الإفراج عن “إف – 15” للقاهرة محاولة أميركية لخلخة تعاونها مع موسكو

الإفراج عن “إف – 15” للقاهرة محاولة أميركية لخلخة تعاونها مع موسكو

أعلنت الولايات المتحدة أخيرا إمكانية تزويد مصر بطائرات “إف – 15” في موقف لافت في توقيته خاصة أن الإدارات المتعاقبة في واشنطن جعلت أي صفقة تجاه هذا النوع من الطائرات محظورة ما دفع مراقبين إلى ربط هذا التحول بالتطورات في الحرب الأوكرانية لاسيما أن مسؤولون أميركيين سبق وأن انتقدوا سعي القاهرة لاقتناء مقاتلات “سوخوي – 35” الروسية.

القاهرة – أثارت تصريحات قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكينزي أمام الكونغرس الثلاثاء بشأن إمكانية تزويد مصر بطائرات “إف- 15” تساؤلات حول أبعاد التحول في موقف واشنطن من صفقة التسليح التي ظلت محظورة من جانب إدارات متعاقبة منذ أن طلبتها القاهرة لأول مرة في ثمانينات القرن الماضي.

ويحمل التغير في الموقف الأميركي من الصفقة التي كانت ضمن أهداف القاهرة لتلافي مشكلات طائرات “إف – 16” وتحقيق نوع من التوازن الاستراتيجي في المنطقة، رسالة بأن هناك جهودا من قبل إدارة الرئيس جو بايدن للعمل على تفكيك تحالف روسيا مع عدد من الدول المحورية، كأحد أدواتها في إدارة الصراع الغربي الممتد.

وأعرب ماكينزي عن اعتقاده بأن بلاده ستزوّد مصر بالطائرات، قائلا “لدينا أخبارا جيدة تتمثل في أننا سنزودهم بطائرات ‘إف – 15’، وهو عمل طويل وشاق”.

وترجم الموقف الأميركي تصريحات سابقة لماكينزي خلال زيارته إلى القاهرة الشهر الماضي، حيث أشار إلى تقديم دعم عسكري وصفه بـ”القوى جداً” لمصر، محاولاً التخفيف من الغضب المصري عقب قرار إدارة الرئيس جو بايدن خفض 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لأسباب تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان.

ولم يقدم قائد القيادة المركزية تفاصيل عن التوقيت الذي سيتم تزويد مصر بطائرات “إف – 15” أو عددها، إلا أن تزامن كلامه أمام الكونجرس مع التدخل الروسي في أوكرانيا حمل إشارة مهمة بأن هناك تحولا على مستوى سياسات التسليح التي تنتهجها واشنطن مع الحلفاء بما يقوض من الاتجاه نحو موسكو.

يتفق خبراء عسكريون على أن هناك تغيراً على مستوى الشراكة العسكرية الأميركية مع مصر ترجمها الإعلان الأخير عن صفقة “إف – 15″، وسبقها في شهر يناير الماضي موافقة مجلس الشيوخ على صفقتي بيع معدات عسكرية لمصر بقيمة 2.56 مليار دولار تشمل طائرات نقل وأنظمة رادار.

ووقعت وزارة الإنتاج الحربي المصرية الثلاثاء اتفاقية تعاون مع شركة “نيفسر ديفينس” الأميركية في مجال التصنيع المشترك والمركبات المدرعة والمجهزة والمقطورات العسكرية.

ويأتي التحول الأميركي مترافقا مع انتقادات علنية وجهتها الإدارة الحالية بشأن اتجاه القاهرة نحو التعاقد على مقاتلات “سوخوي – 35” الروسية، والتهديد بإمكانية فرض عقوبات عليها بموجب “قانون مكافحة أعداء أميركا” حال استمرار صفقة سوخوي.

وبدا من الواضح أن المباحثات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة وصلت أخيرا إلى تفاهمات من شأنها الاستجابة لمطالب القاهرة وتزايد احتمال توقف صفقة سوخوي الروسية التي لم يتأكد بعد ما إذا كانت القاهرة قد تسلمت دفعة أولى منها أم لا حتى الآن بعد ثلاثة أعوام من بدء مشاورات حول اتفاقيات مبدئية بين البلدين لإبرامها.

وعلمت “العرب” أن القاهرة بدأت بالفعل في إجراءات التجهيز لإبرام صفقة المقاتلات الروسية غير أن خطواتها اقتصرت طيلة الفترة الماضية على إجراءات ما قبل التعاقد وهي غير ملزمة لأيّ من البلدين، وما أثير عن تسلم مصر دفعة أولى من الطائرة الروسية غير دقيق، وفي حال جرى ذلك لكان تم توقيع عقوبات بموجب القانون الأميركي، وما كانت واشنطن قررت بيع “إف – 15” لمصر.

ولا ينفصل الموقف الأميركي الحالي تجاه مصر عن مساعي موازية تقوم بها واشنطن لتعزيز شراكتها مع حلفاء في المنطقة وترميم علاقات اعتراها الفتور مع البعض منها.

وتحاول الولايات المتحدة أن تُبقي على موازين القوى في صالحها دون أن تتدخل بشكل مباشر في توجهات الحلفاء تجاه روسيا، ومن المهم بالنسبة إليها الحفاظ على مصالحها دون انخراط مباشر في سياسة تشكيل المحاور التي تدرك أنها لا تلقى قبولاً من العديد من الأطراف العربية، من بينها القاهرة.

وقال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى الكدواني إن مصر حليف استراتيجي للولايات المتحدة لكن ذلك لم يمنع انتهاجها مسارات تنويع مصادر التسليح دون الارتباط بدولة بعينها، وتضع نصب عينيها الصالح العام ودعم قدراتها العسكرية لحماية الأمن القومي.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الموقف الأميركي الأخير يبرهن على ثبات العلاقات بين البلدين، وهناك إدراك في واشنطن أن مصر تنتهج سياسة متوازنة مع كافة الأطراف وتدعم القضايا العادلة وتستهدف تحقيق الاستقرار ومواجهة الإرهاب.

وأوضح أن الإفراج عن صفقة طائرات “إف – 15” لن يكون له تأثير على مستوى العلاقة مع روسيا على المستوى العسكري، لأنها مزود رئيسي للأسلحة المصرية، وفي الوقت ذاته فإن هناك انفتاحا على المزيد من التعاون العسكري مع الولايات المتحدة من دون أن يكون لذلك علاقة بالتوازنات القائمة حاليًا جراء الحرب الأوكرانية.

تبنت القاهرة مواقف بدت متوازنة من الحرب الأوكرانية وحاولت أن تظهر مرونة في علاقتها بكل من روسيا والولايات المتحدة وتحاشي خسارة أيّ منها، ووظفت نهجها الدبلوماسي الذي سارت عليه طيلة السنوات الماضية نحو عدم الانخراط في أي نوع من الصراعات وتحاشي الوقوع في مأزق إرضاء طرف على حساب آخر، وهو أمر يجعلها أمام العديد من الإغراءات من الأطراف المتصارعة.

وأكدت الباحثة المتخصصة في شؤون الأمن الإقليمي نانيس فهمي عبدالرازق أن تصريح الجنرال الأميركي يعبّر عن تطور إيجابي في العلاقات العسكرية بين البلدين، وترجمة لنجاح المباحثات التي أجراها الرجل في القاهرة الشهر الماضي، ويشي بوجود مواقف أميركية تعيد النظر في قرار حجب جزء من المعونة.

وذكرت لـ”العرب” أن الخطوة الأخيرة لديها ارتباط مباشر بتطورات الحرب الأوكرانية، في ظل حاجة الولايات المتحدة إلى المزيد من التقارب مع حلفائها وأنه ليس من المطلوب حدوث جفاء سياسي مع القوى التي تعتمد عليها في الشرق الأوسط.

نانيس فهمي عبدالرازق: الخطوة مرتبطة بحاجة واشنطن إلى التقارب مع حلفائها

وقالت إن سرعة التحرك تؤشر على قلق أميركي من الاتصال الذي أجراه الرئيس عبدالفتاح السيسي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام وسعت لأن تكون حاضرة في الصورة ولا تترك مساحات من الفراغ يمكن أن تخدم موسكو.

وتريد القاهرة أن تمسك بالعديد من الخيوط التي تجعلها مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، ويعد مشروع تحولها إلى مركز إقليمي للطاقة أحد أبرز المميزات التي تدفع الولايات المتحدة لتحسين علاقتها معها مع تنامي الحاجة إلى تصدير الغاز المصري من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، خاصة أن تحرك القيادة السياسية في دوائر متعددة أكسب مصر ثقلا يؤهلها للعب أدوار دبلوماسية أكبر، وهو أمر تدركه الولايات المتحدة.

ويمكن النظر إلى موقف الإدارة الأميركية من صفقة “إف -15” كدلالة رمزية على جديتها في تحسين أوجه التعاون المشترك من دون أن يؤدي ذلك إلى الإخلال بموازين القوى في الشرق الأوسط، في ظل التطور الهائل على مستوى الطائرات الحديثة ووجود أسلحة تفوق في قدراتها ما تحققه المقاتلة التي تمتلكها بعض دول المنطقة.

وسمحت واشنطن على مدار سنوات متفاوتة بعقد صفقات بيع طائرات “إف – 15” والتي توصف بأنها “لم تخسر معركة” مع العديد من الدول، بينها السعودية وإسرائيل وقطر واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وتعد أفضل طائرات الجيل “4.5”، وينظر إليها في المفاهيم العسكرية على أنها مقاتلة متعددة المهام ولها قدرات كبيرة على الاعتراض والهجوم والاستطلاع وتنفيذ كل المهام بإجادة كبيرة.

ولدى العديد من العسكريين المصريين قناعة بأن تمرير الصفقة الأميركية يحقق إضافة نوعية للجيش المصري في المنطقة نظراً للمقاتلات الأخرى التي تمتلكها القاهرة، مثل “الرافال” و”الميراج” و”إف – 16″ و”الميغ – 29″، وهو ما يمنح القاهرة تنوعا في مصادر التسليح، وأنها نجحت في الضغط على واشنطن لاستئناف عمليات التبادل العسكري بصورة طبيعية.

سمير راغب: التحول يؤكد قناعة أميركية بأهمية التعاون العسكري مع مصر

وأشار رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية العميد سمير راغب أن القاهرة طلبت الحصول على طائرات “إف – 15” منذ الثمانينات لكنها واجهت رفضًا متكرراً ارتبط بفكرة تحقيق التوازن العسكري بين دول المنطقة، وهو ما جعل القاهرة تبحث عن مقاتلات أخرى تحقق لها تطورات في الجيل الرابع من الطائرات بعد أن وقف حدود تطوير سلاح الجو على إمكانيات مطلع الثمانينات.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن التحول الجديد يؤكد وجود قناعة من جهات عديدة داخل الولايات المتحدة بأهمية التعاون العسكري مع مصر، على رأسها وكالة الأمن والدفاع والتعاون العسكري التي تعد موافقتها إشارة لباقي الجهات لتعديل مواقفها.

ويقول مراقبون إن حصول القاهرة على الطائرة الأميركية يفوق مكاسب صفقة “سوخوي – 35” الروسية، لأنها تتماشي مع تطورات التسليح الغربي في نظم القيادة والسيطرة والإمداد والقدرة على العمل المشترك، إلى جانب أن الطائرة تأتي في المرتبة الثانية من حيث القوة والكفاءة القتالية بعد “إف – 22”.

ويعبر تمرير الصفقة عن حجم الدور الذي تلعبه القاهرة في تحقيق خمسة محاور تهم الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وهي: الحفاظ على أمن الممرات، والحرب على الإرهاب، وتأمين منابع النفط، وحفظ الأمن في منطقة الخليج، وتأمين التجارة الدولية في منطقة قناة السويس.

العرب