شارفت مهلة الصدر (40 يوماً تنتهي بعد عيد الفطر) للكتل السياسية بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، على النهاية، وسط استمرار «الانسداد السياسي» وعدم وجود بوادر تلوح في الأفق لحسم ملف الكتلة البرلمانية الأكبر، واختيار رئيس جديد للجمهورية، وتأليف الحكومة الجديدة، فيما امتدّ الخلاف الشيعي ـ الشيعي والكردي ـ الكردي، إلى البيّت السنّي، الذي أكمل نصف الطريق باختيار رئيس مجلس النواب «البرلمان» وينتظر حصّته في الكابينة الحكومية.
ويجمّع المراقبون للشأن السياسي العراقي، بتأثير بروز رافع العيساوي، وعلي حاتم السليمان، وشخصيات سياسية سنّية، على مكانة الحلبوسي السياسية لدى السنّة، خصوصاً وأن تحالفه «تقدّم» فاز بأكبر عدد من المقاعد النيابية السنّية في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أكثر من 35 مقعداً.
الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، يقول لـ«القدس العربي» إنه «لا شك إن عودة علي الحاتم السليمان، ورافع العيساوي إلى المشهد السياسي مجدداً، ستؤثر على نفوذ ودور ومكانة الحلبوسي سياسياً واجتماعياً، الأمر الذي يُنذر بتشظّي البيت السنّي، في ظل وجهات النظر المتباينة إزاء تلك الشخصيات».
وأضاف: «مجتمع الأنبار (عشائرياً) قد يذهب باتجاه الاصطفاف مع السليمان الذي يقترب مع العيساوي، وهو ما يرجح نشوب أزمة سنّية في الوقت الذي كان فيه البيت السنّي يشهد هدوءا نسبياً».
بعض الأطراف الشيعية تريد وجود أكثر من شخصية (زعامات) سياسية سنّية، «للاستفادة من المكاسب التي تخلّفها الاصطفافات الطائفية والمذهبية والقومية في البلاد» وفقاً للبيدر الذي أوضح أن ذلك التوجه يقابله توجّه آخر «إصلاحي» راغب في زيادة المساحة الوطنية في المشهدين السياسي والحكومي.
وزار رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، إيران، الأربعاء الماضي، تلبية لدعوة نظيره محمد باقر قاليباف، برفقة وفدٍ برلماني.
والتقى الحلبوسي خلال زيارته طهران- استمرت يوماً واحداً- رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إبراهيم رئيسي، وعددا من المسؤولين الإيرانيين هناك.
موعد الزيارة وأسبابها أثارا تساؤلات عدّة، من بينها أنباء تفيد بلجوء الحلبوسي إلى القادة الإيرانيين لإيجاد مخرج من أزمة ظهور العيساوي والسليمان، في المشهد السياسي مجددّاً.
في هذا الشأن يرى البيدر إن «زيارة الحلبوسي إلى إيران تأتي لتفعيل الدور الإيراني في إيجاد مخرج لحالة الانغلاق السياسي التي يشهدها العراق، ومنح الأطراف الوطنية الدور الأكبر».
الكاتب والمحلل السياسي العراقي لم يستبعد طلب الحلبوسي من إيران «إبعاد بعض الخصوم، من خلال الضغط على أطراف شيعية استقطبتها وتحاول استثمار وجودها لإضعاف الحلبوسي».
يتزامن ذلك مع أنباء أفادت باجتماع قوى سياسية سنّية، للاتفاق على تشكيل «كتلة سنية جديدة» وضم شخصيات سياسية من تحالف «السيادة» المؤتلف مع التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني، لإنهاء سيطرة الحلبوسي وتفرده بالقرار السياسي.
وأفادت مصادر سياسية لمواقع إخبارية محلّية مقرّبة من «الإطار التنسيقي» الشيعي، أن «اجتماعا جرى (نهاية الأسبوع الماضي) في منزل الأمين العام للمشروع الوطني، جمال الضاري، وبحضور جميع قيادات القوى السياسية السنية، باستثناء خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، لبحث مستجدات الوضع السياسي».
وطبقاً للمصادر فإن «القوى السنية اتفقت على الشروع في استقطاب نواب تحالف السيادة خلال الأيام المقبلة، وإعلان التحالف السياسي الجديد برئاسة مثنى السامرائي وهو رئيس تحالف عزم».
وأشارت إلى إن «المشروع الجديد هدفه إنهاء استحواذ الحلبوسي على السلطة وفتح الحوار مع الإطار التنسيقي من أجل قطع الطريق على مشروع التحالف الثلاثي وتمرير رئيس الجمهورية».
وقد يبدو المشهد معقداً داخل تحالف «انقاذ وطن» ويُنّذر بإمكانية تصدّع التحالف الناشئ حديثاً، لكن البيدر استبعد تشظّي التحالف الثلاثي «انقاذ وطن» معتبراً الحديث عن ذلك هو «مجرد شائعات لا أكثر». وعدّ أيضاً إن تحالف الصدر ـ بارزاني ـ الحلبوسي والخنجر، هو «أكثر صلابة وتماسكاً» وينافس شخصيات أخرى «تتربّح من الفساد ونفوذ السلاح في البلاد» في إشارة إلى «الإطار التنسيقي» الشيعي.
لكنه مضى يقول: «الإطار التنسيقي لن يتمكن من تشكيل الحكومة الجديدة حتى وإن منحهم الصدر 40 يوماً» موضحاً إن «الإطار لن يستطيع تشكيل الحكومة بمعزل عن الصدر، والعكس صحيح. التوافق هو من شكل الثقافة السياسية في العراق وصنع منظومتها».
وشدد البيدر على أن «المرحلة الحالية لا يمكنها أن تُجبر طرفاً ما على الذهاب إلى المعارضة، وفرض طرف آخر على السلطة».
وأضاف: «مهما حاولت وناورت الأطراف السياسية فلا مناص من التوافق، شريطة أن يستند على الثقل الانتخابي، وأن يشارك من يرغب في الحكومة ويذهب من يريد إلى المعارضة، لكن بإرادتهم وليس بالإكراه، كما هو الحال في الأحزاب المنبثقة عن حراك تشرين (أكتوبر) والمستقلين، ممن أعلنوا موقفهم تبنّي صفّ المعارضة التقويمية الإصلاحية في البرلمان».
وختم بالقول: «لا بوادر على تقديم تنازلات لأي طرف لتمشية الاستحقاقات الدستورية. السلوك السياسي الحالي يزيد من حالة فقدان ثقة الشعب بالمنظومة السياسية، ويؤكد إن الأخيرة تعمل لصالح أهداف فئوية ضيقة تتعلق بالأحزاب أو المكونات أو المناطق، ولا تنظر إلى البلاد كدولة» مشيراً إلى إن «مفهوم رجالات الدولة الساعين للإصلاح داخل العمل السياسي والحزبي والحكومي والتسريعي والرقابي، غائب».
من جانبٍ آخر، حدد الباحث والخبير في الشأن العراقي إحسان الشمري، مسارين للخروج من أزمة تشكيل الحكومة في البلاد.
وقال الشمري في ورقة بحثية، إنّ «فشل القوى السياسية العراقية بتمرير رئيس الجمهورية أدخل العراق في فراغ دستوري وخرق للمدد التي حددتها النصوص الدستورية، ما ولّد تساؤلات عن مسارات الخروج من حالة الانسداد السياسي».
وتحتّ بنّد «المسار السياسي» أفاد الشمري بأنه يتحقق «من خلال إعادة تشكيل التحالفات باختراق الكتلة الصدرية صفوف (الإطار التنسيقي) وتقوم إما باستقطاب بعض القوى إلى طرفها، وإما بقيام الإطار الشيعي بخطوة مماثلة، وهذا السيناريو من الصعب أن يتحقق».
كذلك فإن «العودة إلى تشكيل الحكومة وفق مبدأ التوافقية، ممكن أن يكون الحل المثالي لحالة الانسداد السياسي، ولكن مقتدى الصدر سيكون الخاسر الأكبر فيه. وقد تكون الأربعين يوماً، التي منحها مقتدى الصدر للإطار التنسيقي الشيعي لتشكيل حكومة مع حلفائهم الفرصة الأخيرة، لكن الإطاريين يدركون أن هدف الصدر منها أن أصبح الثلث المعطل مانعاً أمام عملية تحقيق مشروع الأغلبية، وهو الأمر الذي دفعه إلى النأي بنفسه عن موضوع التعطيل ورمي الكرة في ملعب الإطار التنسيقي، خصوصاً في ظل الاستياء الشعبي من تأخر تشكيل الحكومة، ومن ثم فهم يدركون أنها محاولة إحراج أطراف الإطار التنسيقي أمام الرأي العام العراقي أيضاً، مع صعوبة إمكانية حصوله على أغلبية برلمانية، لذلك هم لا يمتلكون القدرة والأدوات لتشكيل الأغلبية مع إدراكهم بأن ذهاب مقتدى الصدر للمعارضة سيكون ثمنه حل البرلمان وسقوط حكومتهم خلال أشهر».
وعن الخيار الآخر «المسار الدستوري» يقول الشمري إنه «في حال تواصل الانسداد السياسي، قد يتم اللجوء إلى حلّ البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة جديدة، وهذا قد يكون من خلال تقديم أحد الكتل البرلمانية طلباً وفق المادة 64 أولا من الدستور التي تنص على «يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية».
ورجّح أن «تقوم بهذا الخيار الكتلة الصدرية كرد فعل سياسي لعدم قدرتها على تشكيل حكومة الأغلبية التي تتبنّاها، أو تقوم به كتلة برلمانية جديدة كحركة امتداد، القريبة من تشرين، ولكن لن تحصل على العدد المطلوب من الأصوات، لعدم قناعة أغلب القوى بهذا الخيار».
وأشار أيضا إلى أن «المسار الدستوري الآخر لحل البرلمان يكمن بأن تصدر المحكمة الاتحادية قراراً يوضح إمكانية إيجاد مخرج للفراغ الدستوري الحالي، أو أن تصدر قراراً بناءً على طلب مقدم لها قد يحدث نتيجة تقارب بين الأطراف المؤيدة لخيار حل البرلمان، مع وجود أو ممارسة ضغوط من قوى سياسية خارج البرلمان ومنظمات مجتمع مدني، عبر اللجوء إلى المحكمة الاتحادية من أجل المطالبة بإلغاء الانتخابات وتنظيم انتخابات جديدة، فضلاً عن أن الأطراف السياسية ستجد نفسها مجبرة على طلب رأي المحكمة الاتحادية بشأن إمكانية إعادة الانتخابات أو الإقرار بفشل البرلمان في انتخاب الرئيس، إذ إن إعلان حال الطوارئ أمر مستبعد، وهو جزء من عملية الضغط الذي تمارسه القوى السياسية على المقاطعين لجلسات البرلمان».
وختم بالقول: «كل الخيارات السياسية باتت مفتوحة في العراق أمام حالة الانسداد المتكررة منذ عام 2010 حتى الآن».
القدس العربي