يشكل صمت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حيال المبادرة السياسية التي طرحها الإطار التنسيقي مؤشرا على تحفظات لديه على هذه المبادرة التي تحوي بين طياتها إبقاء على حظوظ رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي قائمة في المشاركة في رسم خارطة المرحلة المقبلة.
بغداد – تنتظر القوى السياسية العراقية موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من المبادرة التي طرحها الإطار التنسيقي الخميس لحل الأزمة التي تشهدها البلاد منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية، للبناء على الشيء مقتضاه.
وتشكك أوساط سياسية عراقية في إمكانية قبول الصدر بالمبادرة التي تستهدف بالأساس الالتفاف على أهم الشروط التي وضعها زعيم التيار لبناء تحالف واسع يتولى تشكيل حكومة أغلبية وطنية.
وتوضح الأوساط أن المبادرة تستند على مشاركة جميع القوى الفائزة في الانتخابات في تشكيل ائتلاف برلماني يتولى اختيار رئيس للوزراء وتأليف حكومة، وفي هذه الحالة فإن موافقة الصدر على المبادرة ستعني تخليه عن شرطه الأساسي بعدم مشاركة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي يملك كتلة نيابية وازنة نسبيا تقدر بثلاثة وثلاثين مقعدا.
وتقول الأوساط إن قوى الإطار التنسيقي بدأت تتحضر لسيناريو رفض التيار الصدري للمبادرة، من خلال التلويح بالذهاب إلى الجلسة المقبلة على أساس أنهم يمثلون الكتلة الأكبر، رغم أن المحكمة الاتحادية العليا (أعلى هيئة قضائية في العراق) تحفظت قبل أيام على دعوى للإطار في هذا السياق.
وطرح الإطار التنسيقي الخميس مبادرته التي ترتكز على الحوار بين جميع الكتل الفائزة بالانتخابات لتشكيل ائتلاف برلماني يتولى تسمية رئيس الوزراء المقبل وتشكيل الحكومة.
وقال الإطار في بيان “نمد أيدينا إلى القوى المعنية بتشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا (التي ستكلف بتشكيل الحكومة) ونخص بالذكر الإخوة في التيار الصدري، للجلوس والتحاور حول تشكيل الكتلة الأكثر عددا بشكل جديد لخدمة الوطن والمكون الوطني الأكبر (الشيعة)، ونبتعد فيها عن منطق المحاصصة وتقسيم الغنائم”.
آيات مظفر: مبادرة الإطار الرمية الأخيرة للكرة في ملعب الصدر
وشدد الإطار على ضرورة “اتفاق الكتلة النيابية الأكثر عددا على معايير اختيار رئيس وزراء قوي وكفؤ، ومواصفات تشكيل الكابينة الحكومية وفق معايير النزاهة والكفاءة”.
وتلفت الأوساط إلى أن تلويح الإطار بالتمسك بأنه صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر، في حال رفض الصدر المبادرة، سينجر عنه المزيد من الانسداد السياسي الذي قد يقود لانفجار أمني يصعب احتواؤه.
وتقول الأوساط إن العراق مقبل على مرحلة صعبة، في ظل حالة الاستنفار الراهنة واستعداد بعض القوى إلى التصعيد وهو ما يتجلى بشكل واضح في الاحتكاكات التي حدثت في محافظة ميسان جنوب العراق بين التيار الصدري وميليشيا عصائب أهل الحق المنضوية ضمن تحالف الفتح الذي ينتمي للإطار التنسيقي.
وتحذر الأوساط من أن بعض الأطراف على استعداد للمخاطرة بالنار في حال تم إقصاؤها عن المشهد وقد تعمد إلى تفجير الوضع الأمني المحتقن بطبعه، حيث تخشى هذه الأطراف عزلها ما سيسهل عملية محاسبتها لاحقا لتورطها في العديد من ملفات الفساد وملفات ذات طابع أمني، كما هو الحال بالنسبة إلى زعيم ائتلاف دولة القانون المالكي.
وصرحت آيات مظفر المتحدثة باسم ائتلاف النصر، أحد مكونات الإطار التنسيقي، أن مبادرة الإطار التنسيقي تعد “الرمية الأخيرة للكرة في ملعب التيار الصدري”، مشيرة إلى أنه في حال عدم تلقي الإطار التنسيقي الرد على مبادرته لحين الجلسة المحددة لانتخاب رئيس للجمهورية، حينها سيدخل كل طرف يعتقد بأنه الكتلة الأكبر إلى جلسة مجلس النواب، ونتائج التصويت هي التي تحسم الموضوع.
وشككت مظفر في دوافع التيار الصدري لطرح حكومة أغلبية وطنية، قائلة “إن موضوع الأغلبية الوطنية سبق وأن تم بحثه عندما كان حيدر العبادي رئيسا للوزراء، وإذا كان هدف هذه الحكومة الأساسي تحقيق عراق قوي ودولة قوية لا ضير لدينا، أما إذا كان الهدف منه إقصاء بعض الجهات على جهات أخرى هنا هي نقطة الخلاف”.
واعتبرت المتحدثة باسم ائتلاف النصر أن الانتقال بصورة عشوائية ودون عملية تدريجية من الحكومة التوافقية إلى أغلبية وطنية “سيحدث إرباكا في المشهد السياسي، ومن يجد أن الحكومة القادمة، التي تستطيع أن تحمي الجزء على حساب جزء آخر، ليذهب إلى الطرف الآخر باتجاه المعارضة، لكن بصورة طوعية، وهذا ما حدث في مشهد 2018 عندما طرح الكثير من المناصب على ائتلاف النصر، غير أننا رغبنا أن نذهب إلى المعارضة لعدم إيماننا بمعادلة تشكيل الحكومة التي حدثت في زمن عادل عبدالمهدي”.
وعبرت مظفر عن تحفظاتها حيال إعادة تسمية مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء وقالت في هذا الصدد “بناء على المعطيات والإرباك الحاصل في المشهد الذي ينعكس على الشارع العراقي فإن المرحلة المقبلة لا تحتاج إلى رجل دولة إداري من الموظفين الكبار في إدارة أجهزة الدولة، بل رجل دولة سياسي قادر على عبور هذه المرحلة، فالكاظمي هو رجل اختير في مرحلة معينة، أدى ما عليه من مهام، وهو يعتبر من شخصيات رجال الدولة من كبار الموظفين فيها”.
موافقة الصدر على المبادرة تعني تخليه عن شرطه الأساسي بعدم مشاركة ائتلاف دولة القانون في تشكيل الحكومة
ولا تقتصر الخلافات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي على شكل الحكومة المقبلة وطبيعتها والأطراف الممثلة فيها بل وأيضا على اسم المرشح لتولي الحكومة، حيث يميل الصدر إلى تسمية الكاظمي لولاية ثانية، فيما يرفض أقطاب الإطار التنسيقي ذلك، بعد أن أظهر الأخير خلال ولايته الحالية عدم تماه وأجنداتهم، وتبنيه لسياسة الإمساك بالعصى من المنتصف.
ويرى مراقبون أن التصريحات والمواقف المعلنة تشي بأن الأمور في العراق تسير نحو المزيد من التعقيد، حيث من غير المرجح أن يوافق الصدر على المبادرة التي تتضمن مشاركة المالكي في رسم ملامح المرحلة المقبلة.
ولوحت النائب عن دولة القانون عاليا نصيف الجمعة بأن خيار تحريك الشارع العراقي سيكون قائما، في حال مقاطعة الائتلاف وعدم مشاركته في الحكومة.
وقالت النائب عن ائتلاف دولة القانون “من الممكن أن نغادر العملية السياسية في حال أصر البعض على إقصائنا”، مشيرة إلى أن خيار الذهاب إلى المعارضة مطروح لكن هناك بعض الموانع ومنها غياب قوانين تحميها، في إشارة تحمل بين طياتها قلق الائتلاف وزعيمه من المحاسبة.
العرب