وجهت الحرب الروسية على أوكرانيا ضربة قوية للاقتصاد العالمي وتركته يترنّح بين الأزمات واحدة تلو الأخرى، وتعتبر دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكثر متضرر من هذه الضربة الاقتصادية.
وفي تقرير نشره موقع “أويل برايس” (oilprice) الأميركي، قال الكاتب أليكس كيماني إن أسعار النفط الخام قفزت الأربعاء الماضي بعد أن اقترح الاتحاد الأوروبي حظرا على واردات النفط من روسيا وإزالة أكبر بنك في هذا البلد “سبيربنك” من شبكة مدفوعات “سويفت” الدولية كجزء من جولة جديدة من العقوبات.
وأدى ارتفاع أسعار النفط والغاز الناجم عن الصراع في أوكرانيا إلى زيادة مخاطر حدوث أسوأ صدمة تضخمية مصحوبة بركود تضرب أوروبا منذ السبعينيات.
وحذّر عدد كبير من الخبراء من أن أوروبا ستغرق في ركود عميق إذا سارعت إلى قطع النفط والغاز الروسي. ووضع الاتحاد الأوروبي خططا لخفض اعتماده على الغاز الروسي بمقدار الثلثين قبل نهاية هذا العام وإنهاء الواردات تمامًا بحلول 2030، بحسب تقرير الموقع الأميركي.
أشار الكاتب إلى أن منطقة “اليورو” تولّد ربع طاقتها من الغاز الطبيعي، الذي توفر روسيا حوالي ثلث واردات الكتلة منه. وحذّر بنك “غولدمان ساكس” من أن أي اضطرابات أخرى في استيراد الغاز قد يكون لها آثار كبيرة على الناتج الاقتصادي في منطقة “اليورو” ومعدل التضخم.
من المفارقات أن موسكو قد تخرج سالمة من هذه الأزمة، على الأقل على المدى القصير، حيث تقدّر شركة “ريستاد إنرجي” الاستشارية النرويجية أن روسيا ستجمع أكثر من 180 مليار دولار من عائدات ضرائب الطاقة هذا العام.
لسوء الحظ -بحسب التقرير- فإن المناطق الأكثر فقرًا مثل القارة الأفريقية من المرجح أن تتحمل العبء الأكبر للحرب في أوكرانيا.
ويقول تقرير جديد صادر عن صندوق النقد الدولي إن أفريقيا جنوب الصحراء تواجه بالفعل صدمة أخرى شديدة وخارجية بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والوقود والسلع. وواجهت دول هذه القارة على مدى عقود انعداما مزمنا للأمن الغذائي والطاقة، وتوشك حرب أوكرانيا الآن على تحويل الوضع إلى أزمة كاملة.
صدمات اقتصادية شديدة
ووفقًا لصندوق النقد الدولي، يمثل الغذاء حوالي 40% من إنفاق المستهلكين بالمنطقة، وهو أعلى بمعدل 17% من إنفاق المستهلكين في الاقتصادات المتقدمة، وبلغت واردات القمح بالمنطقة 85%، ومع أنها تعتمد بشكل كبير على واردات القمح، فإن الحبوب لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي الاحتياجات الغذائية.
وأشار الكاتب إلى أن ارتفاع أسعار الأسمدة يعد عاملًا مساهمًا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام الأمن الغذائي في أفريقيا، وذلك لأن العقوبات المفروضة على روسيا وبيلاروسيا (المصدرين الثاني والثالث للبوتاس في العالم) أدت إلى ارتفاع أسعار الأسمدة إلى مستويات غير مسبوقة منذ أزمة الغذاء عام 2008.
وارتفعت أسعار البوتاس العام الماضي بفعل شح الإمدادات بعد العقوبات الدولية على شركة “بيلاروس كالي” المملوكة للدولة في بيلاروسيا ردًا على حملة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو ضد المعارضين السياسيين.
في أسوأ الأحوال، سيؤدي ارتفاع أسعار الأسمدة إلى تراجع إنتاج المحاصيل وارتفاع أسعار كل المواد في متاجر البقالة لشهور أو حتى سنوات قادمة في جميع أنحاء الدول النامية
وقال الكاتب إن حرب أوكرانيا دفعت الأسعار إلى مستويات عالية جديدة، لا سيما أن روسيا تعد واحدة من أكبر موردي البوتاس وأسمدة المحاصيل الأخرى مثل النيتروجين والفوسفات واليوريا والأمونيا.
ووفقًا للمركز الدولي لتطوير الأسمدة، فإن انخفاض استخدام الأسمدة في أفريقيا سيقلص محصول الأرز والذرة هذا العام بمقدار الثلث. وفي أسوأ الأحوال، سيؤدي ارتفاع أسعار الأسمدة إلى تراجع إنتاج المحاصيل وارتفاع أسعار كل المواد في متاجر البقالة لشهور أو حتى سنوات قادمة في جميع أنحاء الدول النامية.
بالنسبة للاقتصادات النامية التي تواجه مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، فإن انخفاض استخدام الأسمدة يهدد بتفاقم مشكلة سوء التغذية، مما يؤدي إلى زيادة الاضطرابات السياسية وخسارة الأرواح البشرية التي كان من الممكن تجنبها. لكن الارتفاع الشديد في أسعار المواد الغذائية ليس التحدي الوحيد الذي يتعين على دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء التعامل معه.
وحذّر صندوق النقد الدولي من أن ارتفاع أسعار النفط سيرفع فاتورة الواردات لمستوردي النفط في المنطقة بنحو 19 مليار دولار، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل وغيرها من التكاليف الاستهلاكية. في المقابل، من المتوقع أن تستفيد البلدان الثمانية المصدرة للنفط في المنطقة من ارتفاع أسعار النفط الخام.
ونبّه الكاتب إلى أنه من المرجح جدًا أن تؤثر أسعار الوقود والأسمدة المرتفعة سلبًا على إنتاج الغذاء المحلي وتضر بالفقراء، لا سيما في المناطق الحضرية بسبب زيادة انعدام الأمن الغذائي هناك.
ونقل الكاتب عن فيغايا راماشاندران، مديرة الطاقة والتنمية في معهد بريكثرو ببرلين، أنه على أوروبا أن تتجه إلى أفريقيا إذا كانت جادة في ضمان أمن الطاقة لأن القارة تتمتع بإنتاج كبير من الغاز الطبيعي واحتياطيات نفط لم يُستثمر إلا القليل منها.
وتعمل برلين والاتحاد الأوروبي بالفعل على زيادة قدرة خط الأنابيب الذي يربط إسبانيا بفرنسا، ليتدفق المزيد من الغاز الجزائري إلى ألمانيا وأماكن أخرى.
وعلى أوروبا المساهمة بشكل عاجل في استغلال الحقول الجديدة وزيادة إنتاج الغاز في كل من الجزائر وليبيا. لكن أكبر المصادر الأفريقية تقع جنوب الصحراء، بما في ذلك نيجيريا التي تمتلك حوالي ثلث احتياطيات القارة، إضافة إلى تنزانيا والسنغال.
وتعود راماشاندران لتقول إن على ألمانيا ألا تتجاهل هذه الفرص، فعلى سبيل المثال، سينقل خط الأنابيب المقترح العابر للصحراء الغاز من نيجيريا إلى الجزائر عبر النيجر.
وسيبلغ طول خط الأنابيب العابر للصحراء أكثر من 2500 ميل، ويمكن أن يضخ ما يصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري إلى أوروبا سنويا أي ما يعادل ثلثي واردات ألمانيا لعام 2021 من روسيا.
وذكر الكاتب أن نيجيريا متحمسة لتصدير بعض احتياطياتها البالغة 200 تريليون قدم مكعب من الغاز، إذ يقول ييمي أوسينباغو نائب الرئيس النيجيري إن الغاز الطبيعي يعتبر وقودا نظيفا نسبيا ومحركا للتنمية الاقتصادية وكسب النقد الأجنبي.
ومن المرجح أن يستغرق إكمال خط الأنابيب العابر للصحراء عقدًا أو أكثر، وستساهم شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا في توفير الغاز بشكل سريع.
المصدر : أويل برايس