الرباط – وصفت أوساط سياسية مغربية زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى الرباط ولقاء القمة الذي جمعه بالعاهل المغربي الملك محمد السادس مساء الخميس بالصورة المعبرة عن المدى الذي وصل إليه الإشعاع الإقليمي والدولي للمغرب الذي نجح في تغيير مواقف الكثير من الدول لدعم مقاربته لحل قضية الصحراء، في مقابل ذلك تعيش الجارة الجزائر حالة من العزلة.
وقالت هذه الأوساط إن تغيير إسبانيا لموقفها من قضية الصحراء بدعمها لمقاربة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب مثل تحولا كبيرا خاصة بعد أن سبق ذلك تغيير ألمانيا لموقفها ما يجعل الدول الأبرز في أوروبا وكذلك الولايات المتحدة أقرب إلى المغرب وأبعد عن الجزائر.
وعملت الجزائر على منح نفسها جائزة ترضية باستضافتها رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي الذي قدم لدوافع تجارية ولا علاقة لزيارته بأيّ بعد سياسي. واحتفى النظام الجزائري بالزيارة للإيحاء بأنها جزء من ردّه على تغيير الموقف الإسباني، وأنه ليس معزولا كما يبدو في الصورة خاصة بعد توتر علاقة الجزائر بفرنسا والمغرب، وبعد الفشل في الحصول على موقف من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوحي بمراجعة لخيار واشنطن الواضح بدعم المقاربة المغربية.
محمد بودن: التقارب المغربي – الإسباني ستكون له تأثيرات استراتيجية
وأكد محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية في المغرب، في تصريح لـ”العرب” أن الواقع الجديد للعلاقات المغربية – الإسبانية أصبح موسوما بالأهمية الاستراتيجية التي يمثلها البلدان لبعضهما البعض، وقد برز هذا بجلاء في دفاع رئيس الحكومةَ الإسبانية عن خياره الواقعي بخصوص وجاهة مبادرة الحكم الذاتي أمام البرلمان الإسباني.
ويرافق رئيس الوزراء الإسباني وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس الذي كان منتظرا أن يقوم بزيارة إلى المغرب الجمعة قبل أن يتقرر تأجيلها، ليكون استئناف علاقات البلدين على مستوى أعلى.
وجدد الملك محمد السادس دعوته إلى “تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين”، وفق بيان صدر عن الديوان الملكي في الحادي والثلاثين من مارس الماضي وأعلن دعوة سانشيز لزيارة المغرب.
من جهته، أشار سانشيز إلى أنه وضع في حديثه مع الملك محمد السادس “خارطة طريق تعزز المرحلة الجديدة بين بلدين متجاورين، وشريكين استراتيجيين، على أساس الشفافية والاحترام المتبادل والامتثال للاتفاقيات”.
وتهدف هذه الزيارة إلى وضع “خارطة طريق طموحة تغطي جميع قطاعات الشراكة، وتشمل كل القضايا ذات الاهتمام المشترك”، بحسب بيان الديوان الملكي، على أن يغادر سانشيز صباح الجمعة (اليوم).
ومن بين تلك القضايا العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، الشريك التجاري الأول للمملكة.
واعتبر بودن أن زيارة سانشيز ستخلق توقعات إيجابية وتفتح آفاقا جديدة بخصوص العلاقات الثنائية وستعزز الأدوار المؤثرة التي يجب أن يلعبها البلدان في الفضاء المتوسطي، وفي ظل الوضع الدولي الراهن ليس هناك أفضل من الآن لتنشيط العلاقات المغربية – الإسبانية.
وينتظر أن يؤدي تطبيع العلاقات بين مدريد والرباط إلى إعادة فتح الخطوط البحرية بينهما، على اعتبار أن موانئ إسبانيا الجنوبية بمثابة ممر رئيسي للمهاجرين المغاربة المقيمين بأوروبا أثناء رحلات عودتهم إلى المغرب خلال العطل الصيفية، وهي الرحلات التي استثنى منها المغرب الموانئ الإسبانية في ظل الأزمة بين البلدين.
تغيير مدريد لموقفها من قضية الصحراء بدعمها لمقاربة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط مثل تحولا كبيرا
وعشية وصول رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب وعودة الاتصالات الدبلوماسية، تم الاتفاق على دخول الاتفاقية الأمنية الموقعة بين مدريد والرباط حيز التنفيذ في الثلاثين من أبريل الجاري، وتشمل التعاون في مجال مكافحة الجريمة، والاتجار بالمخدرات والبشر والهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى غسيل الأموال والمعاملات المالية غير المشروعة، والجرائم في المجال الاقتصادي والمالي وغيرها من البنود المهمة.
وأضاف بودن أن ثمة قناعة مشتركة لدى البلدين بأن لديهما ظروفا مواتية لمضاعفة التعاون الثنائي، وأن مقاربة ملف الهجرة ومكافحة الإرهاب ومختلف المخاطر تبقى كذلك الشغل الشاغل والهدف المشترك بين البلدين.
وأشار إلى أن السوق المغربية كانت مثيرة للاهتمام دائمًا بالنسبة إلى إسبانيا وهذا المعطى يؤكده حجم التبادل البيني على مستوى النقل البحري والزراعة والصيد البحري وعدد الشركات الإسبانية التي لها ارتباط مباشر وغير مباشر بمناخ الأعمال في المغرب، وأن ثمة آفاقا واسعة لاستكشاف فرص أخرى للتبادل في مجالات الطاقة والأسمدة والاقتصادين الأخضر والرقمي.
ولا يعكس التغيير في الموقف الإسباني من موضوع الصحراء موقفا خاصة بالحكومة، وعلى العكس فقد بدأت دائرة الداعمين لهذا التغيير في اتساع لتشمل شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسي لويس رودريغيز ثاباتيرو.
وقال ثاباتيرو في تصريحات صحافية إنه يتبنى بشكل كامل الموقف المعبر عنه من طرف الحكومة، مشددا على أن “أهم شيء هو التوصل إلى اتفاق، لأنه السبيل الأقوى والأكثر أمانا والأفضل بالنسبة إلى الجميع، وأن الأمر الأهم هو التفاوض، الاتفاق، التحلي بالرصانة، وروح المصالحة من أجل التوصل إلى حل”.
وأفقد تغيير الحكومة الإسبانية موقفها من ملف الصحراء لصالح المغرب بوليساريو الدعم الذي كانت تجده لدى بعض الدوائر الإسبانية. وهذا التحول ظهر بشكل جلي مع موقف حزب “سيودادانوس” اليميني الذي وصف بوليساريو الأربعاء بـ”المنظمة الإرهابية” وبأنها لا تمثل الصحراويين.
العرب