طرابلس- رجحت أوساط سياسية ليبية أن تتدخل تركيا صاحبة النفوذ الأهم غرب ليبيا لمنع سيناريو تشكل حكومتين في طرابلس، غير مستبعدة أن تكون أنقرة قد حسمت أمرها لصالح رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا، وهو ما قد يدفع رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة إلى التخلي عن السلطة.
وقالت هذه الأوساط إن تركيا التي تنشر قوات ومرتزقة في مناطق مختلفة غرب ليبيا عبّرت في الفترة الأخيرة عن رغبة في إقامة علاقات مع الشرق؛ إذ زار سفيرها كنان يلمز مدن بنغازي وطبرق، في حين زار وفد عن البرلمان تركيا وتم التوافق على دعم اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أثارت الكثير من الجدل في السنوات الماضية.
وأشارت الأوساط نفسها إلى أن الدبيبة تجاوب تجاوبًا متأخرا مع مناخ التهدئة الذي يسود المنطقة خاصة بعد التقارب الإماراتي – التركي، وهو الأمر الذي انتبه إليه باشاغا منذ انتهاء المعارك في طرابلس نهاية عام 2020 حيث عمل على فتح قنوات تواصل مع العديد من الدول، وفي مقدمتها مصر وفرنسا.
ومنذ وصوله إلى السلطة حرص الدبيبة على افتعال مشاكل مع البرلمان والقيادة العامة للجيش، وهو التوجه الذي نسف مفهوم “الوحدة الوطنية” الذي تشكلت بمقتضاه حكومته.
وتواترت الأنباء مؤخرا بشأن سعي الدبيبة للتوافق مع قائد الجيش المشير خليفة حفتر على تمديد المرحلة الانتقالية وتقاسم السلطة في ظل حديث عن محاولات الدبيبة لاسترضاء الشرق بتعديل حكومي يستبعد الوزراء المرفوضين من قبل الجيش والبرلمان.
وجاءت تلك الأنباء عقب زيارة غير معلنة قام بها باشاغا إلى تركيا ويبدو أنها نجحت في إقناع الأتراك بالحكومة الجديدة أو على الأقل تحييدهم عن أي صراع مسلح يرجح مراقبون أنه إذا نشب فسيحسم لصالح باشاغا الذي يمتلك قوة مهمة على الأرض في طرابلس، وهو ما أكدته الزيارة التي قام بها مساء الخميس إلى العاصمة وعقْده مؤتمرا صحافيّا داخل مطار معيتيقة.
وقال باشاغا إنه يثق في احترام حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة للمبادئ الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة. وأثنى على “حكومة الوحدة الوطنية”، معتبرا أن الدبيبة تحمّل مسؤولياته في فترة صعبة.
ورد الدبيبة على المؤتمر الصحافي الذي عقده باشاغا ببقائه بشكل مباشر على قناة “ليبيا الأحرار” إلى ساعة متأخرة من مساء الخميس، وقال إنه “لا يزال يمارس عمله وفقًا للمدد الزمنية المنصوص عليها في خارطة الطريق المعتمدة من قبل ملتقى الحوار في تونس”.
منذ وصوله إلى السلطة حرص الدبيبة على افتعال مشاكل مع البرلمان والقيادة العامة للجيش
وأضاف أن “المجلس الرئاسي هو من يحق له تغيير حكومة الوحدة الوطنية وفقًا لخارطة الطريق في جنيف”، معتبرًا أن “ما حدث في مجلس النواب هو تعدٍ صريح على اختصاص المجلس الرئاسي”.
وبدا أن كلا الطرفين يتحدثان من موقع ثقة، لكن الهدوء الذي طغى على تصريحاتهما خفف التكهنات المتعلقة بإمكانية حدوث اشتباكات أو صراع مسلح بين القوات الموالية لكليْهما في العاصمة.
ويرجح مراقبون أن تتضح المواقف الدولية بشكل أكبر خلال الفترة القادمة، خاصة بعد تراجع المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز عن موقفها الرافض لتأسيس مرحلة انتقالية جديدة. وقالت في تصريحات صحافية لافتة الخميس “بشأن ما إذا كان ينبغي لمجلس النواب أن يوافق على حكومة جديدة، فهو قرار سيادي بالكامل وضمن اختصاص المؤسسات الليبية”.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون رفْضُ تشكيلِ حكومة جديدة، الذي أبدته ويليامز والسفير الأميركي في طرابلس ريتشارد نورلاند خلال الفترة الماضية، مجرد مناورة. ولفتوا إلى أن فتحي باشاغا كان ولا يزال الشخصية التي تحظى بثقة الأميركيين أكثر من أي طرف آخر.
وبينما تلازم أغلب الدول الحذر وتتأني في إعلان موقفها من التطورات في ليبيا رحبت مصر بالتوافق بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي، وذلك في إشارة إلى دعم القاهرة لتكليف فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد حافظ، في بيان نشرته الوزارة مساء الخميس، “إن مصر تتابع عن كثب تطورات الأوضاع في ليبيا، وإن مصر تؤمن بأن مسار تسوية الأزمة الليبية يظل بيد الشعب الليبي وحده دون تدخلات أو إملاءات خارجية”.
وعن العلاقات الدولية قال باشاغا “علاقتنا مع دول العالم ستكون مبنية على الاحترام المتبادل والعمل المشترك والتنسيق الدائم على جميع الصعد، وخصوصا الصعيد الأمني”.
وتابع “لا مكان للكراهية والحقد والانتقام والظلم، ونمد أيدينا للجميع بلا استثناء، ونفتح صفحة وطنية جديدة أساسها السلام والمحبة والمصالحة والمشاركة والعمل الجماعي”.
العرب