لا معجزة في الأفق والسلاح هو الأقرب لحسم الحرب في أوكرانيا

لا معجزة في الأفق والسلاح هو الأقرب لحسم الحرب في أوكرانيا


تتزاحم القوى الكبرى في العالم للعب الدور الرئيسي في الأزمة الأوكرانية لإيجاد حل دبلوماسي للحرب الروسية هناك، لكن مثل هذه المحاولات تنطوي على مخاطر بأن تكون مجرد عروض جانبية، في وقت تقول المؤشرات إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يظهر اهتماما حقيقيا بالتفاوض للتوصل إلى تسوية في ظل خطاب التحشيد الغربي والتلويح بالعقوبات على روسيا.

كما أن الإلقاء بالآلاف من المقاتلين الأجانب المتدربين سواء من جانب روسيا أو الغرب سيفتح الباب أمام إدامة الصراع وتحويله من معركة بين جيشين يتحركان بقرار سياسي يتم تحيينه وتعديله حسب اتجاهات الحرب، إلى حرب عصابات في الغالب ما تخرج عن سيطرة الجميع.

واستضافت تركيا الخميس المحادثات الأولى بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميترو كوليبا منذ التدخل الروسي، في لقاء كان منتظرا بشدة وتأمل أنقرة أن يبرز دورها كوسيط.

كما سافر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى موسكو السبت الماضي لإجراء محادثات مباشرة مع بوتين، وحمل لقاؤه مع الرئيس الروسي رمزية كبيرة لعقده خلال يوم “شابات” أو السبت اليهودي.

في ظل عدم الاستعداد لحوار جدي ينهي الحرب، فإن محللين يرون أن الصراع ستتم تسويته عسكريا على الأرض

وفي هذه الأثناء أمضى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ساعات مع بوتين على الهاتف منذ دخول القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية بهدف الحفاظ على قنوات اتصال حتى في أصعب الأوقات وأشدها قتامة.

وقبل ذلك نشطت الوساطة الإماراتية التي ظهرت بشكل علني مع اتصالات ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث أكد في الاتصالين وبصيغة متقاربة أن “دولة الإمارات تدعم كل تحرك على طريق التسوية السلمية للأزمة، وحريصة على تقديم المساعدة إلى المدنيين المتضررين من الأزمة في أوكرانيا من منطلق نهجها الإنساني المتأصل في سياستها الخارجية”.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بعد الاجتماع بين الوزيرين الأوكراني والروسي إن “اللقاء كان بداية هامة. لكن لا أحد يجب أن يتوقع حدوث معجزات من لقاء واحد”، مقرا بأنه “لم يكن سهلا”.

ومع ذلك فإن المحللين يعتبرون أنه حتى الآن يبدو بوتين مصمما على المضي في هجومه العسكري داخل العمق الأوكراني من أجل الاستيلاء على كييف، على الرغم من توافق المراقبين الغربيين أن وتيرة التقدم أبطأ مما كانت موسكو تأمل، وفي ظل عجز الدول الغربية عن ممارسة ضغوط حقيقية على موسكو وسط خلافات واضحة بشأن العقوبات وخاصة ما يتعلق بالغاز.

استراتيجية خروج

روسيا مستمرة في تدمير أوكرانيا

وقال مارك بيريني الباحث الزائر في كارنيغي أوروبا إن “محاولات تركيا وإسرائيل أمر جيد، لكني لا أرى أهمية أساسية لذلك”.

وأضاف “لا أعتقد أن حلا سلميا قد يمر عبر تركيا وإسرائيل لأن منازلة بوتين هي مع الرئيس الأميركي جو بايدن وحلف شمال الأطلسي، ولست متأكدا أنه يريد مخرجا من هذه الأزمة”.

وأشار إلى أنه “في نهاية المطاف الأسئلة الحقيقية التي تهم هي إلى أي مدى يمكن للقاطرة الروسية أن تصل في أوكرانيا، ومدى تأثير العقوبات”.

واعتبر مسؤول أمني فرنسي رفيع طلب عدم ذكر اسمه هذا الأسبوع أنه “لا يجب استبعاد” أن حلا دبلوماسيا يمكن أن يكون على الطاولة.

وقال بوتين الجمعة إنه حدثت بعض “التحولات الإيجابية” في المحادثات بين روسيا وأوكرانيا اللتين اجتمع مسؤولون منهما في بيلاروسيا أيضا.

منخرط في حوار

الاتحاد الأوروبي عاجز أمام الدب الروسي

ولتركيا علاقة معقدة مع روسيا، إذ يتنافس البلدان على النفوذ منذ فترة طويلة وكانا على طرفي نقيض في نزاعي ليبيا وسوريا.

لكن الرئيس رجب طيب أردوغان عقد تحالفا وثيقا مع بوتين في السنوات الأخيرة أزعج أحيانا حلف شمال الأطلسي خاصة بعد قراره الحصول على منظومة الدفاع الروسية أس – 400.

وتروج إسرائيل أيضا لميزة سياسية محددة، إذ قال مصدر دبلوماسي إسرائيلي إن الدولة العبرية هي “اللاعب الوحيد القادر على التحدث مباشرة إلى روسيا وأوكرانيا، ومع الدول الغربية مثل فرنسا أو ألمانيا”.

الإلقاء بالآلاف من المقاتلين الأجانب المتدربين سواء من جانب روسيا أو الغرب سيفتح الباب أمام إدامة الصراع وتحويله من معركة بين جيشين يتحركان بقرار سياسي يتم تحيينه وتعديله حسب اتجاهات الحرب

ونجحت إسرائيل في أن تبني الثقة مع روسيا من بوابة وجودها في سوريا، وينظر إليها الإسرائيليون كصمام أمان للتوازنات في سوريا والمنطقة، فمن جهة منع تواجدها استفراد إيران بنظام الأسد الضعيف، ومن جهة ثانية وفّرت محطة التنسيق التي تسمح لإسرائيل بمهاجمة الأهداف الإيرانية في سوريا من دون عرقلة أو معوقات.

وتأتي مبادرات إسرائيل وتركيا في أوكرانيا وسط تقارب ثنائي بينهما بعد سنوات من العلاقات المتوترة، فقد زار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ تركيا هذا الأسبوع لإجراء محادثات مع أردوغان.

وقال بيير رازو المدير الأكاديمي لمعهد البحوث الاستراتيجية بالجيش الفرنسي إن الصراع غير مريح للغاية لتركيا وإسرائيل، لأن كلا منهما يريد علاقة جيدة مع كييف وموسكو على السواء.

وأضاف أن الدولتين “تشعران بأنهما مكرهتان على إدانة الهجوم الروسي، لكنهما تريدان أيضا إظهار جاهزيتهما للحوار مع موسكو”.

ولفت إلى أن “جميع هذه القنوات مفيدة، لكني لا أظن أنها ستؤول إلى شيء”.

وتعهد ماكرون الذي يقول مسؤولون فرنسيون إنه لا يزال يستخدم كلمة “أنت” غير الرسمية في محادثاته مع بوتين، بمواصلة الحوار مع الرئيس الروسي حتى لو كانت التوقعات غير واضحة.

وقال ماكرون الخميس “نحتاج إلى الاستمرار في الحوار للتوصل إلى حل”، محذرا من “أنني لا أرى حلا دبلوماسيا في الساعات أو الأيام المقبلة”.

أولوية الحسم العسكري

Thumbnail

في ظل ضبابية مسار السلام، واستعداد روسيا والغرب لحوار جدي ينهي الأسباب التي قادت إلى الحرب، فإن محللين يرون أن الصراع ستتم تسويته بشكل أساسي عسكريا على الأرض.

ورأى المحلل المتخصص في شؤون روسيا في مجموعة الأزمات الدولية أوليغ إغتانوف لوكالة الصحافة الفرنسية إنه بعد أكثر من أسبوعين من بدء التدخل الروسي وبعد أن فشلت موسكو في تحقيق تقدم حاسم على الرغم من تفوقها العسكري “لا روسيا ولا أوكرانيا مستعدة لتقديم تنازلات”.

وأضاف أن “الجانبين يعتبران أن السيناريو العسكري هو السيناريو الرئيسي: أوكرانيا لا تخسر الحرب وروسيا لا تكسبها”. وتابع “في هذا الوضع سيستمر القتال”، معتبرا أن “كل شيء سيتوقف على ما سيحدث على الأرض”.

من جهتها تؤكد ناتيا سيسكوريا الباحثة الجورجية في معهد “رويال يونايتد سيرفس” في لندن أنه بينما يتواصل الجدل حول موضوع فتح ممرات إنسانية لإجلاء سكان المدن المحاصرة “من الصعب مناقشة أي حل للنزاع على الإطلاق، أو حتى وقف لإطلاق النار”.

وأضافت “في هذه المرحلة، تحاول روسيا تحقيق أهدافها القصوى في أوكرانيا، وإذا نجحت في إجبار الأوكرانيين على قبول شروطها على طاولة المفاوضات، فستحصل على ما تريد. ولكن إذا لم يتحقق ذلك فستستمر الحرب”.

وأعربت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، التي زارت رومانيا الجمعة، عن أسفها لأن الرئيس الروسي “لا يظهر أي مؤشرات على التزام بالانخراط في دبلوماسية جدية”.

دبلوماسية الإنذار

مفاوضات حبر على ورق

يذكّر السفير الفرنسي السابق في سوريا ميشال دوكلو بأن “هناك الكثير من المعتقدات الخاطئة حول الدبلوماسية، لكن الدبلوماسية لا تشكل إطلاقا بديلا لميزان القوى”.

ويوضح الدبلوماسي الفرنسي أن موسكو تفاوض على “مفهوم للدبلوماسية يقضي بإخضاع الآخر وبالتالي فهي دبلوماسية الإنذار”. ويضيف “نحن في مرحلة يواجه فيها الروس صعوبات لكنهم يتمسكون بفكرة الإنذار”.

ويتابع أنه من وجهة نظر روسيا، تهدف محادثات مثل تلك التي جرت في أنطاليا إلى “التأثير على معنويات الأوكرانيين، وإحداث بعض الارتباك لكل من العالم الخارجي والأوكرانيين”.

وترى الباحثة ناتيا سيسكوريا أن الكرملين الذي ذهب وزير خارجيته إلى حد التأكيد في هذا الاجتماع أن موسكو “لم تهاجم أوكرانيا”، يعمل أيضًا على إقناع الرأي العام بغياب بديل للقوة.

بوتين مصمم على المضي في هجومه العسكري داخل العمق الأوكراني من أجل الاستيلاء على كييف

وتضيف أن “روسيا تبحث أيضا عن ذريعة لتكون قادرة على القول إنها جرّبت الدبلوماسية لكن تلك الدبلوماسية فشلت لأن أوكرانيا رفضت مطالبها (…) مبررة بذلك أعمالها العسكرية المقبلة”.

مع ذلك، يرى المحلل أوليغ إغتانوف أن محادثات من هذا النوع تسمح لكل من الطرفين بتقييم مواقف الطرف الآخر، مشيرا إلى أن “أوكرانيا تأمل في أن تتمكن من وقف العملية العسكرية الروسية بوسائل دبلوماسية”، بينما روسيا “تريد فهم الموقف الأوكراني”.

ويتفق ميشيل دوكلو على أن لمثل هذه المحادثات “وظيفة جس نبض”. وقال إن “الأوكرانيين بحاجة إلى معرفة موقف الروس بالضبط”.

ويشير الدبلوماسي الفرنسي السابق إلى أنه من الممكن أن تؤسس موسكو شكلاً من المفاوضات يمكن تشبيهه بعملية أستانة الخاصة بسوريا والتي تجمع بين روسيا وإيران وتركيا.

ويؤكد أن صيغة من هذا النوع سيكون لها في نظر موسكو “ميزة إعطاء الانطباع بأن هناك عملية سلام، بالإضافة إلى إقصاء الغربيين عنها”.

صحيفة العرب اللندنية