الجزائر – رغم التطمينات التي قدمتها الحكومة الجزائرية للخبازين، إلا أن أسعار الخبز عادت إلى الواجهة في الآونة الأخيرة بشكل يستفز الاستقرار الاجتماعي الذي يهتزّ على صفيح ساخن، بسبب تفشي ظاهرة ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، الأمر الذي يوحي بأن التعهدات التي قطعتها السلطات العمومية لم تثن هؤلاء عن قرارهم.
وتضاربت المواقف بين الجمعيات المهنية التي ينضوي تحتها التجار والخبازون، ففيما قررت فيدرالية الخبازين رفع سعر الخبز بنحو 50 في المئة بالنسبة للخبز العادي، حذر الاتحاد الوطني للتجار الجزائريين من الخطوة، واعتبرها استفزازا للجبهة الاجتماعية التي تسهر الحكومة على استقرارها بدعم المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع.
وكانت فيدرالية الخبازين قد قررت رفع سعر الخبز العادي بنحو 50 في المئة، من أجل الحفاظ على التوازنات المالية للمهنيين، ليصبح بموجب ذلك سعر الخبزة الواحدة عشرة سنتات، ويكون بذلك أكبر رفع لسعر المادة الغذائية الأولى في موائد العائلات الجزائرية.
وبررت الهيئة المذكورة خطوتها بـ”عدم تكفل الجهات الوصية بمطالبهم، لاسيما وأن الكثير منهم يتكبدون خسائر فادحة يوميا”، وهي الذريعة التي ارتفعت بقوة منذ عدة أشهر، واستطاعت الحكومة تأجيلها لمدة محدودة، لكنها يبدو أنها ستصطدم بإصرار هؤلاء على قرارهم.
المستهلك هو الضحية الأولى للتجاذب القائم بين الحكومة وفئة الخبازين، بسبب التلاعب بوزن الخبزة الواحدة وتراجع نوعيتها
وذكر بيان للفيدرالية بأن “تكلفة إنتاج الخبزة ارتفعت إلى 12 دينارا جزائريا، بينما تلحّ الحكومة على بيعه بعشرة دنانير، حيث لم تراع الارتفاع المسجل في مختلف المواد الأولية منذ سنوات، بينما بقي سعر الخبز ثابتا”.
وأمام التضارب في الموقف، صار المستهلك الجزائري هو الضحية الأولى للتجاذب القائم بين الحكومة وفئة الخبازين، بسبب التلاعب بوزن الخبزة الواحدة وتراجع نوعيتها، فضلا عن ندرة ما يعرف بالخبز العادي في المخابز، حيث يلجأ هؤلاء إلى صناعة الخبز المحسن لبيعه بأسعار مرتفعة، كونه لا يخضع للتدابير الحكومية.
ونددت المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك بقرار فيدرالية الخبازين، واصفة إياه بـ”الارتجالي” الذي لا يخدم المواطن البسيط، كما دعت الأطراف المعنية إلى التشاور لإيجاد حلول مرضية للجميع مع مراعاة مصلحة المستهلك.
ويسعى الاتحاد الوطني للتجار الجزائريين إلى إبطال خطوة الخبازين، على اعتبار أن “القرار يتناقض مع الإجراءات الجديدة التي باشرتها وزارة التجارة للتكفل بمطالب الخبازين”.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد قرر خلال مجلس الوزراء الأخير إعفاء فئة الخبازين من إحدى الضرائب، في خطوة لتخفيف العبء عليهم، مقابل الحفاظ على سعر الخبز العادي في مستواه الحالي، خاصة وأن أي تلاعب بسعره يعتبر استفزازا للجبهة الاجتماعية.
وقررت وزارة التجارة تخفيض تكاليف الكهرباء والغاز لصالح الخبازين، ودعتهم إلى التقرب من شركة الإنتاج والتوزيع “سونالغاز”، بغية تركيب عدادات خاصة استحضرت خصيصا لمثل هذه الحالات.
وأمام المخاوف المركبة حول مادة الخبز في البلاد، بسبب القبضة الحديدية بين المهنيين والحكومة، والأوضاع الاستراتجية المحيطة بمادة القمح المتأثرة بتطورات الأزمة الأوكرانية، أكد وزير الفلاحة والتنمية الريفية محمد عبدالحفيظ هني أن “الجزائر لديها مخزون كاف من الحبوب إلى غاية نهاية السنة الحالية، ولن تتأثر بالمتغيرات الحاصلة على المستوى العالمي”.
وذكر أن “الجزائر اتخذت كافة احتياطاتها لضمان تغطية السوق الوطنية وتلبية كافة احتياجات المواطنين من الحبوب، رغم وجود ضغوطات كبيرة في السوق العالمية على هذه المادة”.
ولفت إلى أن بلاده تتوفر على “مخزون أمني” من الحبوب يمكّنها من تلبية احتياجات المواطنين بصفة عادية، وأن حملة الحصاد والدرس عادة ما تنطلق في البلاد في الفترة ما بين يونيو ويوليو، ما يعطي الأريحية أكثر لضمان التموين، رغم الأزمة العالمية الحالية.
وأكد المتحدث أن “شعبة الحبوب تمثل أولوية بالنسبة للحكومة التي تبذل جهودا كبيرة لرفع القدرات الإنتاجية وطنيا، من خلال التركيز على الرش المحوري والتكميلي والرش المتواصل عبر الولايات الصحراوية، وأن أهداف القطاع الأساسية ترتكز على تنمية الزراعة بالولايات الصحراوية التي تمتلك قدرات كبيرة، خاصة في المنتجات الزراعية الاستراتيجية”.
ورغم التطمينات التي قدمها وزير الزراعة للرأي العام، حول المخزون الاستراتيجي لمادة القمح، إلا أن الجزائر عرفت خلال أشهر ماضية أزمة طحين أثرت على تموين الخبازين والعائلات، وهو ما بررته السلطة بـ”المضاربة والاحتكار”، بينما رآه ناشطون في القطاع “سوء تسيير وتوزيع”، وفسروا الظاهرة بـ”تأثير الضرائب الحكومية على الناشطين”.
ومن أجل تطويق الجبهة الاجتماعية، أكد وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق، توجه السلطات العمومية للتكفل بكل انشغالات الخبازين، وأن الحوار المتواصل مع كل الشركاء إنما من أجل التجسيد التدريجي لكل المطالب.
وفي بيان توج اجتماع ضم مسؤولي الوزارة، بحضور ممثلين عن الاتحاد العام للتجار والحرفيين والجمعية الوطنية للتجار والحرفيين ومختلف الدوائر الوزارية المعنية بهذا الملف، تم تثمين المشاورات التي تدخل في إطار الحوار المتواصل مع كل الشركاء قصد التجسيد التدريجي لكل المطالب المعبر عنها من طرف ممثلي الخبازين، وذلك حسب الأولويات ووفقا لرزنامة تحدد مع كل المتدخلين في جو من الثقة والحوار المتبادل.
وأكد البيان أن “المشاركة الفعالة لكل الدوائر الوزارية في هذه الاجتماعات، تعكس إرادة السلطات العمومية للتكفل بكل الانشغالات التي تم طرحها من طرف ممثلي الخبازين”.
العرب