عدن – كشفت مصادر سياسية مطلعة لـ”العرب” عن ترتيبات تجريها الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لدعوة القوى والمكونات السياسية والثقافية والاجتماعية اليمنية بمن في ذلك الحوثيون، إلى مشاورات في مقر المجلس بالعاصمة السعودية الرياض في الفترة من التاسع والعشرين من مارس وحتى الخامس من أبريل القادم بحضور المبعوثين الأممي والأميركي إلى اليمن وسفراء مجلس التعاون الخليجي والدول الـ19 الفاعلة في الملف اليمني.
وأشارت المصادر إلى أنه سيتم الإعلان رسميا خلال اليومين القادمين عن المبادرة من قبل أمين عام مجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف الذي التقى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الاثنين وعرض عليه مقترح تنظيم المشاورات الموسعة في الرياض بمشاركة مختلف الأطياف اليمنية.
ووفقا لمصادر “العرب” فقد حظي مقترح الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بموافقة الرئيس اليمني، حيث سيتم خلال الأيام القليلة القادمة البدء بتوجيه الدعوات للمشاركين من مختلف التوجهات السياسية بمن في ذلك الجماعة الحوثية، كاشفة عن أن المجلس سيوجه دعوة لها للمشاركة في المشاورات مع تقديم ضمانات بتسهيل وصول وفدها.
فهد طالب الشرفي: هذه المبادرة تهدف إلى إقامة الحُجّة على الطرف المتعنت
وترى المصادر أن رعاية مجلس التعاون الخليجي لهذه المبادرة سترفع الحرج عن السعودية، التي لا تريد أن تكون هذه المبادرة باسمها، فهي لا تقدر على تقديم عرض سلام مباشر للجماعة الحوثية في الوقت الذي تستمر فيه الأخيرة في تنفيذ هجمات على مواقع مدنية ومنشآت حكومية في المملكة، ما قد يفهم على أنه تنازل تحت الضغط.
وأضافت أن المبادرة الخليجية هي استمرار للمبادرة التي قدمتها السعودية قبل عام، والتي كان هدفها وقف إطلاق النار والدخول في عملية حوار سياسي شاملة لوقف الحرب، لكن تلك المبادرة قوبلت برفض الحوثيين بشكل كامل بالرغم من أنها حظيت بدعم إقليمي ودولي وأممي.
وبادر الحوثي إلى الرد غير الدبلوماسي على المبادرة وأشار إلى أن السعودية طرف، حتى لو جاءت الدعوة من مجلس التعاون.
وقال المتحدث باسم “وزارة” الخارجية في حكومة المتمردين غير المعترف بها احمد العماد “لم نتلق الدعوة ولم يصل أي شيء، والسعودية دولة طرف في العدوان وليست دولة محايدة”. وتابع “لا يوجد جديد وهذه دعوة للاستهلاك الإعلامي”، من دون أن يحدّد موقف الحوثيين من الحضور.
وقالت مصادر “العرب” إن المؤتمر المزمع عقده في العاصمة السعودية الرياض سيكون تحت لافتة المرجعيات الثلاث للحل السياسي في اليمن وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة. كما سيكون المؤتمر مزيجا من مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي رعته الأمم المتحدة في العام 2013 ومؤتمر الرياض الذي عقد في مايو 2015، في حين سيصل عدد المشاركين في المؤتمر إلى حوالي 500 مشارك من مختلف التيارات السياسية اليمنية وشيوخ القبائل والأدباء والمثقفين وممثلي منظمات المجتمع المدني.
واستبعدت مصادر سياسية قريبة من أجواء المشاورات المزمع عقدها، استجابة الحوثيين للدعوة، لافتة إلى أن المبادرة الخليجية ستعمّق عزلة الحوثيين وستؤكد للمجتمع الإقليمي والدولي عدم جديتهم في طيّ صفحة الحرب والتعاطي الإيجابي مع محيط اليمن الجغرافي في ظل الارتهان المتزايد لإيران.
مصادر لـ”العرب”: المؤتمر المزمع عقده في الرياض سيكون تحت لافتة المرجعيات الثلاث للحل السياسي في اليمن وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة
واعتبرت أن عقد المؤتمر الحواري حتى في ظل المقاطعة المتوقعة من قبل الحوثيين، سيصب في اتجاه تحريك المياه الراكدة في المشهد السياسي اليمني ومراجعة وتقييم سبع سنوات من الحرب سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا، وتوسيع دائرة المشاركة في القرار السياسي في الشرعية وضمّ قوى ومكونات جديدة فاعلة في قلب المشهد في معسكر المناوئين للانقلاب الحوثي مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح، إضافة إلى المكونات الاجتماعية والمدنية التي أقصيت طوال السنوات الماضية من دائرة صنع القرار في الشرعية.
ووفقا لمصادر “العرب” ستنبثق عن المشاورات لجان متخصصة لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوارات السياسية والعسكرية والاقتصادية المختلفة، كما سيضع مجلس التعاون الخليجي آلية لضمان تنفيذ القرارات التي سيخرج بها المشاركون في المشاورات التي ستعدّ بداية مرحلة جديدة في إدارة الملف اليمني.
وتعليقا على التحضيرات لعقد جولة المشاورات القادمة في الرياض، قال مستشار وزير الإعلام اليمني فهد طالب الشرفي في تصريح لـ”العرب” إن هذا التحرك ليس غريبا على مجلس التعاون الخليجي بالنظر إلى المبادرات الدائمة التي تقدم بها المجلس في الشؤون اليمنية والتي تحاول أن تجد حلولا للتخفيف من الأعباء التي يعاني منها اليمنيون.
ولفت الشرفي إلى أنه “خلال فترات متعاقبة من التاريخ كان لمجلس التعاون الخليجي الدور الأبرز في رعاية الكثير من المشاورات منذ الستينات وحتى الآن”.
وأضاف “أعتقد أن هذه المبادرة أتت في هذا الوقت الحساس وغايتها هي إقامة الحُجّة وخصوصا على الطرف المتعنت وهو الحوثي، إضافة إلى أن هذه المبادرة ستضم جميع قوى الشعب اليمني السياسية وأيضا القوى الاجتماعية والقوى الحية التي تبحث عن السلام وتبحث عن مخرج لليمن”.
محمود الطاهر: المبادرة الخليجية فرصة أخرى أمام الحوثيين للسلام
وقال إن “هذه المبادرة ستبحث أيضا عن دراسة الكثير من القضايا والتفاصيل والمشاكل البينية التي حالت دون توحيد الصف اليمني في معركته الحالية مع الحوثيين، وإن الحل السياسي يجب أن يكون بداية بين القوى اليمنية ذات النهج السياسي قبل أن يتم التفكير في عقد مشاورات مع الطرف الذي يحمل السلاح”، مشيرا إلى أن “الشرعية اليمنية لم تحظ بالالتفاف الشعبي والسياسي والرضا المجتمعي الذي يجعلها قادرة على حسم معركتها في وقت قياسي مع الحوثيين”.
من جهته، اعتبر الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر أن هذه الدعوة بمثابة فرصة أخرى، بعد الفرصة التي فوّتها الحوثيون في مارس 2021، حينما أعلنت السعودية عن مبادرة لإحلال السلام، لكنها قد تكون الأخيرة، بعد أن ضاق الخناق على الحوثيين في كل مكان، فيما لو استثمرت الشرعية اليمنية تلك القرارات بشكل صحيح.
وعن السيناريوهات المحتملة لتعامل الحوثيين مع الدعوة، قال الطاهر في تصريح لـ”العرب” إن “هناك سيناريوهين للتعامل مع هذه المبادرة، الأول القبول، بهدف إرسال رسائل إلى الداخل، بأن قرارات مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية مجرد حبر على ورق، وسيروّجون لذلك في الداخل على أنه انتصار، وسيوافقون على المشاركة لمجرد تسجيل الحضور”.
أما السيناريو الثاني، وفق الطاهر، وهو الأقرب، “فيتمثل في رفض الحوثيين المشاركة في المشاورات، والاستمرار في تضييع الفرص لإحلال السلام، والعمل على تصعيد عملياتهم العسكرية في الداخل اليمني، ردًا على ذلك، على اعتبار إنهاء الحرب في اليمن لن يكون إلا عن طريق الحسم العسكري”.
العرب