شنّ الطيران الروسي مئات الغارات خلال شهر إبريل/نيسان الحالي على مواقع لتنظيم “داعش” في البادية السورية، وخصوصاً في ريف حمص الشرقي، حيث ازداد خلال الآونة الأخيرة نشاط التنظيم الذي يواصل هناك هجماته على قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تقرير له أمس الثلاثاء، إن المقاتلات الروسية شنّت أول من أمس الإثنين، نحو 20 غارة جوية على باديتي حمص والرقة، مضيفاً أن الطيران الروسي شنّ نحو 490 غارة على مناطق انتشار “داعش” في البادية السورية، وذلك منذ مطلع شهر إبريل/نيسان الحالي.
كما تحدث المرصد في تقريره عن تنفيذ التنظيم رابع هجوم له أمس على مواقع للنظام ضمن البادية السورية، وذلك في أقل من 48 ساعة، بعد توثيقه الإثنين مقتل 5 من عناصر النظام والمليشيات المساندة له بهجمات لـ”داعش” في باديتي دير الزور والرقة.
من جهته، لا يزال النظام يدفع بتعزيزات إلى منطقة السخنة في ريف حمص الشرقي، لمواجهة التهديد المتزايد من قبل “داعش”، الذي ركّز نشاطه في الآونة الأخيرة في وسط البادية السورية التابع إدارياً لمحافظة حمص، أكبر المحافظات السورية لجهة المساحة والبالغة أكثر من 40 ألف كيلومتر مربع، جلّها بادية.
يواصل النظام الدفع بتعزيزات إلى منطقة السخنة في ريف حمص الشرقي، لمواجهة التهديد المتزايد لـ”داعش”
البادية السورية… مجال واسع لتحركات “داعش”
وتتوزع البادية السورية التي تعادل نحو نصف مساحة سورية، إدارياً، على محافظات: حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، السويداء، والرقة، ودير الزور. وتمنح التضاريس الصعبة للتنظيم مجالاً للتحرك ضمن جغرافية واسعة تمتد من جنوب البلاد حيث الحدود مع الأردن، إلى ريف مدينة حلب شمالاً، وإلى الحدود السورية العراقية شرقاً، وريفي حمص وحماة غرباً.
ولجأت فلول تنظيم “داعش” إلى البادية السورية، مع اشتداد الهجمات عليه في سورية والعراق، والتي انتهت مطلع عام 2019، بسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على جيب الباغوز في ريف دير الزور الشرقي آخر معقل للتنظيم، وذلك بدعم واسع من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.
وبيّن الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات”، رشيد حوراني، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن التنظيم “يوظف جبال البشري في البادية السورية للقيام بعمليات في بوادي الرقة وحمص ودير الزور”. ولفت إلى “وجود أعداء للتنظيم في ريف حمص الشرقي، ولذلك فإنه يقوم بنصب الكمائن لهم ويغنم منهم معدات يستخدمها في عملياته”.
ريف حمص الشرقي… منطقة نفوذ قديمة للتنظيم
بدوره، أوضح مدير مركز “الشرق نيوز”، فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “ريف حمص الشرقي هو منطقة نفوذ قديمة لتنظيم داعش منذ بداية وجوده في سورية”، مشيراً إلى “وجود أماكن طبيعية في هذا الريف، لا يطاولها الطيران، وتساعد خلايا التنظيم على الاختباء والتخفّي”.
وشرح علاوي أن ريف حمص الشرقي “يوفر للتنظيم سهولة الحركة”. وقال إن قوافل النفط التي تنتقل من محافظة دير الزور، ومن منطقة شرقي نهر الفرات التي تقع تحت سيطرة “قسد”، باتجاه حمص، تمر عبر هذا الريف، ويوفر التنظيم حماية لهذه القوافل مقابل أجور”.
وكان تنظيم “داعش” سيطر خلال عامي 2014 و2015 على الجانب الأكبر من ريف حمص الشرقي الغني بالثروات الطبيعية الباطنية، وخصوصاً الغاز والفوسفات. وظلّت آبار وحقول الغاز في ريف حمص رافداً مهماً لميزانية التنظيم قبل أن تتراجع سيطرته مطلع عام 2017، بعد سيطرة قوات النظام على مدينة تدمر.
ياسين جمول: لريف حمص الشرقي أهمية خاصة لكل الأطراف
ويضم ريف حمص الشرقي 7 حقول نفط وغاز، هي: حقل الشاعر، حقل الهيل، حقل آراك، حقل حيان، حقل المهر، حقل جحار، وحقل أبو رياح. وكان حقل الشاعر، الموجود في جبل شاعر، ويقع إلى شرقي حمص بنحو 120 كيلومتراً، من أهم مصادر الغاز في سورية قبل عام 2011، تاريخ اندلاع الثورة السورية، حيث كان يقدر إنتاجه بنحو 3 ملايين متر مكعب يومياً.
ويضم ريف حمص الشرقي ثروة لا تقل أهمية عن الغاز، وهي مناجم الفوسفات والموجودة في السلسلة التدمرية، وبالخصوص خنيفيس والشرقية، والتي تعد الخزان الأكثر أهمية لهذه الثروة التي وضعت شركات روسية يدها عليها في عام 2018 وفق اتفاقية مع حكومة النظام. وكانت سورية تحتل المرتبة الخامسة عالمياً على قائمة الدول المصدِّرة للفوسفات حتى 2011.
بدورهم، يضع الإيرانيون يدهم على جانب مهم من ريف حمص الشرقي، حيث تحولت مدينة تدمر إلى منطقة نفوذ لمليشياتهم، ولاسيما “فاطميون” و”زينبيون”. ولريف حمص الشرقي أهمية كبيرة للإيرانيين الساعين إلى ترسيخ الممر البري الذي يربط بلادهم بالعراق مروراً بسورية عبر هذا الريف باتجاه حمص، ومنها إلى لبنان على ساحل البحر المتوسط.
وحاولت المليشيات الإيرانية مراراً القضاء على التنظيم في هذا الريف، حيث شنّت حملات عسكرية عدة، إلا أنها فشلت على الرغم من القصف الجوي الروسي المتكرر، والذي لم يستطع حتى الآن الحد من خطورة خلايا التنظيم المعتمدة على الضربات السريعة والمباغتة.
وفي هذا الصدد، أوضح الباحث في مركز “الحوار السوري”، ياسين جمول، في حديث مع “العربي الجديد”، أن لـ”ريف حمص الشرقي أهمية خاصة لكل الأطراف”. وأشار الباحث إلى أن “ريف حمص الشرقي يضم مستودعات ومطارات عسكرية عديدة في المنطقة كمطار التيفور والشعيرات ومستودعات مهين”، مضيفاً أيضاً أن منطقة تدمر “تضم آثاراً عملت إيران وروسيا مع مليشيات النظام على نهبها وتهريبها والاتجار بها”.
ولفت الباحث إلى أن ريف حمص الشرقي “قريب من منطقة نفوذ الأميركيين في التنف ومثلث العراق – سورية – الأردن، وهو ساحة صحراوية مفتوحة، حيث لتنظيم داعش خبرة قتالية في هذه الصحراء يستطيع من خلالها إزعاج كل الأطراف وتحقيق مكاسب له على حسابهم”.
العربي الجديد