كان محمد الحلبوسي، مثل باقي زملائه في التحالف الثلاثي (إنقاذ وطن) مغرما بالحديث عن تحرير الإرادة الوطنية من الوصاية الأجنبية، وتشكيل حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية، والتحرّر من الوصاية الأجنبية، ويقصدون إيران. ولكن ثلاثة أرباع الشعب العراقي، ومنهم موالون للمُتحالفين الثلاثة، لم يقبضوا بجدّ أنهم جادون وقادرون على إعلان المواجهة المصيرية مع إيران، والسعي لطردها وتصفية وكلائها.
فمقتدى المالك لجيش المهدي وسرايا السلام، ومسعود بارزاني المحصن بسلاح البيشمركة والدعم الأميركي والتركي والإسرائيلي، يمكن أن يُفكرا بشق عصا الطاعة على جماعة الإطار التنسيقي من أجل الانفراد بالمناصب والمكاسب والرواتب، لأهداف متنوعة بعضها شخصية زعاماتية وحزبية وسياسية أغرتهما بها التغيرات التي طرأت على موازين القوة في المنطقة، خصوصا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وانعكاس آثاره على قوة الوجود الإيراني للعراق.
الحلبوسي هو الوحيد الأكثر عجزا عن مواصلة تحدي الوصاية الإيرانية، وذلك لأنه أعزل من الميليشيات والسلاح، ودون دولة داعمة محاربة يمكن أن تقف معه في مواجهة إيران
ولكن الحلبوسي هو الوحيد الأكثر عجزا عن مواصلة تحدي الوصاية الإيرانية، وذلك لأنه أعزل من الميليشيات والسلاح، ودون دولة داعمة محاربة يمكن أن تقف معه في مواجهة إيران. يضاف إلى ذلك أنه محاصر بنفوذ شريكه في تحالف السيادة، خميس الخنجر، وكذلك بالمَشيخات الأنبارية التي تجاهر بتحدي زعامته. وبعودة علي حاتم السليمان وزهير العيساوي إلى عقر داره، بترتيب إيراني لتهديده بانتزاع تمثيله للمكون السني، لم يعد أمامه سوى خيارين، الأول البقاء في التحالف الثلاثي وخوض معركة خاسرة مع المعسكر الإيراني والخروج من مجمل العملية السياسية، أو التراجع والتلويح باستعداده للخروج من التحالف الذي أصبح يزعج الإيرانيين.
وزيارته التي كانت مؤجلة إلى طهران، التي سارع إلى اغتنام فرصتها فور السماح له بالقيام بها، تعزز القناعة بأنه الضعيف المطوق بالمنافسين، والعائد، تائبا، إلى الخيمة الإيرانية، أو على الأقل لإفهام خصومه بأنه ما زال في حمى الحرس الثوري، وأن خلافه ليس مع إيران بل هو مع ممارسات نوري المالكي، وخصوصا بعد محاولاته إرباك المشهد السياسي في الأنبار.
فقد تضمنت الزيارة لقاءه برئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والأمين العام لمجلس الأمن القومي علي شمخاني، إضافة إلى وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان.
وكان الحلبوسي، قبل الزيارة قد أصدر بيانا غاضبا، بعد يوم واحد من عودة علي حاتم السليمان، قال فيه إن “العمل السياسي تحكمه ثوابت وأخلاقيات، ولا يمكن أن يُصنف الاستهتار بأمن المواطنين، وإثارة الفتن بين أبناء الشعب، تحت أيّ سبب كان، على أنه مناورة أو ضغط سياسي”.
وأضاف “سنتخذ مواقف جدية بمجمل المشاركة في العمل السياسي، نظراً لتحكم المسلحين الخارجين على القانون، وعبثهم بأمن البلاد والعباد، ومحاولاتهم المستمرة لتغييب الدولة وإضعاف القانون والعبث بالنسيج الاجتماعي، إذ لا يمكن أن تبنى الدولة من دون العدل والعدالة، ولا يحترم فيها حق المواطن بالعيش الكريم”.
وأكدت مصادر كردية مطلعة أنه أبلغ مسعود بارزاني، خلال زيارته الأخيرة إلى أربيل، بأنه سوف يستقيل ويتحول إلى المعارضة إذا ما استمرت محاولات “التلاعب بأمن الأنبار أمنياً وسياسياً”.
مقتدى المالك لجيش المهدي وسرايا السلام، ومسعود بارزاني المحصن بسلاح البيشمركة والدعم الأميركي والتركي والإسرائيلي، يمكن أن يُفكرا بشق عصا الطاعة على جماعة الإطار التنسيقي من أجل الانفراد بالمناصب والمكاسب والرواتب
ويبدو أنه فهم الرسالة التي تمثلت بالاحتفالات القبلية والشعبية في الأنبار المبالغ فيها كثيرا في استقبال خصمه الأكثر خطرا على زعامته السنية. خصوصا بعد أن بدأ مؤيدو علي السليمان يتحدثون عن فساد الحلبوسي وحلفائه، أحمد الجبوري (أبو مازن) ومشعان الجبوري وخميس الخنجر، ويتداولون أخباره وأخبار معاونيه المقربين. ويُحمّلونه المسؤولية عن تمزيق المعسكر السني، وعن اختيار الوزراء والمدراء السنة من الانتهازيين والمزورين والمهربين. كما يتهمونه بالتقصير في حل مشكلة المغيبين الذين لم يفعل شيئا من أجل معرفة مصيرهم، بحكم ولائه للإيرانيين القادرين على إجبار وكلائهم العراقيين على تقديم هذه الخدمة ترضية له على الأقل.
كما اتهموه بالتواطؤ مع الميليشيا الشيعية على البقاء في مناطقهم، والسكوت عن ممارسات الاستغلال والابتزاز والقمع التي تمارسها الميليشيات بحق المواطنين، وسكوته عن هيمنتها على المنافذ الحدودية الواقعة في الأنبار.
وفي هذه الأجواء التي لا يمكن تبرئة إيران من السماح لنوري المالكي بتدبيرها لخلط الأوراق فيها لإجبار الحلبوسي على الخروج من تحالفه مع مقتدى الصدر ومسعود بارزاني، وتخريب التحالف الثلاثي وإثبات الولاء والطاعة لدولة الولي الفقيه من جديد. وقد فعل.
العرب