يسعى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى إحاطة نفسه بكفاءات تم تغييبها أو إقصاؤها خلال المرحلة الماضية، على أمل أن تساهم هذه الكفاءات بخبرتها الطويلة في تحقيق تطلعات اليمنيين، وفي مواجهة التحديات الكبيرة التي تعترض طريق المجلس.
عدن – كشفت مصادر سياسية يمنية عن شروع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في تكوين فريقه لإدارة المرحلة القادمة، ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والإدارية التي تعترض طريق المجلس، الذي يضم رئيسا وسبعة نواب يمثلون مختلف أطياف المعسكر اليمني المناهض للحوثيين.
وقالت المصادر في تصريحات لـ”العرب” إن العليمي أجرى العشرات من الاتصالات بقيادات سياسية يمنية في الخارج، معظمها كانت تعيش في الظل بعيدا عن دائرة الصراع السياسي خلال السنوات الماضية، وطلب منها العودة إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن للمشاركة في إدارة الدولة في المرحلة القادمة.
وأشارت المصادر إلى أن الرئيس العليمي بدأ فعليا في تشكيل فريق العمل الخاص به، والذي يضم قيادات سياسية وأمنية عملت معه في مراحل سابقة أو يثق بقدراتها السياسية والإدارية في الدفع بعمل المجلس الرئاسي، والمحافظة على حالة التجانس والانسجام بين أعضائه.
رماح الجبري: الملف الأمني يظل الهاجس الأكبر خلال المرحلة المقبلة
ووفقا للمصادر، فقد استدعى العليمي سفير اليمن في برلين الدكتور يحيى الشعيبي بهدف تعيينه مديرا لمكتب مجلس القيادة الرئاسي، إضافة إلى تعيين وكيل جهاز الأمن القومي اليمني (المخابرات) صالح المقالح نائبا لمدير المكتب.
وينتمي الشعيبي والمقالح إلى مرحلة الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، وقد شغل الشعيبي العديد من المناصب الرفيعة في زمن الرئيس الأسبق، من بينها حقائب وزارية ومحافظات، وينتمي المقالح إلى جهاز الأمن القومي الذي أنشأه ابن شقيق الرئيس صالح.
وتتوقع المصادر أن يركز الرئيس العليمي خلال الأيام القادمة بالتنسيق مع قيادة المجلس الرئاسي على إجراء إصلاحات عاجلة وسريعة في المؤسسات اليمنية، وتحديدا في مكتب الرئاسة والأجهزة الأمنية القريبة منه، إلى جانب تفعيل دور قيادات سياسية مخضرمة التزمت الصمت خلال السبع سنوات الماضية أو تم إقصاؤها، لأسباب تتعلق بحالة الاصطفافات السياسية والتقاسم الحزبي وسيطرة تيار أحادي على قرارات الشرعية اليمنية.
وتوقّعت أوساط يمنية مطلعة أن تشهد الأيام المقبلة صدور حزمة من القرارات، من بينها إجراء تعديلات وزارية محدودة في حكومة معين عبدالملك تتضمن تغيير وزيري الدفاع والداخلية، إلى جانب تعيين عدد من المحافظين بما ينسجم مع متطلبات المرحلة واستكمال تنفيذ اتفاق الرياض، بالإضافة إلى ملء عدد من المناصب الشاغرة في أجهزة الدولة المدنية والأمنية والدبلوماسية، والتي تعثر تعيينهم نتيجة الصراع السياسي الحاد داخل الشرعية في الآونة الأخيرة قبل مشاورات الرياض.
وتبرز العديد من التحديات في مواجهة التحركات التي يقوم بها مجلس القيادة الرئاسي لإعادة ترتيب البيت الداخلي للسلطة الشرعية، في ظل مؤشرات على إعداد الحوثيين جولة جديدة من الصراع وقرب انهيار اتفاق الهدنة الذي رعته الأمم المتحدة، ووصفه مراقبون بأنه بمثابة “استراحة محارب” لأطراف الحرب في اليمن.
عبدالحميد المساجدي: أهم أولويات المجلس الرئاسي في المرحلة القادمة يجب أن تتمثل في تلبية أبسط المتطلبات الضرورية للمواطنين
ويعتبر الباحث السياسي ومدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري أن التحديات أمام مجلس القيادة الرئاسي كبيرة، بالنظر لكونه أمام عملية تراكمية من الفشل والفساد والاختلالات الأمنية والعسكرية التي تجعله بحاجة إلى أشهر لتجاوزها، بالتوازي مع حاجة المجلس الماسة إلى تقديم نتائج على أرض الواقع يلمسها المواطن في المحافظات المحررة.
ولفت الجبري في تصريح لـ”العرب” إلى أن تحسن الخدمات الأساسية، من أمن وكهرباء ودفع رواتب الموظفين وتثبيت أسعار المواد الغذائية وأسعار صرف العملة، يأتي في طليعة الملفات الخدمية التي يجب أن تعمل عليها الحكومة، التي عجزت خلال السنوات الماضية عن تقديم نموذج يكون مطمعا للمواطن في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيا الحوثية.
وأشار إلى أن الملف الأمني يظل الهاجس الأكبر خلال المرحلة المقبلة في سياق التحديات التي تعترض طريق المجلس الرئاسي، وأضاف “في الجانب الأمني نراهن على خبرة رئيس المجلس كونه شغل عدة مناصب أمنية بينها وزير للداخلية، كما تولى ملف مكافحة الإرهاب، ناهيك عن النشاط الكبير لمحافظ عدن رئيس اللجنة الأمنية وكذا الإسناد المهم من العميد طارق صالح صاحب الخبرة والاطلاع في إدارة الملفات الأمنية والعسكرية”.
وعن توقعاته لحجم وطبيعة الأداء المنتظر من المجلس الرئاسي، أردف “يجب أن يحقق مجلس القيادة الرئاسي خلال المئة يوم الأولى إنجازات ملموسة تدعم حالة التفاؤل لدى الشارع اليمني، بما يجعل المجلس في موقع متقدم وقوي أمام المجتمع، وبديلا أفضل يطلبه المواطنون في مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية”.
وحول استعدادات المجلس الرئاسي اليمني لمواجهة التحديات العسكرية التي تلوح في الأفق من خلال تزايد حجم الانتهاكات للهدنة، أضاف الجبري “لغة المجلس حاليا لا تزال تتحدث عن السلام وإنهاء الحرب، وأعتقد أن هذه المصطلحات ستتلاشى ويتحول المجلس إلى مجلس حرب، لأن الميليشيات الحوثية تؤمن بأن السلام خسارة لها كونه يسلبها السلطة والمال، ولن تسعى من أجل السلام، إنما تستخدم الهدنة لإعادة ترتيب وضعها لتنطلق في عملية عسكرية جديدة، يجب أن يكون مجلس القيادة مستعد لها، ويكون الرد حينها أقوى بعملية عسكرية شاملة تتحرك فيها كل جبهات القتال”.
وإلى جانب التحديات الأمنية التي تواجه أداء الشرعية اليمنية، مع بروز تيارات وقوى تسعى لتعكير الأمن في المناطق المحررة وخلط الأوراق لتحقيق مكاسب سياسية، يؤكد مراقبون أن الملف الاقتصادي سيكون أحد أهم التحديات الماثلة أمام المجلس الرئاسي اليمني في المرحلة المقبلة.
الرئيس العليمي بدأ فعليا في تشكيل فريق العمل الخاص به، والذي يضم قيادات سياسية وأمنية عملت معه في مراحل سابقة
ويشير الباحث الاقتصادي اليمني عبدالحميد المساجدي في تصريح لـ”االعرب” إلى أن الأفق الاقتصادي كان أحد العوامل التي أفرزت واقعا سياسيا، ملفتا إلى أن استمرار ترهل الوظيفة العامة والفشل في تحقيق التعافي، على مختلف المستويات، ابتداء من ملف السياسة النقدية وانهيار الريال اليمني، إلى السياسة المالية واستمرار فوضى الموارد العامة للدولة، وفشل أو عجز حكومي في تقديم الخدمات العامة للمواطنين، سيكون مجازفة كبيرة في مسيرة المجلس.
وأكد المساجدي أن أهم أولويات المجلس الرئاسي في المرحلة القادمة يجب أن تتمثل في “تلبية أبسط المتطلبات الضرورية للمواطنين من فرض النظام والقانون وتوحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية لتطبيق القوانين، ومنها القوانين الاقتصادية المتعلقة بالجباية وتحصيل الموارد، وفرض الرقابة الصارمة على أسعار السلع وعلى وحدات القطاع الخاص المتعلقة بالصرافة لضمان عدم المضاربة بالعملة الوطنية، إضافة إلى توفير الخدمات من الكهرباء والمياه، وصيانة الطرقات الرئيسية، وصرف مرتبات موظفي الدولة، والرقابة على الأسواق، وتشغيل الوحدات التعليمية والصحية بالكفاءة المناسبة”.
العرب