يواجه رئيس الحزب الاشتراكي التقدمي وزعيم الدروز وليد جنبلاط مخططات يقودها حزب الله لتطويقه انتخابيا، من خلال اقتطاع عدد من المقاعد الانتخابية المحسوبة عليه عبر دعم خصومه، في محاولة لكسر زعامته على الدروز. ويرى مراقبون أن انكفاء تيار المستقبل عن خوض الانتخابات النيابية أربك جنبلاط وحزبه.
بيروت – يسعى حزب الله إلى استثمار مقاطعة تيار المستقبل للانتخابات النيابية اللبنانية في تحجيم نفوذ خصومه السياسيين داخل بيئتهم الانتخابية، إذ يؤثر انكفاء التيار على خارطة التحالفات في عدة دوائر انتخابية، لاسيما على المكون الدرزي الذي يتزعمه رئيس الحزب الاشتراكي التقدمي وليد جنبلاط خصم حزب الله البارز.
وأكد جنبلاط هذه المساعي الأسبوع الماضي، حينما صرّح بأن “هناك أمر عمليات بتحجيمي، والظاهر أن حزب الله يشارك بتنفيذه”، مشيرا إلى أن حزبه “فقد حليفا كبيرا عند السُنّة بعد حلف كبير دام بيننا قرابة 17 سنة”، في إشارة إلى تيار المستقبل.
وأوضح جنبلاط أنّ “حزب الله يريد أن يفرض نفسه على كلّ البلد وعلى مختلف الساحات والطوائف، وبالتالي فإنّه أينما استطاع تحقيق مكاسب على الساحة الدرزية لن يدّخر جهدا، لأنّ محور الممانعة يريد تطويقنا”.
وتقول مصادر سياسية لبنانية إنه لم يعد خافيا أن حزب الله ومنذ إعلان سعد الحريري انكفاء تياره عن خوض الانتخابات، يقود مساعي لتقليص نفوذ جنبلاط بدءا من اقتطاع مقاعد تعود للدروز في المجلس النيابي القادم وكسر احتكاره لتمثيل الدروز.
مساعي حزب الله تضع جنبلاط أمام معركة انتخابية مصيرية للحيلولة دون تمكين الحزب من شق الصف الدرزي
ويشير هؤلاء إلى أنه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها حزب الله التضييق على جنبلاط، إذ حاول محاصرته في انتخابات 2018 ولم ينجح في ذلك.
ويؤكد هؤلاء أن الظروف في انتخابات 2022 تختلف كثيرا عن الانتخابات الفارطة، متسائلين هل سينجح جنبلاط في فك الحصار من دون حلفاء وازنين كالمكون السني في عدة دوائر انتخابية؟
ويقول الكاتب والمحلل السياسي صلاح تقي الدين “ما يجهله حزب الله أن زعامة جنبلاط على الدروز لم تكن يوما مستندة إلى عدد المقاعد النيابية التي يفوز بها، فهذا الرجل الذي استطاع أن يفرض نفسه رقما صعبا في السياسة اللبنانية، لم يتمكن خصومه على اختلاف مشاربهم من زحزحته أو التأثير عليه، ولا فرق إن خسر جنبلاط المقاعد النيابية التي يستهدفها حزب الله أو فاز بها، فهو من دون أدنى شك سيبقى”.
وفي البرلمان الذي يضم 128 مقعدا، يقتصر التمثيل الدرزي على 8 مقاعد موزعة بين الشوف (2) وعاليه (2) ومقعد واحد في كل من بيروت وبعبدا وحاصبيا والبقاع الغربي.
ويخوض جنبلاط معارك على كل الجبهات في الانتخابات المقبلة، ويواجه تحديات في كل الدوائر، إذ يعتمد حزب الله على الأصوات الشيعية في دائرة بيروت الثانية (11 نائبا)، ويسعى إلى خطف مقعد النائب الدرزي الوحيد في تلك الدائرة من الحزب التقدمي الاشتراكي، بعدما فقد الأخير حليفه وداعمه الرئيسي في بيروت رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري.
وأفادت المصادر بأن حزب الله أبلغ قيادة الاشتراكي التقدمي عبر قنوات التواصل الرسمية بين الجانبين، بأنه عازم على خوض المعركة الانتخابية إلى جانب طارق الداوود في راشيا ووئام وهاب في الشوف، مشيرة إلى أنّ الهدف الأساسي من الأجندة الانتخابية لحزب الله على الساحة الدرزية، هو الوصول إلى نتيجة تجعل منه “شريكا مضاربا” لجنبلاط عبر تقاسم المقاعد الدرزية معه، من خلال دعم ترشيح الداوود ووهاب، فضلا عن اتكاله على الجانب الأخلاقي الذي يحتم على جنبلاط ترك مقعد شاغر لطلال أرسلان.
وتشير هذه المصادر إلى أن حزب الله يركز أيضا على إسقاط النائب الدرزي وائل أبوفاعور في دائرة البقاع الغربي، بالإضافة إلى سيطرة الحزب المحتملة عبر حليفه نبيه بري (رئيس حركة أمل الشيعية)، على مقعد حاصبيا بسبب التفوق العددي الشيعي في المنطقة.
وتضع مساعي حزب الله جنبلاط أمام معركة انتخابية مصيرية، للحيلولة دون تمكين حزب الله من تحقيق أهدافه في شق الصف الدرزي.
ويرى محللون تحديين أساسيين أمام جنبلاط لخوض المعركة الانتخابية وهما: التحدي الأول هو كيفية تجاوز حالة اليأس والإحباط التي تتملك اللبنانيين في ظل الواقع المعيشي المنهار وإعادة استنهاضهم انتخابيا، والتحدي الثاني يكمن في تحصين سبل الصمود والتصدي تحت وطأة الافتقار إلى وجود حلف سيادي وازن ومتراص في المواجهة الداخلية الراهنة كما كان الأمر إبان حقبة تحالف 14 آذار.
وسعى جنبلاط في وقت سابق إلى إحياء تحالف 14 آذار قبل الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في الخامس عشر من مايو القادم لمواجهة حزب الله، لكن مساعيه اصطدمت بإعلان الحريري انكفاءه عن خوض الانتخابات.
وأراد جنبلاط من خلال هذا المسعى رسم خارطة طريقه الانتخابية التي تنطلق من مشترك مواجهة المحور السوري – الإيراني، وتمرّ من خلال التحالف التاريخي مع تيار المستقبل والطبيعي مع حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع.
ويتشارك التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية المواقف لناحية تحميل حزب الله المسؤولية عن الأزمات التي تمر بها البلاد، بعد أن تعمّقت الخلافات بين تلك الأحزاب منذ العام 2017، خصوصا بعد أن ذهب حزب القوات بعيدا في التمايز عن شريكيه.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إن مسعى جنبلاط لإحياء هذا التحالف القديم يعود إلى طبيعة الواقع الانتخابي الراهن، حيث يغيب الدعم الخارجي عن تيار المستقبل والاشتراكي التقدمي بشكل أساسي، في حين أنّ قانون الانتخاب الحالي يقود إلى إضعاف هذه الأحزاب في حال عدم تحالفها في عدد من الدوائر.
العرب