خلال قرابة 5 سنوات من الخلافات السياسية الحادة بين تركيا والسعودية، انخفض حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى قرابة الصفر، وتراجع عدد السياح السعوديين إلى تركيا إلى مستويات متدنية قياسية وتراجعت الاستثمارات حيث استخدم الاقتصاد كورقة ضغط سياسية شلت كافة مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وعقب زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى السعودية وإعلانه بداية «عهد جديد» من العلاقات والتعاون بين البلدين بعد لقائه الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان، فإن الأنظار تتجه إلى مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين والمتوقع أن تشهد زخماً تدريجياً في ظل رغبة تركية جامحة بإعادة العلاقات الاقتصادية إلى ما كانت عليه قبيل تفجر الخلافات في أسرع وقت ممكن.
وبينما لا تخفي أنقرة أولوية الاقتصاد في توجهها الدبلوماسي الجديد في المنطقة ومنه مسار تحسين العلاقات مع السعودية، وترغب بقوة في تطوير العلاقات الاقتصادية، فإن موقف الرياض ما زال غامضاً ولا يعرف حتى الآن ما إن كان هناك قرار سعودي رسمي يتماشى مع الرغبة التركية الجامحة في تحقيق تقدم سريع في هذا الملف، أم أن الرياض تسعى لتقدم بطيء لإبقاء الاقتصاد «ورقة ضغط» لحين التيقن من الخطوات المقبلة في مسار تحسين العلاقات.
وتعاظمت خلال السنوات الماضية الخلافات بين تركيا والسعودية حول ملفات ثنائية وإقليمية مختلفة أبرزها التنافس الإقليمي وقضية دعم ثورات الربيع العربي وتنظيم الإخوان المسلمين، إلى جانب القضية الأبرز المتعلقة بجريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي على الأراضي التركية.
التبادل التجاري
وكنتيجة للخلافات السياسية، استخدمت الرياض بدرجة أساسية الاقتصاد كورقة ضغط حيث فرضت حظرا غير معلن على البضائع التركية وسط حملات واسعة لمقاطعة كل المنتجات التركية، رافقتها حملات واسعة تحرض ضد من يذهبون للسياحة في تركيا أو شراء العقارات على أراضيها، وهو ما أدى بمجمله إلى تراجع معدلات التجارة والسياحة وشراء العقارات والاستثمارات إلى مستويات متدنية غير مسبوقة.
وكخطوة أولى، تأمل أنقرة بإنهاء الحظر غير المعلن المفروض على الصادرات التركية إلى السعودية وهو ما بدأ يظهر تدريجياً منذ بداية العام الجاري، حيث انخفضت الصادرات التركية للمملكة عام 2021 إلى قرابة الصفر قبل أن تبدأ بداية العام الجاري بالتعافي تدريجياً وسط أنباء عن أن السلطات السعودية بدأت ترفع الحظر تدريجياً لكن لا يعرف إن كانت الأسابيع المقبلة ستشهد رفع الحظر بشكل كامل أم أن الرياض ستواصل الاحتفاظ بهذه الورقة؟
وقبيل بداية الخلافات وصل متوسط حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى قرابة 5 مليار دولار سنوياً، وكان الميزان التجاري يميل لصالح الصادرات التركية بشكل واضح، ومع الحظر غير المعلن ودعوات المقاطعة انخفض حجم التبادل التجاري بنسبة 98 في المئة، قبل أن يرتفع بشكل تدريجي بداية العام الجاري، حيث ترغب أنقرة في أن يعود إلى متوسطه السابق خلال أشهر قليلة وهو أمر ممكن في حال رفعت السعودية كافة القيود.
وحسب البيانات التي حصلت عليها «القدس العربي» من الموقع الرسمي لوزارة الخارجية التركية فإن حجم التبادل التجاري وصل عام 2015 إلى 5.59 مليار دولار، وعام 2016 إلى 5 مليارات، وعام 2017 إلى 4.84 مليار، وعام 2018 إلى 4.95 مليار، وعام 2019 إلى 5.1 مليار دولار، قبل أن تشهد أعوام 2020 و2021 تراجعاً بنسبة وصلت إلى 98 في المئة.
وبينما تستورد تركيا بدرجة أساسية من السعودية مشتقات البترول والكيميائيات المختلفة، تستورد السعودية من تركيا السيارات والمحركات وقطع الغيار والحديد والألومنيوم إلى جانب الأطعمة المختلفة والأجهزة الكهربائية والمجوهرات والمفروشات والملابس، وذلك حسب بيانات نشرتها السفارة التركية في الرياض.
السياحة والعقارات
وفي جانب آخر، يتوقع أن تعود السياحة السعودية إلى تركيا بالانتعاش تدريجياً حيث تعتبر تركيا وجهة مفضلة للسياح السعوديين الذين وصلت أعدادهم إلى مستويات قياسية قبيل الخلافات التي رافقها حملات ودعوات منظمة لحث السعوديين على عدم زيارة تركيا، ووصل الأمر حد إطلاق حملات «تخوين» لأي سعودي يزور تركيا باعتبار أن ذلك بمثابة «دعم للاقتصاد دولة عدوة» ما أدى إلى انخفاض أرقام السياح إلى مستويات قياسية.
وحسب البيانات التي حصلت عليها «القدس العربي» من الموقع الرسمي لوزارة الثقافة والسياحة التركية فقد وصل عدد السياح القادمين من السعودية إلى تركيا عام 2018 إلى 747 ألف سائح بزيادة وصلت إلى 15في المئة عن عام 2017 الذي وصل فيه عدد السائحين إلى أكثر من 650 ألفا، بعد أن كان لا يتجاوز الـ530 ألفا في عام 2016 والـ450 ألفا في 2015 والـ341 ألفا في عام 2014 كما أن هذه الأرقام لم تكن تتجاوز الـ20 ألفا حتى عام 2008.
لكن وفي انهيار هائل، انخفض عدد السياح السعوديين إلى تركيا في عام 2020 إلى 67 ألف سائح فقط، وفي عام 2021 إلى قرابة 10 آلاف سائح فقط، وفي حال رفع القيود المباشرة وغير المباشرة من قبل الحكومة السعودية على السياحة إلى تركيا، يتوقع أن يرتفع عدد السياح السعوديين مجدداً بسرعة كبيرة جداً ليصل إلى مئات الآلاف في موسم الصيف الحالي.
وإلى جانب السياحة، يتوقع أن ينتعش مجدداً سوق شراء السعوديين للعقارات في تركيا، حيث كان السعوديون من أكثر مشتري العقارات في تركيا قبيل الأزمة، وفي حال أزيلت العوائق وارتفعت أرقام السياحة مجدداً، يتوقع أن يعود السعوديون لمرتبتهم السابقة في تملك العقارات في تركيا لاسيما في إسطنبول والمدن المطلة على البحر الأسود والتي بات يقيم فيها أعداد كبيرة من مواطني دول الخليج العربي.
الاستثمارات وتبادل العملات
وكما في الملفات السابقة، وفي حال أزيلت العوائق التي فرضتها الخلافات يتوقع أن تعود الاستثمارات السعودية مجدداً إلى السوق التركي على صعيد الأفراد ورجال الأعمال، وعلى صعيد الشركات الكبرى أيضاً والتي يتوقع أن يكون من بينها الاستثمار في شركات الصناعات الدفاعية التركية حيث يتوقع أن تتجه الرياض لشراء أسلحة تركية وبناء شراكات للإنتاج المشترك لبعض الأسلحة خلال المرحلة المقبلة.
إلى جانب ذلك يتوقع أن تتوصل الرياض وأنقرة إلى اتفاق يقضي بالتوقيع على اتفاقيات تبادل عملات كما جرى سابقاً مع الإمارات وكوريا الجنوبية لدعم استقرار الليرة التركية.
القدس العربي