بغداد – قالت مصادر سياسية عراقية مطلعة إن اتصالات تجري بين أغلب الفرقاء السياسيين تهدف إلى وضع أرضية للتوافق تفضي إلى استمرار السلطات الحالية بشكل مؤقت إلى حين حل أزمة الفراغ الدستوري الناجمة عن غياب النصاب القانوني لاختيار رئيس للجمهورية يكون قادرا على تكليف رئيس للوزراء لعرض تشكيلته أمام البرلمان.
وكشفت المصادر عن تشكيل تحالف سياسي جديد بعيد عن نتائج الانتخابات من خلال تقارب سنّي مع الإطار التنسيقي وكتلة الاتحاد الوطني الكردستاني وعدد من نواب الكتل الصغيرة والمستقلين بهدف دفع البرلمان إلى التمديد للرئيس برهم صالح وكذلك رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ولو بشكل مؤقت ولمدة لا تتجاوز ستة أشهر، بُغْية الحفاظ على عمل المؤسسات الدستورية، وإعطاء الصلاحيات لحكومة تصريف الأعمال ووزرائها لتوفير الخدمات الضرورية للعراقيين، وكذلك الإيفاء بالالتزامات الخارجية للبلاد.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن هذا التوافق هو توافق ضرورة وناجم بالأساس عن تهرّب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من تحمل مسؤولية قيادة المرحلة الجديدة لكون تياره قد حاز على الكتلة الأكبر في البرلمان، وأن دعوة خصومه إلى تشكيل حكومة خلال أربعين يوميا لم تكن سوى مدخل للانسحاب لكن من دون تسليم المهمة إلى تحالف برلماني جديد، وهو ما يفتح الباب أمام فراغ دستوري ومؤسساتي طويل المدى.
توافق ضرورة ناجم عن تهرب مقتدى الصدر من تحمل مسؤولية قيادة المرحلة الجديدة
ودعا قادة عراقيون الثلاثاء من بينهم برهم صالح والكاظمي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى معالجة حالة الانسداد السياسي، والعمل بثقة متبادلة من جميع القوى السياسية لتشكيل الحكومة المقبلة.
وأجمع القادة على أن البلاد في حاجة إلى خطوات لمعالجة الانسداد السياسي وحلّ الخلافات السياسية وألا يتحول الخلاف السياسي بين الفرقاء إلى أداة تهديد للدولة، مطالبين بالتكاتف لمعالجة الأخطاء والسلبيات التي رافقت العملية السياسية في البلاد.
وقال برهم صالح إن “الانسداد السياسي وغياب التفاهم لتشكيل حكومة بعد مضيّ أكثر من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية بات أمرا مقلقا وغير مقبول”، محذرا من أن “هناك من يريد أن يشغل العراقيين في صراعات داخلية تهدد كيانهم”.
وأكد “علينا تجاوز الصعوبات لأن تعطل الاستحقاقات الدستورية أمر غير مقبول ولا بد من تعديل الدستور”، داعيا إلى “طي صفحة الخلافات وتحصين البلد لمواجهة الفساد وإصلاح المؤسسة السياسية”.
واعتبر مراقبون محليون أنه لا خيار أمام العراقيين في الوقت الحالي سوى التمديد لبرهم صالح والكاظمي لكونهما يحوزان على ثقة الحد الأدنى من العراقيين خاصة برهم صالح، في الوقت الذي لا توجد فيه أيّ أرضية للتوافق حول المرشح الكردي الآخر ريبير أحمد، ولا على جعفر الصدر رئيس الحكومة المقترح من التيار الصدري وحلفائه.
وحذر المراقبون من أن إصرار الصدر على فرض ريبير أحمد، مرشح مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومرشحه الشخصي، وأحد أبناء عمومته، جعفر الصدر سيعني استحالة الوصول إلى تسوية، أولا لغياب النصاب القانوني في البرلمان الذي يتيح تزكيتهما، ومع مرور الوقت سيفقد تحالف “إنقاذ وطن” البرلماني دعم النواب مع تصاعد الانتقادات الموجهة إليه، وثانيا أن الرجلين غير معروفين ولا يمتلكان خبرات ذات قيمة لقيادة دولة في حجم العراق وفي ظل ظروفه الصعبة.
قوى الإطار التنسيقي الشيعية باتت ترى في الإبقاء على حكومة الكاظمي، مع إجراء تعديلات وزارية عليها، الخيار الأكثر واقعية والأنسب في ظل الانسداد السياسي الراهن
ولتجنب الفراغ الرئاسي قررت المحكمة الاتحادية تمديد مهام الرئيس برهم صالح إلى حين التوصل إلى تسوية الخلاف السياسي، وقد أثار القرار جدلا بين خصوم برهم صالح الذين اعتبروا أن قرار المحكمة “سياسي” ويصبّ في صالحه، وبين من رأى أنه ضرورة للحيلولة دون فراغ في رأس هرم السلطة.
واضطر الرئيس صالح مؤخرا إلى طلب استشارة المحكمة الاتحادية التي تمثل أعلى هيئة قضائية في البلاد، لتفسير المادة الثانية والسبعين من الدستور لتمكينه من مواصلة عمله إلى حين استكمال متطلبات المادة السبعين من الدستور، وذلك بعد أن عجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد.
وبالتوازي مع التمديد لبرهم صالح، باتت قوى الإطار التنسيقي الشيعية ترى في الإبقاء على حكومة الكاظمي، مع إجراء تعديلات وزارية عليها، الخيار الأكثر واقعية والأنسب في ظل الانسداد السياسي الراهن لاسيما مع عدم إبداء التيار الصدري أيّ تعاون أو استجابة للمبادرة التي طرحها الإطار لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر.
وأعرب ائتلاف دولة القانون، الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الخميس عن إمكانية تأييد خيار التجديد للكاظمي، مشيرا إلى أن موقفه المتحفظ في السابق كان من منطلق مبدئي وهو عدم التجديد للرئاسات الثلاث.
وطالب الكاظمي، الثلاثاء، القوى السياسية في العراق بمعالجة الأزمة السياسية من خلال العمل بثقة متبادلة، مشددا على أن “الشعب العراقي قلق من استمرار الانسداد السياسي وعلينا الاعتراف أن هناك أزمة ثقة فيما بيننا وعلينا مواجهتها وتشخيصها قبل الوصول إلى الخيارات السياسية المطلوبة”.
وأضاف الكاظمي “نجتهد في إيجاد الحلول، وأحيانا نجتهد للأسف في ابتكار العوائق والانسداد السياسي”.
وتابع “قبل المضي إلى الحل السياسي علينا أن نفكر باستعادة الثقة وخلق الأجواء الممهدة لذلك، كما يجب على القوى السياسية الكف عن الاتهام والتخوين بالانتماء إلى الوطن والدين والمذهب”.
من جهته، طالب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بالعمل على إكمال الاستحقاقات الدستورية وممارسة البرلمان لدوره التشريعي.
وقال الحلبوسي “علينا العمل من أجل تصفير الأزمات وتطوير مؤسسات الدولة وتجاوز الأزمة السياسية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة”.
وأكد هادي العامري، زعيم منظمة بدر، في كلمته أن العراق يعيش ظروفا استثنائية ويجب الخروج بحلول واقعية لإنقاذ البلاد والإسراع بإنهاء حالة الانسداد السياسي للخروج بحكومة قوية.
وقال العامري “علينا الخروج من أزمة تشكيل الحكومة العراقية بتشكيل حكومة قوية قادرة على تحمل المسؤولية لإنهاء مشاكل العراقيين بحلول واقعية والتنازل من الجميع لحماية البلاد”.
العرب