الدوحة- عبّر حرص قطر على دعوة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى مؤتمر الغاز، في الوقت الذي يشهد فيه العالم واحدة من أكبر أزماته السياسية في أوكرانيا، عن رغبتها في تقديم إيران كمنتج رئيسي للغاز وجزء من حلول ممكنة لأزمة توريد الغاز الخانقة.
يأتي هذا في وقت بدا فيه الحضور الإيراني في ملف الغاز مفتعلا ويتضمن أهدافا ورسائل أخرى، من بينها السعي القطري لتأهيل إيران إقليميا بشكل قد يثير غضب السعوديين.
وقالت أوساط سياسية خليجية إن استدعاء قطر لرئيسي في هذه المناسبة الدولية هدفه الإيحاء بأن إيران دولة منتجة للغاز وقادرة على المساهمة في حل أزمة الغاز إذا تطور الوضع على الجبهة بين روسيا وأوكرانيا، حتى إذا عقدت الدول المنتجة للغاز أي لقاء مستقبلي يصبح اسم إيران مألوفا، وهو أمر لا علاقة له بالواقع قياسا بإنتاج إيران الحالي وقدراتها في المستقبل القريب.
وداخليًّا تواجه إيران عجزا في الغاز بسبب بلوغ الاستهلاك مستويات مرتفعة وغير مسبوقة، وهو ما يرجع بشكل خاص إلى الطلب على تدفئة المنازل في فصل الشتاء، واضطرت إلى قطع الإمدادات عن مصانع الإسمنت وغيرها من القطاعات.
وتساءلت الأوساط الخليجية عمّا إذا كانت إيران قادرة على خلق بدائل في سوق الغاز إذا كانت هي نفسها قد فشلت في اختبار قدرتها على توفير الغاز للإيرانيين، وفشلت في توفير الغاز والكهرباء لأقرب جيرانها (العراق)؟ وكيف يمكن لقطر أن تروّج فكرة أن طهران يمكنها أن تكون بديلا يُعوَّل عليه في مسألة تخفيف أزمة الغاز الدولية سواء تعلق الأمر بأوروبا أو بشرق آسيا؟
واعتبرت هذه الأوساط أن قطر تدرك أن الغاز اليوم هو محور الاهتمام السياسي والاستراتيجي في العالم قاطبة، وأن الفرصة مواتية لإعادة تأهيل حليفتها إيران من بوابة أزمة الغاز، بالرغم مما لهذه المواقف من رسائل سلبية إقليميا ودوليا، وخاصة على المستوى الخليجي.
ومن الواضح أن الزيارة التي قام بها رئيسي إلى قطر تأتي في وقت مدروس، وأن مؤتمر الغاز لم يكن سوى واجهة لهذا الحضور، خاصة أن المناسبة لم تحضرها شخصيات دولية ذات قيمة، إذ تغيب عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يُؤمَّل أن يكون حاضرا لكون بلاده هي الطرف الأساسي في أزمة الغاز الحالية، وأن مشاركته كانت ستساعد على حشد الدعم الدولي لموسكو في خلافها مع أوروبا والولايات المتحدة.
ويقول متابعون للشأن الخليجي إن مجيء رئيسي إلى قطر يوجه رسالة سلبية إلى بقية دول الخليج بعد التوترات الأخيرة بسبب هجمات المتمردين الحوثيين التي طالت العاصمة الإماراتية أبوظبي وقبلها مواقع حساسة في السعودية، معتبرين أن الدوحة تريد تأهيل طهران إقليميا دون أن تتوفر ضمانات التهدئة من جانب إيران ودون تعهدات بشأن الأمن الإقليمي.
وأشار المتابعون إلى أن إعادة تأهيل إيران وقطاع النفط والغاز فيها -وهي على أبواب رفع العقوبات الأميركية عنها- تتضمّن رسالة واضحة إلى السعودية التي تتحوّط في إنتاج النفط وتفرض زيادات مدروسة في السوق بما يحقق ارتفاعا للأسعار ويحول دون محاولات الإغراق.
ولا يستبعد هؤلاء أن تقود محاولات تأهيل إيران إقليميا -حتى قبل الإعلان عن العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات أميركيًّا- إلى توتر جديد في علاقات الدوحة بمحيطها الخليجي، محذرين من أن السعودية لن تقبل سياسة الأمر الواقع بالنسبة إلى انفتاح خليجي على إيران دون تحقيق الضمانات المطلوبة، وأن وضع قطر نفسها قد يعود إلى ما قبل قمة المصالحة التي عقدت منذ عام في مدينة العلا السعودية.
وحثت السعودية وحلفاؤها في الخليج القوى العالمية المشاركة في المحادثات النووية على تناول برنامج إيران الصاروخي وشبكة وكلائها في المنطقة.
وتنظر السعودية بارتياب إلى دعوات إيران المتجددة للحوار كونها دعوات شكلية لا تتضمّن أي إشارات إلى تغيير في السياسات الإيرانية المهدّدة لاستقرار المنطقة وأمن دولها.
والتقى رئيسي الاثنين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقال رئيسي إن اللقاء كان “جيدا”، مشيرا إلى أن هناك اتفاقا على وجوب أن يستفيد البلدان “من القدرات والفرص المتوافرة من أجل توسيع التعاون وتعميق العلاقات في مجالات مختلفة”.
ولفت إلى أن تعزيز التعاون سيحصل في مجالات “الاقتصاد والطاقة والبنى التحتية والتجارة والاستثمار والأمن الغذائي والصحة والثقافة”.
ومن جانبه قال أمير قطر إن الرئيس الإيراني أطلعه على “ما وصلت إليه مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والغرب”.
وأضاف الشيخ تميم “لِما لهذا الموضوع من أهمية وتأثير على أمن واستقرار المنطقة، تتابع دولة قطر بكل اهتمام سير المفاوضات وتأمل أن يتم التوصل في القريب العاجل إلى حل واتفاق يرضي جميع الأطراف، ويضمن حق الدول في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وفقا للاتفاقيات والقرارات الدولية”.
وأكد أن قطر مستعدة “لتقديم أي مساعدة ممكنة في سبيل التوصل إلى اتفاق ينهي الخلاف ويضمن أمن واستقرار المنطقة”، مشددا على أن “الحوار هو السبيل الأمثل لحل جميع الخلافات”.
ويأتي اللقاء بينما تتواصل في فيينا المفاوضات بين ممثلين عن إيران وعن القوى العظمى، ومن بينها الولايات المتحدة.
لكن رئيسي قال إن على “الولايات المتحدة أن تثبت إرادتها برفع العقوبات الرئيسية” التي تفرضها على إيران، مضيفا أنه “للتوصل إلى اتفاق” حول الملف النووي “من الضروري تأمين مصالح الشعب الإيراني، لاسيما مسألة رفع العقوبات”.
وأبرمت الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن الدولي وألمانيا اتفاقا مع إيران في 2015 أتاح رفع عقوبات كانت مفروضة على طهران، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها النووي.
إلا أن الاتفاق ألغي منذ أن قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحاديا منه عام 2018، معيدا فرض عقوبات قاسية على طهران. وردت الأخيرة بالتراجع تدريجيا عن العديد من التزاماتها بموجب الاتفاق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الاثنين إن مفاوضات فيينا “حققت تقدما نوعيا”، مضيفا “تقلص عدد المواضيع (التي تُبْحَث) بشكل كبير. لكن المشاكل المتبقية التي يجب حلها هي الأكثر صعوبة والأكثر جدية”.
وتابع “ما زلنا ننتظر قرارات أوروبا والولايات المتحدة، ولم نلمس بعد إرادة لديهما”.
العرب