فضائح فساد وهدر بأموال الدولة تلتف حول بسمايا السكني والمواطن العراقي هو الضحية

فضائح فساد وهدر بأموال الدولة تلتف حول بسمايا السكني والمواطن العراقي هو الضحية

الباحثة شذى خليل*
يعود الحديث عن أكبر ملفات الفساد في أكبر مشاريع الإسكان في العراق، مشروع بسماية السكني الذي يعد من أضخم المشاريع السكنية في البلاد، إلا أن تكلفته المقدرة بعشرة مليارات دولار مبالغ فيها، قياساً بالمخطط الكلي للمشروع، وهو ما يكشف عن شبهات فساد في العقد الذي تم إبرامه ، في الـ ٣٠ من ايار ٢٠١٢ حين وقعت هانوا العقد الرسمي لبناء مدينة بسماية مع الهيئة الوطنية للاستثمار العراقي والشركة الكورية.
اسم المشروع مشروع مدينة بسمايا الجديدة، المالك “الهيئة الوطنية للاستثمار”، التصميم والإنشاء شركة هانوا للهندسة والإنشاءات، قيمة العقد 7.75 مليار دينار، موقع المشروع كم عن مدينة بغداد 10 أعمال تطوير الأرض – أعمال البناء السكني “100000” وحدة، تشييد مدينة جديدة – تفاصيل المشروع مدة العمل 7سنوات (سنتان اعمال التصميم والتطوير+ خمس سنوات للتنفيذ) عدد السكان المستهدفين 600,000 ، عدد الوحدات السكنية 100 الف، مساحة المشروع  1,830 هيكتار.

تؤكد وثائق رسمية هذا الفساد، والذي لم يكن في الأساس عقدا استثمارا مطلقا بل هو عقد مقاولة تم منحها لشركة هانوا الكورية بأسلوب التفاوض المباشر دون منافسة.
الوثائق تثبت منذ 2013 وتفاصيل صفقة الفساد هذه حيث تتضمن أولا ً طلب الهيئة الوطنية للاستثمار عرض موضوع عقد مشروع بسماية على مجلس الوزراء ويتجنب فيه رئيس الهيئة سامي الاعرجي الاشارة فيما اذا كان العقد هو مقاولة أو عقد استثمار .
وثانياً هي عقد مقاولة باللغة الانكليزية عنوانها Contract Agreement بينما يسمي العقد الشركة الكورية هانوا للهندسة والبناء على انها المستثمر Investor اما الوثيقة الثالثة فتتضمن الشروط الخاصة بالتعاقد مع المقاول حسب شروط فيديك FIDIC 1999 وهي شروط دولية عامة للتعاقد تعتمد في المشاريع الكبرى بين المقاول والمالك وليس لها أي علاقة بالاستثمار، فيما تُعرّف الوثيقة الرابعة المقاول الرئيس والمقاول الثانوي.
المشروع المعروف باسم مشروع مدينة بسماية السكني، جنوب العاصمة بغداد، حيث تشير المصادر الى الفساد المستشري في المشروع وعدم وضوح الخطط الحقيقية للاستثمار وتلكؤ العمل والمماطلة في تقدم الخدمات، وتثبت مدى وحجم الفساد في تفاصيل هذا المشروع، والكثير من الخفايا والفساد تنطوي خلف هذا المشروع، حيث تظهر بين الحين والحين بعد أن أثارت هيئة الاستثمار الوطنية الموضوع عبر تكليفها شركة خاصة لتدقيق الحسابات وتصفيتها، تظهر ملفات الفساد المتداخلة والمتشابكة ببعضها، وسط حديث عن عدم صلاحية الهيئة بإنشاء المشاريع السكنية والاستثمارية، كونها جهة ترويجية بحسب القانون فقط.

المشروع مخالف للقانون:
الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم تقول “هذا المشروع هو ليس من اختصاص هيئة الاستثمار بالأساس، حيث أن القانون الأساسي وأنا أحد المشاركين في كتابته، ينص على أن تكون هيئة الاستثمار هيئة ترويجية، وليس من صلاحيتها إنشاء المشاريع”. إلا أن “إنجاز مجمع بسماية بالأساس مخالف للقانون، لأنه ليس من تخصصات الهيئة التي هي مختصة بالترويج ومنح الإجازات، ولكن أن تقوم بإنشاء هذا المجمع وتتفق مع شركات عالمية، فهذا يعني وجود ملفات كبيرة، وهنا يأتي دور هيئة النزاهة والرقابة المالية”.
وبناء على معلومات موثقة منذ 2017 حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، تؤكد ان إقراض المصارف الحكومية (الرشيد والرافدين والتجاري العراقي) مشروع بسماية ( 600) مليار دينار عراقي ، وهذا مخالف لقانون الاستثمار وتجاوز على المال العام وهدر لخزينة الدولة، وجاء هذا الاقراض تبعا لقرض قيمته مليارا دولار قد حصلت عليهما الشركة في بداية المشروع ز.
الفساد في عقد المشروع المبرم بين الحكومة العراقية والشركة الكورية المنفذة، وأن قيمة العقد مبالغ فيها ولا تتناسب مع المشروع الذي يتضمن نحو 100 ألف وحدة سكنية. علماً أن الشركة تسلمت منها فعلاً ملياري دولار”.
ومن ناحيه أخرى يعد المشروع ملتقى للشركات المعروفة بتلكؤها في العمل في اغلب مشاريع الوزارات مما يعني ان تلك الشركات ليس لها مصداقية بالعمل والتي كان من المفترض ان لا يتم التعامل معها، فهي مجرب في مشاريع الوزارات مثل وزارة الموارد المائية ولم تنجزه، ما أدى إلى سحب العمل منها، ثم ذهبت بعد ذلك إلى بسماية.

وكشف احد المصادر ان اغلب أعمال المشروع لا تنفذ من قبل الشركة الأجنبية، بل من قبل شركات عراقية صغيرة تابعة لجماعات متنفذه و مسلحة، ولا تتوافق أصلا مع المواصفات المطلوبة، وهناك فساد حتى في قيمة المواد الأولية المستخدمة في المشروع ونوعيتها.
يؤكد الخبراء الاقتصاديون ان الفساد موجود في هيئة الاستثمار العراقية التي قد تضم موظفين فاسدين يتاجرون على حساب المواطن الفقير، وهذا تجلى بمشروع بسماية السكني، فنظرا لوجود عدد كبير من الشقق الموجودة في المجمع الذي يخضع لإشراف الهيئة، ومع ازدياد الطلب على هذه الشقق بدأت تظهر مساومات من قبل موظفين بالهيئة، فمثلا عند رغبة المواطن بشراء شقة بمساحة معينة وطابق معين، يجب عليه دفع مبلغ معين للحصول عليها، وهذه مساومات تحدث من قبل سماسرة مرتبطين بالهيئة”.
ويذكر بعض المسؤولين والمتخصصين انه في حال اعتبار جميع شقق المشروع بمساحة 140 متراً مربعاً، وسعر 84 مليون دينار، فإن كلفة المشروع تكون 8 مليارات و400 مليون دولار مع الخدمات كاملة، ويشيرون إلى أن رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، أبلغ اللجنة أن الشركة الكورية أنفقت حتى الآن مليارين و300 مليون دولار. وان عقد المشروع ينص على أنه استثماري، لكن التقارير تكشف تكفل الحكومة بتأمين الخدمات والمراكز الصحية والمدارس ومراكز الشرطة، برغم أنها كان ينبغي أن تكون ضمن العقد وتنفذ من قبل الشركة الكورية.
يسعى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حيث وصف بعد زيارته للمشروع بالمتلكئ والإهمال والفساد، بسبب القرارات والتعليمات الخاطئة والإدارة غير الصحيحة، ويعد إهدارا للمليارات من قبل بعض وزراء ومقاولي الأحزاب.

وقام الكاظمي بتقديم عدة توجيهات الى رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار سها داود نجار (سيتم اتخاذ إجراءات قانونية وإدارية كفيلة بالسيطرة على حالات المتاجرة والسمسرة التي شهدتها أسعار الوحدات السكنية في مشروع بسماية السكني مؤخراً وتحملت فرق السعر من أجل دعم وإسناد المشروع ولن تسمح بأي تلاعب من السماسرة). التي تسببت مؤخراً برفع أسعارها بما يقرب من 40 بالمئة فوق سعرها الفعلي، الأمر الذي أثقل كاهل المواطنين من المشترين الحقيقيين من أصحاب الدخل المحدود والمتوسط، والذين تأسس المشروع من أجلهم).
وكان من المقرر تسلم المشروع كاملا الى المواطنين المسجلين فيه مع كافة الخدمات عام 2019 واليوم نحن منتصف 2022 وحتى بعض المواطنين الذين استلموا شققهم يعانون من عدم اكمال الطرق التي تربط المشروع بطريق بغداد العام ولا الخدمات ولا توجد مستشفى عام .

ختاما يرى محللون أن أهم أسباب فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة هذه المشكلة المستعصية هو عدم وجود خطط استراتيجية بشقيها، قصيرة المدى وطويلة المدى، من أجل تلافي المؤشرات السلبية التي تنتج عنها، وعدم وضوح الخطط والمشاريع وتنصيفها وإدارتها من قبل الجهات المختصة والمسؤولة عن إدارة المشاريع. وتبقى مشكلة الفساد أهم العوائق التي تحول دون إتمام المشاريع لأن المناقصات الحكومية تكون عرضة للاستغلال من قبل جماعات وشخصيات مسؤوله بالدولة العراقية .

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية