الباحثة شذى خليل*
في ظل التوتر بين موسكو وواشنطن حول أوكرانيا، تنظر أوروبا في سيناريوهات محتملة لانقطاع إمدادات الغاز الروسي إذا تم فرض عقوبات على موسكو.
وتعد روسيا المورد الرئيس للطاقة للقارة الاوروبية، التي تزودها بنحو ثلث احتياجاتها من الغاز، وتخطط روسيا وفي إطار الاستراتيجية لتصبح من الدول الرائدة عالميا في إنتاج الغاز المسال، وتسعى لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال بحلول العام 2035 إلى 140 مليون طن.
في ظل أزمة الغاز في أوروبا وتصاعد التوتر يتأزم الوضع ، وتظهر الدراسات الاقتصادية بعض السيناريوهات عن أزمة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، و حجم المخزون الحالي من الغاز الطبيعي في جميع دول التكتل.
وفقا لبيانات “كومرتس بنك”، الذي يعد ثاني أكبر مانح للقروض في ألمانيا، فقد باتت مرافق تخزين الغاز في بلدان التكتل الأوروبي عند منتصف سعتها التخزينية، مع ذروة فصل الشتاء الذي يصاحبه زيادة في الطلب.
أكد بعض المحللين الاقتصاديين، ان المخزون في الوقت الحالي حوالي 47٪ من السعة الكاملة”، إن الأمر يمثل مشكلة إذ أنه من المفترض أن يصل المخزون في الوقت الحالي إلى 60 بالمائة، وهذا يؤكد النقص الكبير في الطاقة.
ووفقا للرسم البياني لـ”كومرتس بنك”، فإنه في شهر يناير/ كانون الثاني للسنوات الماضية كان مخزون الاتحاد الأوروبي من الغاز يتراوح بين 60٪ وحتى أكثر من 85٪ من سعة الخزانات.
الولايات المتحدة الامريكية ، تطلب من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، من قطر ومنتجي الطاقة الرئيسيين الآخرين تحويل إمدادات الغاز إلى أوروبا إذا هاجمت روسيا أوكرانيا وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا.
وحسب مراقبين لوسائل إعلام غربية بشكل متزايد عن أن روسيا تستعد لـ “هجوم على أوكرانيا”، ما سيؤدي إلى انقطاع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، من جهتها نفت موسكو هذه المزاعم، وقال سيرغي ناريشكين مدير المخابرات الخارجية الروسية إن المسائل المتعلقة بـ”الهجوم” هي دعاية خبيثة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، بدوره أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف أن روسيا لا تهدد الشعب الأوكراني، وأي انقطاع للإمدادات بسبب هجوم من شأنه أن يفاقم أزمة الطاقة الحالية الناجمة عن النقص العالمي في النفط والغاز.
وفي إطار البحث عن بدائل للغاز الروسي تتوجه الأنظار لدول مثل قطر وأستراليا المصدرين الكبيرين للغاز المسال في العالم، ويتساءل الخبراء: هل من الممكن الاستعاضة عن الغاز الروسي في أوروبا؟
الغاز القطري :
قطر، أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال ، لديها القليل من الإمدادات الاحتياطية لأن معظم إنتاجها مقيد بعقود طويلة الأجل.
تبلغ الطاقة التصديرية للغاز الطبيعي المسال في قطر 106 مليار متر مكعب. يتوقع Luke Cottell من S&P Global Platts أن يرتفع ذلك إلى 107 مليار متر مكعب فقط ، مما يحد من الصادرات القطرية.
يمكن أن تنتج المزيد من خلال تأجيل الصيانة في الربع الثاني ، لكن عقودها الآسيوية لا تزال تحد من قدرتها على إمداد أوروبا.
يقدر التجار أن الإنتاج القطري ينقسم إلى 90٪ -95٪ عقود طويلة الأجل و 5٪ -10٪ عقود فورية، يمكن تعديل العقود طويلة الأجل ، من نقطة إلى نقطة ، مثل تلك العقود من قطر إلى الصين أو اليابان ، للإفراج عن الإمدادات لأوروبا ، لكن أي عملاء آسيويين يوافقون سيحتاجون إلى تعويض.
تتوقع مصادر الصناعة والمحللون أن تقوم قطر بتحويل 8٪ إلى 10٪ فقط من غازها الطبيعي المسال إلى أوروبا ، وحتى هذا سيستغرق وقتًا حيث يستغرق شحن الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى أوروبا وقتًا أطول منه إلى آسيا
بعض الدراسات الاقتصادية تؤكد أن دول الشرق الأوسط بما فيها قطر، لن تكون قادرة على تعويض إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل كامل في حال انقطاع هذه الإمدادات، أو شحّها، وأن دول الشرق الأوسط لن تتمكن من تعويض إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل كامل في حال رفض الاتحاد الأوروبي الوقود الأزرق الروسي.
ويقول المحللون ان “كل الغاز القطري لا يكفي للتعويض الكامل عن الإمدادات الروسية إلى أوروبا، وحتى تعويض 40 مليار متر مكعب من الغاز المتدفق حاليا عبر أوكرانيا، فهي خطوة سياسية غير عادية، ستغرق العديد من المشترين الحاليين للغاز القطري في أزمة”.
قال رون سميث كبير المحللين في BCS Global Markets: “أوروبا ليس لديها بديل عن الغاز الروسي. سيكون على (منتجي الغاز الآخرين) إعادة توجيه نصف الغاز الطبيعي المسال الذي تستهلكه آسيا إلى أوروبا، وذلك للوصول إلى مستوى إمدادات شركة “غازبروم” الروسية إلى القارة العجوز”. و أن خطوة مثل هذه ستؤدي إلى نقص حاد في الوقود واندلاع أزمة طاقة في جميع أنحاء القارة الآسيوية، وهي نقطة أكدها كذلك المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف، وقال إن استبدال الغاز الروسي ليس بالمهمة السهلة، إذ أن روسيا توفر قرابة 40% من واردات أوروبا من الغاز، ففي 9 أشهر من عام 2021، قدمت شركة “غازبروم” الروسية 51% من الغاز الذي استوردته أوروبا… بالنسبة لأوروبا، ستكون هذه كارثة اقتصادية، إن وقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا سيخلق عجزا هائلا في سوق الغاز العالمية، وسيؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز عدة مرات، إن لم يكن عشرات المرات.
صادرات روسيا وقطر من الغاز الطبيعي، تبين بيانات شركة “غازبروم” الروسية إلى أن صادراتها من الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية باستثناء تركيا وصربيا بلغت في 2020 قرابة 157 مليار متر مكعب، وأبرز الدول الأوروبية المستوردة كانت دول أوروبا الغربية.
وأن صادرات قطر ككل بلغت في العام 2020 نحو 128 مليار متر مكعب من الغاز، بما في ذلك 21.8 صادرات عبر الأنابيب و106.1 صادرات غاز طبيعي مسال.
وكانت حصة السوق الآسيوية قرابة 65% من إجمالي صادرات الغاز المسال القطري، فيما بلغت حصة السوق الأوروبية نحو 20%.
وعند إجراء مقارنة يظهر بشكل واضح أن قطر ستضطر إلى توجيه إجمالي صادراتها من الغاز المسال إلى أوروبا في محاولة لتعويض الغاز الروسي، أي أنها ستضطر للتخلي عن السوق الآسيوية الواعدة.
ختاما يرى الاتحاد الأوروبي أن التجارة الحرة للغاز ضرورية لأمن الطاقة ، وإن التدفقات الثابتة للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا دفعت بالفعل إلى زيادة استخدام متوسط قدرة إعادة التحويل إلى غاز لمدة 30 يومًا – التي تحول الغاز الطبيعي المسال المبرد إلى غاز طبيعي – إلى 75٪ من 51٪ في أوائل يناير في غرب وجنوب أوروبا.
وهذا يعني أن أوروبا لديها قدرة محدودة على إعادة تحويل الغاز إلى غاز وتخزين لامتصاص المزيد من تدفقات الغاز الطبيعي المسال.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية