قفزت أسعار بعض المواد الأساسية، إلى مستويات غير مسبوقة في الأسواق الفلسطينية، وتحديداً الطحين (الدقيق) والسكر والزيت، ما انعكس بشكل فوري على تكلفة إنتاج الخبز، ودعا خلية أزمة مكونة من جهات حكومية وممثلي القطاع الخاص إلى التدخل، بإعفاء جميع مبيعات الطحين وكذلك المخابز من ضريبة القيمة المضافة البالغة 16%، لمدة ثلاثة أشهر.
ودفعت زيادات أسعار السلع الأساسية التي تراوحت بين 10% و40%، أصحاب العديد من المخابز إلى التهديد برفع سعر كيلو الخبز، بمقدار شيكل أو شيكلين، أي من 4 إلى 5 أو 6 شواكل (نحو دولار ونصف الدولار للكيلو)، في حين ارتفع سعر المخبوزات مثل الكعك والمعجنات بمقدار 20% دفعة واحدة.
ولا تكاد تخلو المائدة الفلسطينية من الخبز، فهو مادة غذائية رئيسية لشريحة واسعة من الفلسطينيين، وارتفاع سعره يعني المس بالعائلة الفلسطينية متوسطة الحجم والتي تستهلك 2 كيلوغرام منه يومياً.
ورغم محاولات وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني السيطرة على الأوضاع، بتأكيدها وجود مخزون يكفي لقرابة الشهرين، أقدم أصحاب المخابز في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة على إغلاق مخابزهم، يوم الخميس الماضي، في إطار احتجاج على ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، إلا أنهم عادوا للعمل في اليوم التالي، عقب توقيع اتفاق مع الوزارة يقضي ببقاء الأسعار على حالها.
لكن أصحاب المخابز يشيرون إلى مواصلة الأسعار الارتفاع مدللين على ذلك بالفواتير التي وصلت إليهم من الوكلاء والمستوردين، في ظل استمرار الحرب الروسية في وكرانيا، والتي أثرت على صادرات القمح والطحين إلى الكثير من دول العالم.
يقول محمد خضر عضو نقابة المخابز الفلسطينية لـ”العربي الجديد” إن المطاحن والشركات الموردة للطحين المستورد رفعت سعر كيس (عبوة) الطحين من 122 شيكل إلى 170 شيكل (الدولار يعادل 3.2 شواكل)، كما ارتفع سعر الزيت والسكر والكهرباء والغاز، لكن بنسب أقل، ما دفع بعض المخابر في الأسواق الشعبية التي كانت تبيع الكيلوغرام بـ3.5 شواكل إلى رفعه إلى 4 شواكل، وهي التسعيرة المعتمدة أصلاً من الوزارة، لكن أفرانا أخرى لم تعد تقوى على العمل في ظل هذه الأسعار، فلجأت لوقف العمل حتى عودة الأسعار إلى سابق عهدها أو السماح بزيادة سعره إلى أكثر من 4 شواكل.
حكومات عربية تفتعل حروباً مع التجار: هروب من الأزمات
ويشير خضر إلى أن عدداً من التجار يحتكرون الطحين، الذي استوردوه على السعر القديم، بانتظار ارتفاع سعره، سعياً لمضاعفة أرباحهم، مضيفا “هؤلاء هم تجار حروب، لا يكفينا أن سعره ارتفع من المصدر، ليأتي هؤلاء ويخزنوا كميات كبيرة منه، في ظل ضعف بل انعدام الرقابة الرسمية”.
وتستهلك الأراضي الفلسطينية نحو 400 ألف طن من القمح سنوياً، منها 30 ألف طن فقط إنتاج محلي، والباقي يستورد من دول أخرى، أهمها روسيا وأوكرانيا.
ويؤكد مدير الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد إبراهيم القاضي لـ”العربي الجديد”، أن ملف الطحين والخبز متابع على أعلى المستويات، نظراً لحساسيته، مشيرا إلى أن مخزون القمح والطحين يكفي حتى نهاية شهر رمضان (يحل مطلع إبريل/نيسان المقبل)، ومع هذا فالوزارة تدرس الاستيراد من دول أخرى، غير روسيا وأوكرانيا.
ويحذر القاضي، التجار والوكلاء من استغلال الحالة الراهنة والتلاعب بالأسعار أو الامتناع عن بيع السلع، مؤكدًا أنه سيتم اتخاذ أقسى الإجراءات بحق المخالفين.
هذه المخاوف عبرت عنها رئيسة جمعية حماية المستهلك الفلسطيني في مدينة نابلس، فيحاء البحش، التي وصفت التجار الذين يتلاعبون بالأسعار بـ”تجار الحروب” الذين يستغلون الأحداث لتحقيق مكاسب خيالية على حساب المواطن البسيط.
وتشير البحش في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أنه منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تصاعدت معها المخاوف من ارتفاع أسعار بعض السلع التي تستوردها فلسطين من تلك المناطق، خاصة الطحين وبعض أنواع الزيت، كان هناك توجه مع وزارة الاقتصاد لوضع آلية لحماية السوق من تدني كميات المخزون الاحتياطي، لأن “إنتاج الخبز يعتمد بشكل أساسي على استيراد الطحين خاصة الأوكراني”.
وتشدد البحش على أنه يتم حالياً التركيز مع وزارة الاقتصاد على ضرورة الحفاظ على الأسعار في الأسواق دون ارتفاع، حتى لو ارتفعت الأسعار عالمياً، على أن تتحمل الحكومة من جهة والتجار وأصحاب المخابز من جهة أخرى جزءا من هذه المسؤولية، حتى نضمن توفر السلع خلال شهر رمضان، دون أي تغيير في أسعارها.
بدوره، يشير الخبير الاقتصادي شادي حمد في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أنه تواصل مباشرة مع أحد كبار تجار الطحين في فلسطين، فأبلغه أنهم لم يرفعوا السعر بعد، لكن التجار يتهافتون لسحب الكميات المتوفرة.
يقول حمد إن “الزيادة في أسعار القمح وصلت حالياً إلى مستويات مرتفعة جداً، وفقاً لأسعار بورصة القمح في العالم، حيث كان من المفترض رفع الأسعار في فلسطين وتم تأجيل ذلك بضغط من وزارة الاقتصاد، لغايات سياسية ومجتمعية”.
ويعرب حمد عن مخاوفه من وجود ما وصفها بـ”إبر تخدير”، لتهدئة الرأي العام، وبعد فترة وجيزة ترتفع أسعار الخبز دون المقدرة على اتخاذ خطوات معاكسة.
لكن خلية الأزمة المكونة من وزارتي المالية والاقتصاد وممثلي للقطاع الخاص والغرف التجارية واتحاد الصناعات، أعنت في بيان عقب اجتماع لها، الأحد الماضي، إعفاء جميع مبيعات الطحين المغلفة بأكياس 25 كيلو غراماً فما فوق، وكذلك المخابز من ضريبة القيمة المضافة البالغة قيمتها 16%، لمدة ثلاثة أشهر.
وأكدت وزارتا المالية والاقتصاد أن هذه الإجراءات تم اتخاذها بهدف عدم رفع أسعار السلع الأساسية على المواطن.
العربي الجديد