أبوظبي- كشف موقف الولايات المتحدة من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات عن وجود فجوة واضحة بينها وبين أحد أبرز شركائها في الخليج، في وقت يقول فيه الإماراتيون إن الموضوع أبعد من استقبال الأسد أو الوساطة في الحرب الأوكرانية أو الامتناع عن الاستجابة لرغبة واشنطن في نقض اتفاق أوبك+.
ويقول متابعون للشأن الخليجي إن الإدارة الأميركية متعثرة في فهم حجم التغيرات في الشرق الأوسط وكانت تعتقد أن الموضوع محدود في أسعار النفط أو تبديد الغضب من المواقف السلبية من ضرب أبقيق وقصف مواقع في أبوظبي بالصواريخ والمسيرات الإيرانية التي وضعتها على ذمة الحوثيين.
وأشار المتابعون إلى أن زيارة الأسد إلى أبوظبي واستقباله بحفاوة هي الرسالة الأبلغ والأقوى من الإمارات إلى الولايات المتحدة والغرب بالعموم، ومفادها أن هذه مواقفنا كما نراها، وأنه كما اتخذتم مواقفكم دون اعتبار لنا، فإننا نتخذ مواقفنا دون اعتبار لكم، وأن المحدد في كل ذلك هو مصلحة الإمارات التي قد تتقاطع معكم وقد تبتعد عنكم.
كما أن استقبال الأسد هو خطوة من ضمن سلسلة خطوات كانت قطعتها الإمارات في الأشهر الأخيرة تقوم على تصفير المشاكل في العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية، والتركيز على خدمة الإمارات وتنفيذ المشاريع الواعدة التي ستضعها في المستقبل مركزا اقتصاديا وتكنولوجيا مهما إقليميا ودوليا. وترسم هذه المواقف الجديدة صورة مختلفة حتى لحلفاء الإمارات الإقليميين أو ممن يمتهن التعكير على سياسات أبوظبي.
وفي مقابل اتساع الهوة مع الولايات المتحدة بعد سلسلة من الخطوات الأميركية السلبية، فإن الإمارات باتت أقرب إلى روسيا، والأمر لا يرتبط بزيارة الأسد ولا التصويت في مجلس الأمن ضد قرار أميركي لإدانة التدخل الروسي في أوكرانيا، فهي أبعد من ذلك كونها تعبر عن توجه إماراتي مختلف.
ويقول المتابعون إن الروس يثقون الآن بالإماراتيين لاعتبارات كثيرة، منها أنهم يدركون أن أبوظبي لا تتحرك فقط بدوافع سياسية لتسجيل المواقف، ولكنها تراعي الوضع الاقتصادي العالمي وشبكة التوازنات، لافتين إلى أن تراجع أسعار النفط مثلا بسبب ضخ المزيد من الخام للسوق، ينعكس سلبا على الواردات المالية الإماراتية، أي أنها لا تنصح روسيا بشيء إلا ما يمسّها أيضا.
وبالتوازي، فإن الأوكرانيين أيضا يفهمون أهمية الثقة بين روسيا والإمارات، وهذا يعني أنهم سينقلون الرسائل ويكونون وسطاء إيجابيين وليسوا بعيدين أو متحيزين، ما يعطي فرصة أكبر لنجاح الوساطة التي تقودها الإمارات.
◙ زيارة الأسد إلى أبوظبي رسالة إلى واشنطن: كما اتخذتم مواقفكم دون اعتبار لنا، نتخذ مواقفنا دون اعتبار لكم
وكان آخر تحرك في هذه الوساطة هو زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد إلى موسكو ولقاؤه نظيره الروسي سيرغي لافروف، ثم اتصاله لاحقا بنظيره الأوكراني ديمتري كوليبا، وتأكيده “استعداد دولة الإمارات التام لدعم كافة الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي للنزاع في أوكرانيا، والتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة”.
ويعتقد المراقبون أن زيارة الأسد إلى أبوظبي ستفتح عيون واشنطن على حقيقة أن حلفاءها الخليجيين الغاضبين من مواقفها تجاه المنطقة قد تغيروا بدرجة كبيرة، وأن استعادة ثقة هؤلاء بات أمرا يعنيها لوحدها إن شاءت تحركت فيه بسرعة وإن شاءت أبطأت أو تغافلت، فوحدها تتحمل المسؤولية.
وتراجع الرصيد السياسي لإدارة جو بايدن لدى كل من الرياض وأبوظبي بسبب عدم الاستجابة لمخاوفهما بشأن منافستهما الإقليمية إيران وإنهاء دعمها لحربهما في اليمن وفرض شروط على مبيعات الأسلحة الأميركية لدول الخليج.
وزار الرئيس السوري بشار الأسد الإمارات الجمعة في أول زيارة له إلى بلد عربي منذ الحرب السورية التي اندلعت عام 2011.
وذكرت وكالة أنباء الإمارات أن الأسد التقى بولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي “أكد أن سوريا الشقيقة تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها”.
وأظهر شريط مصور بثته وكالة أنباء الإمارات الأسد مبتسما وهو يقف إلى جوار الشيخ محمد بن زايد أمام علمي سوريا والإمارات مع حديث تخللته ابتسامات.
وأثارت الزيارة انتقادا من واشنطن مع إعلان وزارة الخارجية أنها “تشعر بخيبة أمل كبيرة وبقلق” مما وصفته بمحاولة واضحة لإضفاء الشرعية على الأسد.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن واشنطن ما زالت تعارض جهود تطبيع العلاقات مع الأسد.
وقال إن الولايات المتحدة لن تتنازل أو ترفع العقوبات عن سوريا ما لم يتم إحراز تقدم نحو التوصل إلى حل سياسي للصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف منذ اندلاع الانتفاضة ضد الأسد.
وأضاف برايس في رسالة بالبريد الإلكتروني “نحث الدول التي تفكر في التواصل مع نظام الأسد على أن تدرس بعناية الفظائع المروعة التي ارتكبها النظام ضد السوريين على مدى العقد الماضي فضلا عن محاولات النظام المستمرة لحرمان معظم البلد من الحصول على المساعدات الإنسانية والأمن”.
العرب