تبنى الحرس الثوري الإيراني، أمس الأحد، قصفا على مدينة إربيل، باثني عشر صاروخا باليستيا، وقال في بيان له إن الهجوم الصاروخي استهدف «مركزا استراتيجيا إسرائيليا» في عاصمة إقليم كردستان العراقي، فيما اعتبرت قنوات مؤيدة للحرس، أن العملية نفذت ردا على اغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، وكذلك انتقاماً لعناصر في «الحرس الثوري» قُتلوا جراء غارات إسرائيلية على سوريا مؤخرا، وحسب قناة تلفزيونية لبنانية تابعة لـ«حزب الله» فإن أربعة ضباط إسرائيليين قتلوا وأن سبعة جرحوا في الهجوم، وأن الاستخبارات الإيرانية تمكنت من القبض على خلية استخبارات إسرائيلية في العراق كانت تحاول تجنيد عملاء، فيما قال مجلس وزراء إقليم كردستان إن القصف استهدف موقعا مدنيا قريبا هو «قنصلية أمريكية قيد الإنشاء»، والذي هو قرب القنصلية الأمريكية الحالي.
أثار الهجوم خضّة سياسية في العراق.
وصف الرئيس برهم صالح، ما حصل بـ”عملية إرهابية”، وترأس رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، اجتماعا للمجلس الوزاري للأمن الوطني، مصرحا أن «الاعتداء على إربيل هو اعتداء على شعبنا»، ورأى محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، الاستهداف “تعديا على سيادة العراق وأمن جميع مواطنيه”، فيما رأى رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، الهجوم «جريمة ضد الإنسانية». بين كل هذه التصريحات ذات الطابع العام، كانت تصريحات زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الأكثر لفتا للانتباه برسائلها، فبعد إدانته الهجوم «وكأن الكرد ليسوا عراقيين»، دعا لرفع مذكرة احتجاج للأمم المتحدة والسفير الإيراني في بغداد، مضيفا أن الادعاء بوجود مواقع إسرائيلية «لا يجب أن يستعمل حجة لزعزعة أمن العراق وشعبه».
تشير هذه التصريحات إلى أن الأطراف السياسية العراقية، باستثناء المحسوبة بشكل مباشر على إيران، اعتبرت أن الهجوم الإيراني، بغض النظر عن المعلن من أهدافه، يستهدف سيادة العراق، كما يستسهل توظيف تقسيمه إلى كرد وعرب (إضافة إلى الانقسام المعلوم بين الشيعة والسنة)، كما أنه يستصغر سيادة الدولة العراقية، ويزج سماء وأرض العراق (ومقدساته)، على حد ما يقول الصدر، في «الصراعات السياسية والأمنية والعسكرية».
يبدو أن ردود الفعل العراقية الآنفة كانت في خلفيّة تقرير بثته قناة تلفزيونية لبنانية تابعة لـ«حزب الله»، ينفي أن يكون الهجوم مرتبطا بمقتل ضابطين في «الحرس الثوري الإيراني» بغارة إسرائيلية في سوريا، وهو نفي غريب فعلا، فما الداعي لإنكار هذا الربط، وماذا يهمّ ما خطر في بال قادة «الحرس الثوري» إذا أدى لاستنكار عراقي (وعربي ودولي)، وأصاب مقرا جديدا للقنصلية الأمريكية قريبا من القنصلية الحالية؟
ربما لأن الربط يقتضي، أن يقوم «الحرس الثوري» بالردّ على مقتل الضابطين الإيرانيين في سوريا نفسها حيث وقع الهجوم الإسرائيلي، أو، وهذا المنطقي أكثر: أن يتم الرد في إسرائيل نفسها؟
ردود الفعل العراقية تشير إلى إحساس كبير بالجرح الوطني المفتوح الذي يجعل سماء البلاد وأراضيها مكانا سهلا لتنفيذ العمليات العسكرية ضد خصوم إيران، في الوقت الذي تقوم فيه بمفاوضتهم على إعادة الاتفاق النووي، وبالتالي، التطبيع معهم، ولو على حساب العراق (واليمن ولبنان وسوريا).
القدس العربي