تحت عنوان “لماذا يخلط الهجوم الروسي على أوكرانياالأوراق في ليبيا؟”، قالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إن الحرب في أوكرانيا قد تؤدي إلى زعزعة ميزان القوى الهش في ليبيا، حيث ما تزال روسيا أحد اللاعبين الرئيسيين في الصراع الذي يمزق هذا البلد منذ سقوط نظام معمر القذافي.
وأشارت المجلة إلى دعم الكرملين، من بين آخرين، للمشير المتقاعد خليفة حفتر، رجل الشرق القوي، الذي دعمه خلال هجوم قواته ضد العاصمة طرابلس في عام 2019. وهو دعم اتخذ عدة أشكال: وصول القناصين ودعم المدفعية ومراقبة الحركة الجوية. قامت المطبعة الحكومية الروسية Goznak من جانبها بتشغيل مطبعة النقود عدة مرات للمساعدة في إنقاذ ضفاف برقة المحرومة من النقد من البنك المركزي الليبي في طرابلس.
وتساءلت “جون أفريك” إن كانت موسكو ستستدعي قواتها المرتزقة المنخرطة في ليبيا عبر شركة فاغنر الروسية شبه العسكرية الخاصة؟
بحسب “التايمز”، فقد أرسلت روسيا أكثر من 400 رجل إلى كييف للقبض على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. يقال إنهم ينتمون إلى شركة فاغنر، التي يعمل أعضاؤها في منطقة “دونباس” منذ اندلاع الصراع الأوكراني في عام 2014.
وأشارت المجلة الفرنسية إلى أن فاغنر وصلت إلى ليبيا في عام 2018، في الشرق. وتشغل هذه المجموعة شبه العسكرية – بقيادة ديمتري أوتكين وبتمويل من الأوليغارشي الروسي يفغيني بريغوجين المقرب من فلاديمير بوتين – الآن عدة مناصب في مناطق مختلفة من البلاد، لا سيما في منطقة الهلال النفطي الاستراتيجي للغاية. ويوجد بعض عناصرها في سرت، يحاولون الوصول إلى فزان.
تم تسجيل تحركات قوات فاغنر في الأيام الأخيرة في منطقة السخنة بالقرب من قاعدة الجفرة الجوية. لكن انسحاب الشركة يظل غير مرجح. وتنقل المجلة عن جلال حرشاوي، الباحث المتخصص في الشأن الليبي، قوله: “منذ بداية غزو أوكرانيا، وبصرف النظر عن الكثير من التكهنات التي لا أساس لها من الصحة، لم تكن هناك مؤشرات ملموسة أو موثوقة تشير إلى رحيل المقاتلين الروس من ليبيا”.
واعتبرت “جون أفريك” أن سيناريو انسحاب الشركة من شأنه أن يفضي إلى هجوم لقوات الغرب الليبي باتجاه الشرق، لأنه سيفتح فجوة تسمح لمقاتلي طرابلس ومصراتة بالاستيلاء على مواقع فاغنر. إذ يرى جلال حرشاوي أيضا، متحدثا للمجلة، أن “مغادرة الروس ستؤدي إلى الاضطراب التام لجميع التوازنات والديناميكيات السياسية. وسيخسر حفتر الكثير من هالته وستصبح الحرب في برقة أكثر احتمالا”.
وأشارت المجلة الفرنسية إلى أن شركة شبه عسكرية روسية خاصة أخرى تعمل في ليبيا، وهي مجموعة RSB، وتعد شركة مملوكة لشركة Oleg Krinitsyn، تم تكليفها في عام 2016 بعملية إزالة الألغام نيابة عن شركة الأسمنت الليبية في بنغازي.
وأكدت “جون أفريك” أن الوجود الروسي في ليبيا يظل استراتيجيًا للغاية بالنسبة لموسكو، حيث تسمح جذوره في البلاد لبوتين بمتابعة استراتيجيته المتمثلة في “الضغط” على أوروبا. هذا واضح في مجال الطاقة. كما أن فاغنر، الذراع المسلحة لروسيا في إفريقيا، نشطة في العديد من مسارح العمليات في أفريقيا. ففي مالي، عززت الشركة وجودها في نهاية عام 2021 بوصول حوالي 600 من المرتزقة. وأيضا تنشط فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث طلب الرئيس فوستين أرشانج تواديرا من روسيا في ديسمبر الماضي دعمًا عسكريًا. بالإضافة إلى ذلك، عملت فاغنر في 2019 في موزمبيق والسودان للمشاركة في قمع المظاهرات الاحتجاجية ضد عمر البشير.
واعتبرت “جون أفريك” أن الاستقطاب الروسي على المسرح العالمي قد يؤدي إلى إعادة خلط الأوراق على الساحة السياسية الليبية، خاصة وأن عدم تنظيم الانتخابات في شهر ديسمبر الماضي أدى إلى انقسام جديد في البلاد.
ويرفض عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المنتخب في مارس 2021 لقيادة الفترة الانتقالية برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، تسليم السلطة لمنافسه فتحي باشاغا، المنتخب في 11 فبراير، في تصويت مثير للجدل من قبل برلمان طبرق. لكن عبد الحميد الدبيبة ما يزال يتوقع دعماً قوياً من المجتمع الدولي، الذي يحتفظ باحتياطي حذر لتجنب اندلاع صراع مسلح، حيث يتمتع كل من رئيسي الوزراء بجذور قوية في الميليشيات.
إذا أدانت الحكومتان المتنافستان في طرابلس وطبرق الحرب في أوكرانيا، فسيكون هذا الموقف أقل وضوحًا بالنسبة لفتحي باشاغا، الذي اعتبر أن “هجوم روسيا انتهاك صارخ للقانون الدولي وسيادة أوكرانيا الديمقراطية”، تقول المجلة، مشيرة إلى أن فتحي باشاغا انتخب من خلال تحالف مع رئيس البرلمان عقيلة صلاح ومعسكر خليفة حفتر حليف موسكو. وسرعان ما رحبت روسيا بانتخاب فتحي باشاغا. وهذا الدعم الروسي يعيق فتحي باشاغا على الساحة الدولية، وفق ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز.
لكن منذ بدء الحرب في أوكرانيا، رفعت ستيفاني ويليامز صوتها في 4 مارس، معلنة أن “حل الأزمة الليبية لا يكمن في تشكيل إدارات متنافسة”. وهذا هو الهجوم الأول الذي يستهدف فتحي باشاغا، توضح “لوموند”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه مع ذلك، فإن البيان الصحافي المشترك الذي نشر في يوم الرابع من شهر مارس الجاري من قبل المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا يشوبه الغموض… إذ يدعو النص “جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي عمل من شأنه زعزعة الاستقرار في ليبيا”. لكنه لا يقرر مسألة شرعية عبد الحميد الدبيبة أو فتحي باشاغا.
إلا أن هذه الأزمة السياسية – تحذر “جون أفريك” – تؤجج تجدد حالة انعدام الأمن في طرابلس، وتجلى ذلك في اختطاف وزراء الخارجية والتعليم في حكومة فتحي باشاغا، فضلاً عن اغتيال المدون الناشط الطيب الشريري مؤخرا في شوارع العاصمة، في ظل أجواء من الانفلات الأمني مرتبطة بالاشتباكات بين مليشيات معسكري عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا. وهي صورة يمكن أن يعمقها السياق الدولي أكثر. يعتقد جلال حرشاوي أن “تنشيط موقف تركيا المؤيد لحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا يمكن أن يسحق التفاهم التركي-الروسي الذي كان أساس الهدوء الليبي منذ يونيو 2020”.
القدس العربي