حرب تسبقها تظاهرات مليونية فلا تمنع وقوعها. حرب تقع فتليها تظاهرات في مدن عالمية مختلفة ولا تمنع استمرارها.
عام 2003 غزا جورج بوش وتوني بلير العراق من غير أن يحصلا على موافقة أممية وكانت الشعوب قد خرجت إلى الشوارع احتجاجا على اجتياح دولة مستقلة. لا الموقف الأممي كان نافعا ولا الموقف الشعبي. وإذا ما تذكرنا الموقف الأميركي من الاجتياح العراقي لدولة الكويت عام 1990 سنرى كيف أن الولايات المتحدة تقوم بأسوأ مما تستنكر أن يقوم به الآخرون.
فيوم احتلال الكويت حشدت الولايات المتحدة العالم كله من أجل، أولا فرض حصار اقتصادي دقيق على العراق عقابا له على فعلته، وثانيا جمعت جيوش 33 دولة من أجل تحرير الكويت وتدمير الآلة العسكرية العراقية.
كانت يومها تدافع عن شرعية وجود دولة الكويت وتدين الغزو بين الدول باعتباره تقليدا انتهى عصره في ظل وجود النظام السياسي الحديث. غير أن الولايات المتحدة كانت قبل ذلك قد غزت بنما واعتقلت رئيسها مانويل نورييغا وقادته إلى المحكمة كما فعلت بصدام حسين.
كان الغزو تقليدا أميركيا قبل أن تغزو روسيا شبه جزيرة القرم وتضمها إليها متحججة بأن القرم أصلا هي منطقة روسية تاريخيا.
وقبل هذا هل كانت شعوب أميركا اللاتينية راضية عن تحويل دولها إلى جمهوريات موز وهو ما يمكن أن يكون تعبيرا ملطفا عن احتلال أميركي مبطن وشكل من أشكال الغزو؟
وإذا ما كانت ملفات الغزو العراقي للكويت لا تزال مطوية بإتقان وهو ما نجحت الدوائر الأمنية الأميركية في القيام به في ظل خوف المطلعين من البوح بالحقائق التي كانوا على صلة بها فإن حقائق الغزو الروسي لأوكرانيا معروفة وبذل الجانب الروسي كل جهوده من أجل أن تكون ملفات غزوه القادم مفتوحة.
لا تُناقش إدانة فلاديمير بوتين وهو يلجأ إلى الغزو لحل مشكلاته مع أوكرانيا وهي دولة مستقلة مثلما أدانت الشعوب قرار جورج بوش في غزو العراق ولكن جو بايدن الذي يدين الغزو الروسي لم يقل كلمة في ما يتعلق بغزو بلاده للعراق. كان دونالد ترامب الرئيس السابق قد طالب العراق بدفع تعويضات إلى بلاده بسبب خسائرها من جراء الغزو.
لذلك يمكن القول إن مَن يدافع عنه الغرب لا بد أن تكون قضيته خاسرة. فالغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة لا يملك معيارا أخلاقيا أو إنسانيا في مواقفه أو توجهاته السياسية. فهو لا يقف مع قضية عادلة. وهو ما تعرفه الشعوب جيدا حين تضع القضية الفلسطينية على الطاولة.
هل علينا أن نصدق أن الولايات المتحدة وتقف وراءها أوروبا كانت عاجزة عن إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني والسماح بإقامة دولته المستقلة على أرضه بعد أن يتم إنهاء المشروع الاستيطاني الصهيوني بدلا من إضاعة الوقت في تعذيب سلالات من الضائعين الذين لن يكون أمامهم سوى الحقد وسيلة للتعبير عن الذات؟
الشعب الفلسطيني لا يريد سوى حقه. بل أقل من حقه. غير أنه لا يحظى بجزء من الإنصاف الذي تدعيه أميركا اليوم وهي تحث العالم للوقوف ضد الغزو الروسي. ولكن ما الذي ستفعله للشعب الأوكراني؟ لا شيء. بل إنها ستخرجه من نطاق اهتمامها لتوقع الاتفاق النووي مع إيران التي سييسر لها ذلك الاتفاق الاستمرار في اجتياح العالم العربي.
من المؤكد أن الغزو الروسي سينتهي خلال أيام. سيحرص الرئيس الروسي على ألا تستمر حربه سوى أيام معدودات. أيام ستحل فيها الكارثة بالشعب الأوكراني. غير أنها تنطوي على معان كثيرة فكر فيها بوتين قبل أن يقوم بنزهته.
لن يقف الغرب مع الشعوب، بغض النظر عما يمكن أن تؤول إليه أوضاعها الإنسانية. يرعى الغرب حقوق الإنسان حين يريد ولكنه غالبا ما يصمت حين تنهار الأوضاع الإنسانية للشعوب. والغرب في النهاية لا يتحمل المسؤولية من منطلق أخلاقي. في رواندا الأفريقية ذُبحت الملايين في القرن الماضي تحت أعين أفراد القوات الفرنسية.
اليوم يغزو الجيش الروسي بقرار من الرئيس بوتين أراضي أوكرانيا. ولكن من تابع أحداث الأيام الأخيرة لا بد أن يكون على بينة من أن الغرب لم يلعب دور الوسيط المحايد بين أوكرانيا وروسيا من أجل حل المشكلة بل كان محرضا على أن تكون الحرب هي خاتمة الحوار.
كان الأوروبيون على يقين من أن الحرب ستقع بعد أن أغلقوا الأبواب أمام أوكرانيا وهي المهددة بالغزو لتقديم تنازلات تُحرج من خلالها روسيا. كان واضحا أنهم قد قرروا التضحية بالأوكرانيين.
ذلك درس مؤلم للشعب الأوكراني سبقته دروس مؤلمة لشعوب أخرى.
العرب