على الرغم من الأبهة الإعلامية التي ظهر فيها خبر زيارة بشار الأسد إلى روسيا، فإن الزيارة لم تعكس حفاوة روسية برئيس؛ بل كان المشهد أقرب إلى مأتم، وبقي التجهم بادياً على الوجوه الروسية والسورية طوال الزيارة.
ظهر بشار الأسد “عارياً” من مرافقيه ومستشاريه، وغاب عن المشهد، بشكل مقصود، بروتوكول السجادة الحمراء، وحرس الشرف، والأناشيد الوطنية. تعامل بوتين مع بشار الأسد تعامله مع “وكيل”، وليس مع رئيس، أما الحديث الذي تم تبادله فيمكن تخمينه من التصريحات الروسية التي أعقبت اللقاء، لكن التركيز السوري كان على الشكل فقط. وأبرز الإعلام الرسمي صور بشار الأسد مع فلاديمير بوتين، بما يوحي أن “الرئيس” قد أسرى على ظهر براق من دمشق إلى موسكو، وعاد في اليوم نفسه، ليس لمطالعة معالم سانت بطرسبورغ وبحر البلطيق. ولكن، ليحظى بصورة تذكارية تجمعه مع بوتين.
الزيارة لم تقررها الدبلوماسية السورية، وربما لم يكن في حسبانها حدث من هذا النوع، فقد تقزّم وجودها، أخيراً، وانكمش حتى أصبح، في ظل الوجود الإيراني الكثيف ثم الروسي المجلجل، مجردَ إجراء بيروقراطي. جاءت الزيارة في السياق الذي رسمته موسكو لتبرير وجودها العسكري في سورية، وترسيخه، والتُقِطَت الصور التذكارية هناك للاستهلاك الإعلامي، وإرسال رسالة من موسكو أن “الرئيس” الذي يسكن في قصر الشعب يبارك التدخل العسكري الروسي في بلاده. لا يتعلق الأمر بالوفاء، أو بعشق شخصي للأسد، لكنه موقف رسمي يفضي إلى الموافقة على كل ما تفعله روسيا في سماء سورية حالياً، وربما لاحقاً، على الأرض، وكل ما قد ينتج عن هذا الوجود من مضاعفات، فليس شخص الرئيس مهماً بقدر موقعه الذي يتيح رسمياً للروس القيام بالخطوة التالية.
جو الأمان الذي وفرته أميركا ومعها أوروبا الغارقة في أزمة اللاجئين أمنت لبوتين هامشاً واسعاً للتحرك، حتى أرسل آخر ما أنتجته شركة سوخوي إلى السماء السورية. وبناء على الهامش نفسه، عُقد مؤتمر فيينا الذي تحول إلى عملية شد وجذب حول مصير “الرئيس”، وانتهى إلى النقطة التي بدأ منها متمسكاً بالمواقف المعروفة، السعودية لا تقبل بالأسد، وروسيا لا تقبل من دونه، وأميركا التي لفظته سابقاً، على استعداد لتبتلعه من جديد مع جرعة “مياه غازية” مناسبة. لكن، في نهاية المؤتمر، حققت روسيا نقطة دبلوماسية، باعتبارها تؤيد الحل السلمي عبر المؤتمرات والمحادثات. وذهبت إلى أبعد من ذلك أن دعتْ أطرافاً جديدة للانضمام إلى المحادثات التالية، طبعاً من دون أن تتناقص طلعات السوخوي الروسي الكثيفة، ومن دون أن يتوقف مفوضها العسكري عن تعداد الأهداف اليومية التي قُصِفَت.
فيما تبدو روسيا مصرّة على ضرورة تسوية الحرب السورية بوسيلة سلمية تفاوضية، تبدو أكثر تشبثاً بأمرٍ لن تتوقف الحرب بدونه، وهو “مصير الرئيس” الذي أصبح عنواناً للتفاوض، لم يستثنِهِ أي مندوب من مندوبي الدول التي حضرت مؤتمر فيينا، فأصبح فاتحة لازمة عند الحديث عن سورية في ربط ظالم لمصير البلد بمصير هذا الرجل الذي صار بنداً رئيسياً من بنود أي خطة للحل، وكأن على سورية أن تعاني، حتى اللحظات الأخيرة، من الاسم الذي ألصقته بها عائلة الأسد.
من المؤكد أن الحلقات القادمة من جنيف ستركز على البند نفسه، وخصوصاً إذا نجحت روسيا في إضافة إيران ومصر إلى المحادثات، فدول كثيرة ترغب، أو لا تشعر بغضاضة، لو استبدلت اسم سورية باسم الأسد أو العكس، في دمج حرص الإعلام السوري منذ زمن الأسد الأب على التركيز عليه.
يتكئ المساندون للأسد على المفهوم نفسه، مسوقين فكرة تقول، إنه في اللحظة التي يختفي فيها الأسد تختفي سورية، وما زال هذا المفهوم طافياً، مثل جثة على السطح، حتى بعد أن أصبحت مدن سورية كلها أكواماً من الحطام في عهد الأسد، وبسببه.
فاطمة ياسين
صحيفة العربي الجديد