تُجمع تحاليل الخبراء على أن البنوك المركزية العالمية باتت أمام تحد هو الأكبر بالنسبة إليها للسيطرة على موجة التضخم الجامح بسبب ما خلفته الأزمة الأوكرانية من آثار كارثية على الأسواق وتكاليفها الباهظة على سلاسل الإمدادات.
نيويورك – تؤكد ترجيحات كبار الفاعلين في المجال المالي والاقتصادي أن الأسواق العالمية مقبلة على صدمة كبيرة تنذر باحتمال انفلات التضخم حتى مع استعداد أبرز البنوك المركزية لوضع جدار صد خلال هذا الأسبوع للحد من جنون الأسعار.
وستقدم البنوك المركزية العالمية أكبر تقييم جماعي لعالم متغير منذ أن تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في تجدد اضطرابات الإمدادات وصدمة تضخم مفاجئة للعديد من الاقتصادات وخاصة في الولايات المتحدة.
ومن بين الأعضاء الثمانية في مجموعة العشرين التي من المقرر أن يجتمع مسؤولوها النقديون لمناقشة السياسات النقدية المقبلة، تبرز البنوك المركزية لكل من الصين والولايات المتحدة وتركيا وإنجلترا وروسيا واليابان والبرازيل وإندونيسيا.
وفي حين من المرجح أن تسرق الزيادة الوشيكة في معدل الفائدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأضواء، سيعرض الآخرون مجموعة متنوعة من السياسات تعكس الآثار المختلفة للصراع في الاقتصاد العالمي الذي يتكيف بالفعل مع ارتفاع الأسعار.
مصرف ويلز فارغو: الاحتياطي الفيدرالي شكّل لعقود حارسا لاستقرار الأسعار
وستتراوح القرارات من رفع محتمل آخر لسعر الفائدة في بنك إنجلترا المتشدد، إلى النتيجة المحتملة لبنك اليابان المتمثلة في الإصرار على استمرار موقف التيسير.
وتأتي الإعلانات في أعقاب القرار المفاجئ الذي اتخذه البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي لتسريع عملية التراجع عن التحفيز، مما يترك المستثمرين يتساءلون عن التحولات الأخرى التي قد تكون في انتظارهم.
ويراقب المحللون عن كثب ما إذا كان سيخفض المركزي الصيني سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثانية هذا العام.
وبينما أظهرت بيانات النشاط في يناير وفبراير تحسنا طفيفا تلوح المخاطر في الأفق مع تفاقم التوترات الجيوسياسية وارتفاع أسعار النفط. وقد يعني هدف النمو الجديد لبكين عند حوالي 5.5 في المئة هذا العام أيضا الحاجة إلى دعم البنك المركزي.
وإضافة إلى قضية التخفيف النقدي تباطأ توسع الائتمان الصيني في الشهر الماضي مع عطلة طويلة وتراجع سوق الإسكان، مما أدى إلى اقتراض الأشخاص والشركات بشكل أقل.
ويتوقع ديفيد تشو المحلل في بلومبرغ إيكونوميكس أن يقوم المركزي الصيني بخفض نسبة الاحتياطي المطلوب لتوفير المزيد من السيولة للبنوك من أجل الإقراض ثم خفض أسعار الفائدة لتعزيز التحفيز.
وسيحتل المركزي الأميركي صدارة الاهتمام حينما يجتمع أعضاؤه الأربعاء المقبل، حيث ستكون الزيادة المتوقعة بمقدار ربع نقطة في المعدل القياسي هي الأولى منذ عام 2018.
ويتعين على رئيس الاحتياطي جيروم باول أن يوازن بين التضخم الأكثر سخونة، والذي بلغ الأسبوع الماضي مستوى 7.9 في المئة وهو الأعلى منذ أربعة عقود، وعدم اليقين المرتبط بالحرب في شرق أوروبا.
وفعليا يواجه باول استحقاقا حاسما إذ تتحتم عليه زيادة معدلات فائدته الرئيسية لمكافحة التضخم بعد عامين على خفضها إلى الصفر لمكافحة تبعات الوباء.
والهدف من التحرك إرغام البنوك على فرض معدلات فائدة أعلى على القروض الممنوحة لزبائنها سعيا لإبطاء الاستهلاك، وبالتالي تخفيف الضغط عن الأسعار، ولاسيما في ظل توقعات بأن تستمر مشكلات الإمداد لأشهر.
وأعرب باول قبل فترة قصيرة عن ثقته في قدرة المؤسسة على ضمان “هبوط ناعم” للاقتصاد يسمح بـ”ضبط التضخم دون التسبب في انكماش”. غير أنه سيتحتم على الاحتياطي التحرك بحذر في هذه المسألة البالغة الحساسية.
وقال خبراء في مصرف ويلز فارغو في مذكرة إن “تزامن تضخم أكثر ارتفاعا ونمو أبطأ يطرح معضلة على الاحتياطي الفيدرالي”.
ورجحوا أن يعطي الأولوية لإبطاء التضخم خاصة وأنه “اكتسب المزيد من المصداقية خلال العقود الماضية بصفته حارسا لاستقرار الأسعار”. ويتوقع الخبراء ست زيادات في معدلات الفائدة بقيمة ربع نقطة مئوية عام 2022.
المحللون يراقبون عن كثب ما إذا كان سيخفض المركزي الصيني سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثانية هذا العام
وفي ضوء ذلك من المحتمل أن يحافظ المركزي التركي الخميس المقبل على سعر الفائدة عند 14 في المئة بما يتوافق مع نهج الرئيس رجب طيب أردوغان غير التقليدي الذي يفضل سياسة أكثر مرونة للحد من التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في عقدين.
ووصلت وتيرة المكاسب السنوية في أسعار المستهلكين إلى 54 في المئة خلال فبراير الماضي مدفوعة بالطاقة والغذاء. وقد يؤدي التأثير العالمي للحرب إلى زيادة هذه الضغوط.
ومن شأن ذلك أن يهدد بإطالة أمد ضغوط تكلفة المعيشة التي تواجهها الأسر التركية، وهي رواية قد تصبح أكثر إلحاحا مع اقتراب البلاد من الانتخابات في عام 2023.
وبعد فترة وجيزة من اجتماع مجلس إدارة المركزي التركي يبدو بنك إنجلترا المركزي على يقين من أنه سيعيد سعر الفائدة الرئيسي إلى مستوى ما قبل كوفيد – 19، وهو أول مؤسسة نقدية تحقق هذا الإنجاز.
وفي مواجهة توقعات التضخم المتفاقمة، التي تقول بلومبرغ إيكونوميكس إنها قد تدفع التضخم إلى 10 في المئة في وقت لاحق من هذا العام، من المتوقع أن يرفع المسؤولون مؤشرهم القياسي إلى 0.75 في المئة.
ومع وقوع المملكة المتحدة في قبضة أزمة تكلفة المعيشة الباهظة، يتوقع اقتصاديون أن أقلية من المسؤولين ستدفع مرة أخرى إلى زيادة غير مسبوقة بمقدار 50 نقطة أساس. وأي ارتفاع من أي نوع يمثل الزيادة الثالثة تواليا، وهي وتيرة غير مسبوقة خلال هذا القرن.
وتتوقع الأسواق أيضا أن يشير صانعو السياسة بقيادة المحافظ أندرو بيلي إلى أن المزيد من التحركات قادمة. ويقوم المستثمرون حاليا بالتسعير بمعدلات تصل إلى اثنين في المئة بنهاية العام.
العرب