واشنطن – أقرت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي الخميس مشروع قانون من شأنه أن يعرّض الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وشركاءها للمساءلة بموجب قوانين مكافحة الاحتكار، وذلك لتنسيقها خفضا في الإمدادات بما يرفع أسعار النفط العالمية.
وقال مراقبون إن القانون بالأساس محاولة للنيل من السعودية التي رفضت الاستجابة لمطالب واشنطن بزيادة إمدادات النفط والمساعدة على خفض الأسعار، ما اعتبرته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن انحيازا من الرياض لروسيا في الحرب على أوكرانيا، خاصة بعد أن تمسكت السعودية برفض محاولات تسييس موضوع النفط.
ويهدف مشروع قانون “لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط” -المعروف اختصارا باسم “نوبك”- إلى حماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاعات المتعمدة في أسعار البنزين وزيت التدفئة، لكن بعض المحللين يحذرون من أن تطبيقه قد تكون له بعض التداعيات الخطرة غير المقصودة.
مارك فينلي: إنها لخطوة سيئة أن تضع السياسات وأنت في حالة غضب
وسيدخل هذا المشروع المقدم من الحزبين الرئيسيين تعديلات على قانون مكافحة الاحتكار الأميركي لإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي أوبك وشركات النفط الوطنية في دولها الأعضاء من الدعاوى القضائية.
وإذا أصبح نوبك قانونا ساريا فسيكون بمقدور المدعي العام الأميركي مقاضاة أوبك أو أعضائها -مثل السعودية- أمام محكمة اتحادية. كما سيمكّنه كذلك من مقاضاة منتجين آخرين متحالفين مع أوبك -مثل روسيا- يعملون مع المنظمة على خفض الإمدادات ضمن ما يعرف باسم مجموعة أوبك+.
ولم يتضح كيف يمكن لمحكمة اتحادية تنفيذ أحكام قضائية لمكافحة الاحتكار على دولة أجنبية. لكن الكثير من المحاولات لسن قانون نوبك على مدى أكثر من 20 عاما أثارت قلق السعودية، الزعيم الفعلي لأوبك، مما دفعها إلى ممارسة ضغوط قوية في كل مرة تُطرح فيها نسخة من هذا القانون.
وبعد أن أقرت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ أحدث نسخة من مشروع القانون يوم الخميس بتأييد 17 عضوا مقابل رفض أربعة، يتعين إقراره من قِبل مجلسي الشيوخ والنواب، ثم يوقعه الرئيس بايدن ليصبح قانونا ساريا.
ولم يوضح البيت الأبيض ما إذا كان بايدن يؤيد مشروع القانون، ولم يتضح ما إذا كان يحظى بتأييد كاف في الكونغرس للوصول إلى هذه المرحلة.
وقد فشلت النسخ السابقة من مشروع قانون نوبك بسبب مقاومة مجموعات داخل قطاع الطاقة الأميركي مثل معهد البترول الأميركي.
لكن الغضب تنامى في الفترة الأخيرة داخل الكونغرس من ارتفاع أسعار البنزين الذي أسهم في وصول التضخم إلى أعلى مستوياته في عقود مما يزيد من فرص نجاح سن القانون هذه المرة.
تطبيقه قد تكون له بعض التداعيات الخطرة
وتجاهلت أوبك مطالب الولايات المتحدة وحلفائها بزيادة ضخ النفط بأكثر من الزيادة التدريجية التي تطبقها المنظمة، في ظل ارتفاع الأسعار الشديد مع خروج المستهلكين على مستوى العالم من قيود جائحة كورونا وغزو روسيا لأوكرانيا.
وقد تشهد روسيا -التي عادة ما تنتج نحو عشرة في المئة من النفط العالمي- انخفاضا في إنتاج الخام بنسبة 17 في المئة هذا العام بسبب عقوبات غربية.
وقال بعض المحللين إن الإسراع في سن القانون قد يؤدي إلى انتكاسة غير مقصودة تشمل إمكانية أن تتخذ دول أخرى خطوات مماثلة ضد الولايات المتحدة لخفضها إمدادات منتجات زراعية لدعم الزراعة المحلية على سبيل المثال.
وقال مارك فينلي -الزميل في معهد بيكر بجامعة رايس والمختص في شؤون الطاقة والنفط العالمية والمحلل والمدير السابق في وكالة المخابرات المركزية- “إنها لخطوة سيئة أن تضع السياسات وأنت في حالة غضب”.
وقد ترد دول أوبك بأشكال أخرى؛ ففي عام 2019 -على سبيل المثال- هددت السعودية ببيع نفطها بعملات غير الدولار إذا أقرت واشنطن نسخة سابقة من مشروع قانون نوبك. ومن شأن ذلك تقويض وضع الدولار كعملة احتياط رئيسية في العالم مما يخفّض من نفوذ واشنطن على التجارة العالمية ويضعف قدرتها على فرض عقوبات على دول أخرى.
يمهد هذا المشروع لمقاضاة أوبك أو أحد أعضائها مثل السعودية أمام محكمة أميركية، وكذلك أعضاء تحالف أوبك+ مثل روسيا
وقد تقرر المملكة كذلك شراء ولو بعض أسلحتها من دول غير الولايات المتحدة مما يضر بتجارة رائجة لشركات الدفاع الأميركية.
وبالإضافة إلى ذلك يمكن للسعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط أن تقلص الاستثمارات الأميركية فيها أو حتى ترفع أسعار بيع النفط للولايات المتحدة مما يقوض الهدف الأساسي من سن القانون.
وقال بول سوليفان -محلل شؤون الشرق الأوسط والزميل غير المقيم بمركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي- إن “الولايات المتحدة وحلفاءها يواجهون بالفعل تحديات كبرى في تأمين إمدادات من الطاقة يعوّل عليها”. وأضاف “آخر ما نحتاج إلى فعله هو إلقاء قنبلة على هذا”.
وأبدى معهد البترول الأميركي -وهو أكبر تكتل في قطاع صناعة النفط في الولايات المتحدة- اعتراضه على مشروع قانون نوبك قائلا إنه “قد يضر بمنتجي النفط والغاز في الداخل”.
ومن مخاوف القطاع أن يؤدي مشروع قانون نوبك في نهاية المطاف إلى زيادة إنتاج أوبك عن حاجة السوق، مما قد يخفض الأسعار بدرجة تجد معها شركات الطاقة الأميركية صعوبة في تعزيز الإنتاج. ولدى السعودية ودول أخرى من أعضاء أوبك بعض أرخص الاحتياطيات النفطية وأسهلها في الاستخراج.
وقالت مجموعة كلير فيو إنرجي بارتنرز البحثية في مذكرة إن أي ضخ إضافي للنفط من منتجي أوبك، حتى في وقت تهيمن عليه المخاوف من نقص إمدادات روسيا، “قد يجمد أنشطة الحفر في الولايات المتحدة مما قد يعرض للخطر أمن الطاقة المحلي وكذلك انتعاش الاقتصاد المحلي”.
العرب