انتخابات تركية مبكرة على الأبواب تنبئ بتواصل حالة الشلل السياسي

انتخابات تركية مبكرة على الأبواب تنبئ بتواصل حالة الشلل السياسي

download

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية التركية الثانية التي ستقام في بداية شهر نوفمبر المقبل، تخيم على المشهد العام الكثير من المستجدات السياسية والدبلوماسية والأمنية داخليا وخارجيا، ما ينذر بأنّ هذا الحدث سيكون بمثابة المحطة المفصلية المفتوحة على عدة فرضيات أهمها تواصل تراجع حزب العدالة والتنمية، لا سيما بعد موجة الغضب العارمة التي شهدها الشارع التركي عقب التفجيرين الأخيرين، اللذان نفذهما انتحاريان واستهدفا يوم السبت العاشر من أكتوبر الجاري، مسيرة كبرى مؤيدة للسلام في العاصمة التركية أنقرة. ممّا أسفر عن مقتل سبعة وتسعين شخصا، في اثنين من أسوأ الهجمات الإرهابية التي شهدها التاريخ التركي.

وقد أشار موقع المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي)، بخصوص هذه الحادثة، إلى إمكانية وجود ارتباط بين الانتحاريين وبين تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتحديدا خلية تابعة للتنظيم المتشدد مقرها أديامان في جنوب شرق تركيا.

ولا تزال العديد من المعلومات المحيطة بالأحداث متضاربة، كما لم تكشف الحكومة التركية حتى اللّحظة بشكل رسمي عن تفاصيل تتعلق بالمشتبه بهما في الهجوم. وفي حين أشارت مصادر أمنية تركية إلى ارتباطهما بخلية أديامان، ألمح رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، إلى احتمال تحالف داعش مع حزب العمال الكردستاني من أجل إثارة الفوضى السياسية في تركيا قبل الانتخابات المزمع إجراؤها في غرة نوفمبر القادم.

صعود حزب الشعوب

تأتي تفجيرات أنقرة قبل ثلاثة أسابيع من توجّه الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع للتصويت في انتخابات مبكرة، تم الالتجاء إليها بعد فشل حزب العدالة والتنمية في الفوز بعدد كاف من المقاعد البرلمانية يسمح له بتشكيل الحكومة، على إثر الانتخابات التي جرت في شهر يونيو الماضي. وبالتوازي مع هذا الفشل السياسي، الذي مني به حزب العدالة والتنمية، مثّل الصعود المفاجئ لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد مفاجأة كبيرة تنضاف إلى مجمل مفاجآت المشهد السياسي التركي عموما.

وتفيد تحليلات بأنه من خلال الاستفادة من الوضع القائم في سوريا، تمكن حزب الشعوب الديمقراطي من كسب 13 بالمئة من الأصوات، ومضاعفة نسبته التقليدية، عبر استقطاب الأنصار السابقين لحزب العدالة والتنمية من الأكراد. ويرتبط نجاح حزب الشعوب الديمقراطي أيضا بالشخصية الكاريزماتية لزعيمه صلاح الدين دميرتاش، الذي كان قادرا على الاستفادة من تنامي المشاعر القومية في المنطقة الكردية لتعزيز جاذبيته الشعبية.

الحكومة التركية تحاول ربط تفجيرات أنقرة بكل من داعش وحزب العمال الكردستاني في سياق استراتجيتها الانتخابية

وبهذا المعنى تجدد التضامن بين عموم الأكراد الذي كان منبعه توحيد الصفوف الكردية ضد تنظيم داعش في كلّ من سوريا والعراق. وتفيد معطيات بأنّ حزب الاتحاد الديمقراطي يرتبط بشكل وثيق بحزب العمال الكردستاني، المصنف على قائمة الجماعات الإرهابية في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا، والذي يخوض حركة تمرّد ضد الدولة التّركية من أجل الحصول على الحكم الذاتي منذ عام 1984.

وخلال حصار داعش لمدينة كوباني، رفضت الحكومة التركية التدخل بشكل مباشر، الأمر الذي عمق الغضب الكردي داخل تركيا ضد حزب العدالة والتنمية. ويتأتى هذا الغضب من الإيمان الراسخ لدى الأكراد الأتراك بأنّ حزب العدالة والتنمية قدّم دعما مباشرا لداعش وغيره من التنظيمات السورية المتشددة للحد من مكاسب حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا.

وبدوره عمد زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش بعد تفجيرات سروج وأنقرة إلى العمل على إذكاء الشعور القومي لدى الأكراد، متّهما حزب العدالة والتنمية بالضلوع في تلك الهجمات. وقد رفض هذا الأخير تلك الاتهامات، واتهم بدوره دميرتاش بالسعي إلى تعميق التوترات السياسية في البلاد.

وبين هذا وذاك تبدو محاولات تصوير حزب العمال الكردستاني على أنه جزء من الهجوم جليّة في علاقة باستراتيجية حزب العدالة والتنمية الانتخابية في مواجهة حزب الشعوب الديمقراطي. وسواء قبل انتخابات يونيو الماضي، أو خلال الفترة الحالية التي يستعدّ فيها الأتراك لخوض الانتخابات المبكرة المقبلة، عمد حزب العدالة والتنمية إلى الترويج إلى وجود علاقة مباشرة بين دميرتاش وحزب العمال الكردستاني، وبالتالي تصوير زعيم حزب الشعوب على أنه “إرهابي”.

وتفيد تقارير بأنّ حزب الشعوب الديمقراطي على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني، وبأنّ الحزب عموما يستفيد من المنظمات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني النشطة في مدن تركيا ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق البلاد، ويعتمد استراتيجية زيادة عدد المسجلين في الانتخابات وحثهم على التصويت.

ومع ذلك، فقد سعى حزب الشعوب الديمقراطي إلى تحقيق نوع من الاستقلال عن باقي الأكراد، واتخذ دميرتاش مواقف سياسية تخالف مواقف قيادة حزب العمال الكردستاني الحالية في كردستان العراق. ولكن وعلى الرغم من ذلك فقد رفض حزب العدالة والتنمية الاعتراف بهذا الفرق وهذه الاختلافات، وبدلا من ذلك سعى إلى استخدام هذه المعطيات ونشرها من أجل تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية.

مأزق محتمل

تشهد تركيا خلال الأشهر الأخيرة موجة متنامية من العنف وتناميا مطّردا للهجمات الإرهابية، كما يشهد الشارع التركي سيلا من الاحتجاجات العارمة التي تسببت فيها مشاعر الحنق وعدم الرضا على سياسات حزب العدالة والتنمية الذي لا يفكر بغير تحصين موقعه وجمع جل السلطات بين يدي زعيمه رجب طيب أردوغان. وقد ازدادت وتيرة وحدّة الهجمات، خاصة بعد انتهاء اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، الذي دام لمدة عامين وانهار في منتصف شهر يوليو الماضي. ومنذ ذلك الحين، استهدف حزب العمال الكردستاني حوالي 146 من بين عناصر الأمن التركي ونفذت القوات الجوية التركية بدورها المئات من الغارات الجوية في كردستان العراق وجنوب شرق تركيا.

في أعقاب تفجير أنقرة، سرعان ما تم تسييس الحدث، ما أسفر عن مزيد تعميق التوترات داخل المجتمع وزيادة الاستقطاب قبيل الانتخابات المقبلة.

وبين هذا وذاك تظهر جل استطلاعات الرأي العام أنّ الخيارات السياسية للناخبين لم تتغير كثيرا منذ انتخابات يونيو الماضي. وهذا يشير إلى أنه لا وجود لناخبين متردّدين.

وفي الوقت الذي تشير فيه بعض هذه الاستطلاعات إلى إمكانية أن يظلّ حزب العدالة والتنمية مرشحا للفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان المقبل، إلا أنّها تستبعد أن يكون قادرا على تشكيل الحكومة مرّة أخرى بمفرده، مما يعيده ثانية إلى نقطة الصفر ويدفعه مضطرّا إلى دخول جولة جديدة من المفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع مختلف القوى الأخرى الممثلة في البرلمان التركي، وهو الأمر الذي لا تساعد الظروف الحالية على إتمامه.

وقد أسهمت التفجيرات الأخيرة في جعل هذه العملية أكثر صعوبة، حيث أنّها أبقت كلّا من حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العدالة والتنمية على خلاف تام مع بعضها البعض، يسعى كل منهما إلى تطويع الأحداث الجارية واستغلالها وفق غايات سياسية وخاصة حزب أردوغان. وعلى الرغم من أنّ الحزب الرئيسي في المعارضة التركية، وهو حزب الشعب الجمهوري، قد دعا إلى تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الهجوم، إلاّ أنّ حزب العدالة والتنمية قاوم ذلك بشدة، نتيجة لمخاوف تراوده من أنّ شعبية الحزب قد تتدنّى إذا ما تم كشف ثغرات أمنية كبيرة.

وأظهر آخر استطلاع أجراه مركز “بو” لاستطلاعات الرأي عن الشأن التركي عددا من المؤشرات السلبية عن الإدارة التركية الحالية، إذ بلغت نسبة الأتراك غير الراضين عن وضع البلاد بشكل عام 54 بالمئة من العيّنة، في حين يرى 52 بالمئة من الأتراك أنّ أولادهم سيعيشون في وضع أسوأ اقتصاديّا في المستقبل. كما أفاد الاستطلاع بأنّ نسبة المعارضين لسياسات الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بلغت الـ51 بالمئة.

وتفيد هذه المعطيات مجتمعة في ظلّ، تواصل المواجهات بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، بأنّ المشهد الانتخابي المقبل سيكون مفتوحا على كلّ الاحتمالات وهو ما يبدو أن حزب العدالة والتنمية يعيه جيدا ويحاول بكل السبل للمحافظة على سلطة زعيمه أردوغان مهما كانت النتائج التي بدأت تعلن عن دمويتها منذ مدة.

صحيفة العرب اللندنية