في الفترة بين 30 تشرين الأول/ أكتوبر والأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، اجتمع “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” في إطار «حوار المنامة» السنوي، وهو المنتدى الرائد لمسؤولي الدفاع والأمن في الشرق الأوسط وشركائهم الأجانب. وقد سعى الحوار هذا العام إلى جرد الأزمات المتعددة التي تهز المنطقة وإظهار الوحدة وسط تهديدات تأتي من كافة الاتجاهات. ومن بين نتائج هذا المنتدى بروز روح تضامن، على الأقل بين المسؤولين الحكوميين، فضلاً عن إحجام جديد عن انتقاد الولايات المتحدة أو دول «مجلس التعاون الخليجي» على حالة الأمور المضطربة. وقد كانت الرسالة الرئيسية المستخلصة من المنتدى واضحة: “الأمور خطرة جداً لدرجة يتوجب علينا جميعاً الاتحاد معاً”.
وفي الواقع، عُقد حوار عام 2015 في خضم أكثر بيئة أمنية إقليمية مأساوية منذ بدء هذه المؤتمرات قبل أكثر من عشرة أعوام. وفي حين ركّز اجتماع العام الماضي على التهديد الحرج الذي يطرحه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، عُقدت مناقشات هذا العام في ظل العديد من التطورات المذهلة الأخرى، مثل الاتفاق النووي الإيراني، والتدخل العسكري الروسي في سوريا والتحالف الفعلي مع إيران، والتدخل في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، والأزمة السياسية في تركيا، والصراع المحتمل بين إسرائيل والفلسطينيين، والمخاوف المستمرة من الانسحاب الأمريكي من المنطقة أو من التقارب الأمني بين الولايات المتحدة وطهران. وأظهر المؤتمر، بطرق مختلفة، شعوراً جديداً بالوحدة وبهدف موحد بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ودول «مجلس التعاون الخليجي» التي عبّر أربعة من زعمائها الستة عن [عدم رضاهم وقلقهم] من الاتفاقية عن طريق غيابهم عن حضور قمة “كامب ديفيد” التي عقدتها إدارة أوباما قبل أشهر فقط احتجاجاً على الصفقة المعلقة مع إيران.
نسبة حضور مرتفعة
عادة ما يشير الانتباه الذي تحظى به مثل هذه المؤتمرات خارج نطاق المسؤولين العسكريين وممثلي الدفاع والمسؤولين في دول «مجلس التعاون الخليجي»، إلى مستوى القلق المنتشر بين الدول المعنية ووسائل الإعلام الدولية. وبالتالي فإن نسبة الحضور المرتفعة في صفوف كبار المسؤولين والصحفيين بشكل استثنائي هذا العام تشير إلى قلق عميق. وقد افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المؤتمر بكلمة رئيسية. وعلى الرغم من أن تصريحاته كانت روتينية، وربما أكثر انسجاماً مع آراء الممولين من دول «مجلس التعاون الخليجي» من انسجامها مع سياساته الفعلية في مصر، إلا أن حضوره وحده أثبت جاذبية المؤتمر هذا العام.
وقد أرسلت الولايات المتحدة وفداً برئاسة قائد “القيادة المركزية الأمريكية” الجنرال لويد أوستن ونائب وزير الخارجية أنطوني بلينكن، في حين شمل المسؤولون الأوروبيون الحاضرون وزيرة الدفاع الألمانية المثيرة للإعجاب أروسولا غرترود فون در لاين ووزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند. ومن بين المجموعة المعتادة من المسؤولين في الشرق الأوسط التي شاركت في «حوار المنامة»، كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي جاء مباشرة من المحادثات السورية في فيينا وكان بلا شك الأكثر ديناميكية في هذا المنتدى.
سوريا، وليس تنظيم «داعش»، هي المشكلة الأكثر إلحاحاً
كانت الأزمة السورية موضوع الحوار الأبرز، مع إعطاء دور هام إلى رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، خالد خوجة. وفي هذا الصدد، قدّم الجبير وصفاً مفصلاً لمحادثات فيينا. وعلى الرغم من أنه كان متفائلاً، أوضح أن المحادثات لم تحقق أي تقدم كبير، وأن المسؤولين السعوديين ما زالوا يعتقدون بأن الحل يتمخض بإنذارين نهائيين: “متى سيرحل بشار الأسد؟” و”متى سترحل ‘قوات الاحتلال‘ (وفق تعريفه: إيران وروسيا)؟” أما في ما يتعلق بالقضايا السورية الأخرى، فأشار إلى وجود مجال للمساومة والتوصل إلى تسوية. لكنه أصر على وضع جدول زمني واضح، يصل إلى ستة أشهر لتشكيل حكومة جديدة من دون الأسد، و18 إلى 24 شهراً لكي تضع هذه الحكومة الجديدة دستوراً جديداً وتعمل على إجراء انتخابات. ووصف الموقف الإيراني والروسي في فيينا على النحو التالي: لن يرحل الأسد سوى إذا تم التصويت ضده في تلك الانتخابات، وهي حجة رفضها الجبير بشدة.
ومن جهته، شدد بلينكن أيضاً على موضوع “رحيل الأسد” لكنه بقي في إطار العموميات فيما يتعلق بالتفاصيل الأخرى. وقدم التوجه النموذجي لإدارة أوباما الذي يقضي بأن الروس لا يحققوا نجاحات في سوريا، وسيجدون أنفسهم قريباً غارقين في التكاليف المرتفعة بينما تتلاشى علاقاتهم مع العالم العربي. وفي هذه النقطة، واجهه العديد من الحضور، عندما اتهموه بـ “التعاقد من الباطن” مع الروس على القيام بوظيفة [الولايات المتحدة] في سوريا (أي في الاعتقاد بأن إعياء القتال سيجبر الروس في النهاية على التنازل بشأن مصير الأسد)، فأشار إلى التأثير غير المباشر والقوي كما يُفترض الذي سيكون للمقاتلين الجدد – الذين دربتهم الولايات المتحدة على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» – على نظام الأسد. لكن عند الضغط عليه، فشل في توضيح ما ستكون عليه بالضبط سياسة واشنطن إذا توجب على هؤلاء المقاتلين محاربة قوات الأسد مباشرة. وقد ألمح هو والجبير إلى أن مواقف المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة حول القضايا الرئيسية كانت متقاربة للغاية في فيينا، على الرغم من وجهات النظر الأخرى المنسوبة إلى المسؤولين الأتراك والتي تشير إلى أن هناك المزيد من الاختلاف ما بين الطرفين، مع اتخاذ واشنطن موقفاً أكثر مرونة تجاه وقت رحيل الأسد.
التأكيد على العدوان الإيراني، وليس الاتفاق النووي
على الرغم من التركيز بشكل خاص على سوريا، إلا أن القلق الحقيقي بالنسبة إلى معظم الحضور كمن في التهديد النابع من العدوانية الإيرانية في أعقاب الاتفاق النووي (أو، كما أوضح الجبير، “سجل طهران العدائي لثلاثين عاماً”). كما وحظي تدخل روسيا بانتقادات شديدة، ويعود هذا في جزء كبير منه لأن العديد رؤوا في ذلك تمكيناً متعمداً للمخططات الإيرانية الإقليمية. وقد أكد بلينكن على أن الولايات المتحدة مستعدة لمواجهة النشاط الإيراني المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مستشهداً بعدد من الأمثلة حول التعاون مع الشركاء الإقليميين في الشؤون العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية، من بينها اليمن.
أما الاتفاق النووي نفسه فلم يلقَ الكثير من الاهتمام. إذ علّق الجبير القضية، بشكل مؤقت على الأقل، من خلال الزعم بأن الاتفاق عالج التهديد النووي الإيراني “للوقت الراهن”. من جانبه، أكد بلينكن على أن دور الولايات المتحدة في فرض قيود نووية على إيران شكل دليلاً إضافياً على التزامها بالأمن الإقليمي. وأكد أيضاً على أن الاتفاق كان عبارة عن معاملات فقط ولن يؤدي إلى إحجام الولايات المتحدة عن مواجهة إيران.
الولايات المتحدة في طريقها إلى العودة – ربما
في الوقت الذي كانت فيه الشكوك حول نوايا الولايات المتحدة وقدرتها على المحافظة على سلطتها منتشرة بين الجمهور، بذل نائب وزير الخارجية الأمريكي جهوداً للتركيز على التزام واشنطن. وقد اتسمت رسالته بالضبابية إلى حد ما عندما استشهد مرتين بشعار الإدارة الأمريكية بأن أولئك الذين يدعون إلى دور عسكري أمريكي أكثر فعالية في المنطقة هم فعلياً يتوقون إلى أزمة جديدة على غرار ما حدث في العراق (أي عندما تحدّث عن “تدخلات مفتوحة وواسعة النطاق” و”عواقب جسيمة غير مقصودة”). ومع ذلك، لم يهدر بلينكن أو الجنرال أوستن أي فرصة للتشديد على التزام الولايات المتحدة ووجودها.
وهنا مرة أخرى كان الجبير مَن شارك في الجدال بصورة أكثر فعالية في موضوع “الولايات المتحدة لا تزال معنا”. إذ رفض الحجج القائلة بأن الانسحاب المؤقت لآخر حاملة طائرات أمريكية في المنطقة أشار إلى عملية انسحاب أوسع، وأمضى وقتاً طويلاً يردد الثناء الذي أعرب عنه بلينكن حول التعاون العسكري والاستخباراتي بين الولايات المتحدة ودول «مجلس التعاون الخليجي» الذي نتج عن قمة “كامب ديفيد” (والتي لم يشارك فيها العاهل السعودي الملك سلمان على وجه الخصوص). حتى إنه أكد على أن التعاون الثنائي ضد إيران قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة. فالتحركات الأخيرة للجيش الأمريكي، أي استعادة السيطرة على قندوز، وإبقاء قوات في أفغانستان، ومشاركة “القوات الخاصة” في غارة في شمال العراق، وقرار نشر “القوات الخاصة” على الأرض في سوريا، عوامل لعبت بلا شك دوراً في تشكيل هذه الروح من التضامن.
تنظيم «الدولة الإسلامية» غير منسي
كرّس الحوار وقتاً طويلاً وطاقة لـموضوع تنظيم «داعش» والتطرف الإسلامي العنيف الذي تتغذى منه. وكان وزير الخارجية هاموند فعّال بشكل خاص في هذا الموضوع، بينما تركت وزيرة الدفاع الألمانية انطباعاً إيجابياً استثنائياً، وهي التي قامت بحملة لدفع بلادها على تقديم المساعدة العسكرية ضد التنظيم. وركزت معظم الإحاطات العسكرية الرسمية وغير الرسمية التي قدمها الجنرال أوستن على هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». كما تم الاعتراف بنضال العراق ضد التنظيم بعدة طرق، إذ جرت دعوة وزير الخارجية ووزير الدفاع العراقيين إلى إلقاء كلمتهما (إلا أن وزير الخارجية اضطر إلى إلغاء مشاركته)، كما وأشاد العديد من الحاضرين بالإصلاحات والجهود الداخلية التي يقودها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ضد تنظيم «داعش»، بينما وعد الجبير بإيفاد سفير المملكة العربية السعودية إلى بغداد “خلال أيام” بعد أن انقطاع دام وقتاً طويلاً. وحتى أفغانستان، التي غالباً ما تكون ثانوية في التجمعات التي تتمحور حول العرب، كانت ممثلة بشكل جيد عندما انضم وزير خارجيتها إلى لجنة لمكافحة التطرف.
خلاف محتمل حول القضايا الإسرائيلية الفلسطينية
سيتوجب على صناع القرار السياسي التنبه بشكل دائم إلى مشكلة ظهرت في المنامة – فعلى الرغم من وفرة العناصر الأكثر إلحاحاً على جدول الأعمال، إلا أن العديد من الممثلين العرب في الشؤون الدفاعية أولوا اهتماماً مفرطاً للعنف المقلق بل المحدود نسبياً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وللأسف تم تكرير ذلك من قبل بعض الحاضرين الأوروبيين. وعلى الرغم من أن بلينكن أكد استعداد الولايات المتحدة على الالتزام من جديد [في الوساطة بين الجانبين] إذا كانت الأطراف جادة حول موضوع السلام، إلا أنه عارض فعلياً التأكيدات الشائعة على نطاق واسع بأن “كل الذنب يقع على إسرائيل”. ومع ذلك، أكدت المخاوف التي تم الإعراب عنها في المنامة على حقيقة أن التعاون الأمريكي الحيوي مع شركائها الإقليميين ضد الفوضى التي لم يسبق لها مثيل يمكن أن يتأثر بما يحدث في إسرائيل والضفة الغربية.
جيمس جيفري
معهد واشنطن