقيمين المغتربين فرصة للعيش والنمو والازدهار. وعلى العكس من ذلك، فإن النموذج الإيراني يتمحور حول الحرب والقتل والإكراه والأصولية الدينية، ولا مكان فيه للدول التي تريد العيش والتسامح.

وعليه، أرادت طهران تذكير الإمارات بأنه، بالرغم من نجاح نموذجها، إلا أنه أيضًا عرضة للحروب، ولأن طهران تملك موهبة بدء الصراعات ونشر الدمار، فإنها تريد من الإمارات العلم أن على أبوظبي الوقوف إلى جانب طهران ضد واشنطن، أو تحمّل النتائج.

وقد أدى ضعف إدارة بايدن إلى تفاقم المشكلة، حيث مهدت السياسة الخارجية لبايدن والقائمة على “الفكر الأيديولوجي واللاواقعية” الطريق لإيران للتنمر على جيرانها، وهو سلوك ما كان لطهران أن تجرؤ على الإقدام عليه بعد أن قتلت إدارة دونالد ترامب القائد الإيراني قاسم سليماني.

وتتمثل الأدلة التي تثبت أن طهران أمرت بضرب الإمارات في التكنولوجيا المستخدمة في الهجوم، حيث تشير التقارير الأولية إلى طائرات دون طيار إيرانية الصنع وربما صواريخ باليستية، ونادرًا ما يُسمح للميليشيات الموالية لإيران باستخدام مثل هذه التكنولوجيا من دون إشراف إيراني، أو على الأقل أخذ الإذن من طهران.

وتشير السلوكيات السابقة للميليشيات الموالية لإيران إلى الكيفية التي يعمل من خلالها التسلسل القيادي الإيراني، ففي لبنان، على سبيل المثال، يتمتع حزب الله الإيراني باستقلال كامل لإدارة السياسات الداخلية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحروب الإقليمية، فإن إيران هي صاحبة القرار.

وخلال السنوات الأولى من الحرب السورية، نفى زعيم حزب الله حسن نصرالله مرارًا وتكرارًا وجود أيّ صراع، في حين قالت مصادر مقربة من قيادة الحزب إن الميليشيات الموالية لإيران خططت للنأي بنفسها عن تلك الحرب، ولكن إيران أمرت حزب الله بخوضها.

وكما هو الحال في لبنان، وكذلك في العراق، فغالبًا ما تُدير طهران ميليشياتها في القضايا الإقليمية، أما القضايا الداخلية، فتسمح لهم بتقرير مصيرهم.

◙ الحوار مع طهران لم يوفّر أي حماية للإمارات من هجمات الحوثيين، لأن إيران تنظر إلى الشؤون العالمية من منظور الربح والخسارة

وعندما تحتاج الميليشيات إلى الدعم، فعادة ما تبادر إيران لمد يد العون، كما هو الحال في هجوم الطائرات دون طيار الذي استهدف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في بغداد، حيث يوجد مطاران فقط يوفران مهبط لإقلاع الطائرات دون طيار، أحدهما في جنوب إيران والآخر على الحدود العراقية مع سوريا، وكلا القاعدتين يسيطر عليهما النظام الإيراني، ومع ذلك، فقد أعلنت الميليشيات الموالية لإيران مسؤوليتها عن ذلك الهجوم.

وربما كان ذلك ما حدث أثناء العدوان على الإمارات، فقد قاد عملاء إيران في اليمن الهجوم، في حين زعم الحوثيون بكل فخر شن ذلك الهجوم.

وقد يكون الدافع الإيراني الآخر من وراء ذلك الهجوم هو الإذلال الذي عانت منه، بعد أن عصفت بها عدة تفجيرات غامضة مؤخرا. ورداً على ذلك، قررت إيران جر الإمارات إلى دائرة الصراع، على الرغم من جهود أبوظبي الحثيثة للابتعاد عن تلك الدائرة، والحفاظ على علاقات حسن الجوار مع طهران.

وتتمتع طهران بسجل حافل بفقدان الأصدقاء وخسارتهم، وقد يكون قرار النظام الإيراني بالانقلاب على دولة الإمارات في مثل هذه اللحظة هو قرار قد تندم عليه في المستقبل.

العرب