تلقي الأوضاع الاقتصادية في الداخل الإيراني متابعة جدية واهتمام كبير من قبل الأجهزة الأمنية والاستخبارية التابعة للنظام وترى انها بدأت تهدد المستقبل السياسي للنظام بانعدام الخطط الميدانية والبرامج التنموية التي لم تتمكن الحكومة الإيرانية من الإعداد لها ومواجهة العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي بلغت تأثيراتها في كافة مجالات الحياة وتحديدا في الوضع المعاشي للايرانيين وعدم الاهتمام الجدي للاوضاع المأساوية التي تعيشها الشعوب الإيرانية وضعف الإدارة السياسية في تحريك المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا بخصوص البرنامج النووي الإيراني باستمرار سياسة التعنت وإظهار القوة أمام المحاولات الدولية للوصول لاتفاق مشترك جديد، رغم إدراك النظام الإيراني وعلمه لحقيقة الأوضاع القائمة في بلاده إلا أنه يتغاضى عن ذلك ولا يزال متعنتا في شروطه وتطلعاته واستمرار سياسته في النفوذ والتردد داخل منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي على حساب حياة ومستقبل المواطن الإيراني الذي أخذ يواجه الوضع القائم بالعديد من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في المدن الإيرانية الرئيسية(طهران وتبريز وكرمنشاه واصفهان ) من قبل عمال البلدية والخدمات والعاملين في مجال النفط والغاز والطاقة بسبب تأخر صرف رواتبهم وتصاعد تكاليف المعيشة وانقطاع التيار الكهربائي وهذه الأوضاع بدأت ترهق كاهل المواطن الإيراني والحال يتبع المتقاعدين الذين لم يحصلوا على مستحقاتهم لعدة شهور رغم الوعود الحكومية التي بدأ 53% من الإيرانيين يشككون بها وبدأوا يمتعضون منها بل وصلت حدة التظاهرات إلى الهتاف ضد قيادات النظام الإيراني، بعدما وصل الحال بالمواطن الفقير الى بيع جزء من أعضائه البشرية كما جاء بتصريح رئيس جمعية دعم مرضى الكلى في مدينة كرمنشاه الإيرانية حسين بيكلري الذي أكد أن سعر بيع الكلى وصل إلى 80مليون تومان وهذا مؤشر خطير على سوء الحياة المعاشية والمستقبل المظلم الذي ينتظر الشعوب الإيرانية بسبب سياسة النظام وتوجهاته وسلوكه وتعمده في عدم مراعاة وضع شعبه وهو يفاوض الشركاء الاوربين والولايات المتحدة الأمريكية لرفع العقوبات عنه.
امام هذا الوضع المأساوي جاءت الوثيقة السرية المسربة عن اجتماع ضم ممثلين عن القيادات الأمنية في إيران(الحرس الثوري الميليشيات الباسيج وهيئات الاستخبارات ومكتب المدعي العام في طهران ) في شهر تشرين الثاني ٢٠٢١ لترسم معالم حقيقة الأوضاع الميدانية وعمق الاستياء الشعبي والظلم الإجتماعي الذي تعانيه الشعوب الإيرانية وتهدد بالمزيد من التظاهرات والغليان الجماهيري ضد النظام ومؤسساته ومحذرة من مغبة الاستمرار في السياسة المتبعة وضرورة إيجاد مخارج لكيفية معالجة الأوضاع الميدانية والإسراع بحلها هي العديد من القرارات السياسية والاقتصادية بعد أن ازدادت نسبة الاستياء الشعبي في الوسط الإيراني إلى 300% مع ارتفاع واضح في أسعار المواد الغذائية والطاقة بنسبة 268% وانخفاض سعر الاسهم في سوق الأموال والاستثمار الإيراني مما أدى إلى قيام المستثمرين بتظاهرات احتجاجية في 25كانون الثاني ٢٠٢٢ ضد سياسة النظام الاقتصادية وتحمليه تبعيات الخسائر الكبيرة في القطاع المالي والمصرفي والاستثماري بخسارة البنك الوطني الإيراني مبلغ 16مليار دولار وتراجع رؤوس الأموال المستثمرة وإيقاف نشاطاته، أشرت هذه التظاهرات زيادة نسبة المشاركين فيها بنسبة 50% عن العام الماضي وهذا يعني تصاعد ميداني ورفض جماهيري لسياسة النظام وانعدام المواجهة معه وبجميع الأساليب بعد أن وصلت مرحلة اليأس والقنوط لدى الايرانيين من عدم جدية النظام في التوصل إلى حلول جذرية وسريعة لمعالجة أوضاعهم المعاشية.
ان هذا الاجتماع الذي كان برئاسة العميد حميد نجاتي نائب رئيس قاعدة سر الله المشرفة على الوضع الأمني بالعاصمة الايرانية طهران ومخرجاته تعطي انطباعا واضحا عن المخاوف التي تبديها الأجهزة الأمنية والتظاهرات الشعبية التي تطال النظام وتهدد مستقبله السياسي وأنها جادة في وضع الحقائق الميدانية أمام القيادات الإيرانية لتلافي حدة الغضب والغليان الشعبي وضرورة وضع البرامج الكفيلة لمعالجة الأوضاع السائدة والتخلي عن بعض السياسات الميدانية في سبيل الوصول إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد وتحسين الأوضاع المعاشية للشعوب الإيرانية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية