العرب يتحركون ببطء في البحث عن بدائل لأمنهم الغذائي

العرب يتحركون ببطء في البحث عن بدائل لأمنهم الغذائي

تبدو الدول العربية غير مبالية كما يجب بإيجاد بدائل وحلول سريعة لحماية أمنها الغذائي، من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وتكتفي بالنظر للحرب على أنها أزمة ستنتهي بسرعة في حين تشكو بعض الدول من عجزها عن كبح تراجع مقدرتها الشرائية، وهو ما يهدد بتفاقم الأزمة لتجد الحكومات نفسها أمام مجاعة غير قادرة على التصدي لها.

أبوظبي – تتعالى الأصوات المحذرة من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي، وتنذر تقارير منظمة الأمم المتحدة بأن عددا كبيرا من الدول ومن بينها الدول العربية، صار على مشارف مجاعة أكيدة.

وتلقي هذه الحرب وارتفاع أسعار الغذاء العالمي بأثقالها على الدول العربية التي تصنّف في معظمها دولا مستوردة للغذاء، وتعتمد في غذائها بنسبة كبيرة على الأسواق العالمية؛ وتعاني منذ سنوات من أزمات في تحقيق الاكتفاء الغذائي مدفوعة بتقلبات مناخية وتغيرات جيوستراتيجية حادة.

وبات التساؤل بعد مرور أكثر من شهرين من المعارك مرتبطا بإيجاد الدول العربية بالفعل بدائل لأمنها الغذائي.

ويتحدث خبراء عن معاناة الدول العربية التي تعتمد على الاستيراد، في وقت تواجه بعض الدول نقص العملة الأجنبية؛ لشراء القمح وبقية واردات الغذاء التي ارتفعت أسعارها.

وفي الرابع والعشرين من فبراير الماضي، أطلقت روسيا هجوما على أوكرانيا تبعه رفض دولي وعقوبات اقتصادية مشددة على موسكو، التي تشترط لإنهاء عمليتها تخلي كييف عن خطط الانضمام إلى كيانات عسكرية والتزام الحياد.

غياب الاستراتيجيات

علّق الكاتب المصري ياسر عبدالعزيز على البدائل العربية بعد أكثر من شهرين على الحرب قائلا “في الوقت الذي كانت تعد فيه أوروبا العدة لزيادة الإنتاج قبل اندلاع المعارك، كانت الدول العربية تقف مترقبة دون اتخاذ أي إجراء حقيقي وكأن الموضوع لا يعنيها”.

وأضاف: “يبدو أن الدول العربية كانت تقلل من أهمية تداعيات الموضوع، معتقدة أن الحل قريب ولن تنتقل المناوشات إلى حرب، لذا لم يكن هناك استعداد ورؤية واضحة لرفع طاقة الاستيراد لاسيما دول مثل مصر التي تستورد ما يقرب من 80 في المئة من القمح بواقع أكثر من 50 في المئة من روسيا و30 في المئة من أوكرانيا”.

وأوضح: “لم يتم اتخاذ إجراءات واضحة ومفهومة لتحقيق الأمن الغذائي.. ونذكر أنه قبل الحرب رفع الدعم عن زيت عباد الشمس بمصر، والعقوبات الأوروبية والأميركية على الصادرات الروسية صعبت أمر الاستيراد”.

وزاد الكاتب عبدالعزيز: “لبنان أيضا طاقته التخزينية قلت بعد انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس 2020.. الأزمات تحيط بالدول العربية ولم تكن هناك رؤية حقيقية وسعي لخطط بديلة”.

وتحولت الأنظار إلى الهند كبديل عن بعض أنواع الحبوب وخاصة القمح، إذ تنتج سنويا قرابة 111 مليون طن، إلا أن التصريحات الحكومية الهندية تحذّر من أن ارتفاع درجات الحرارة منذ مارس الماضي ستقلل الإنتاج.

لا تزال نهاية الحرب أمرا ضبابيا، لا أحد يمكنه التكهن بتاريخ وقوعه، فبوتين عازم على المضي قدما في تحقيق مآربه السياسية وتحقيق انتصار على الأرض متجاهلا العقوبات الدولية وتداعيات الحرب على أزمة الغذاء العالمي.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر علي باكير، إنه “ما زال من المبكر الجزم بتجاوز الدول العربية لأزمة الأمن الغذائي؛ لأنه لا شيء يضمن عدم استمرار الحرب على مستويات مختلفة”.

وأردف: “لاسيما في ظل استمرار تعطيل سلاسل التوريد، وتواصل ارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية من بينها القمح والذرة، وخاصة القمح له أهمية خاصة واعتماد الدول عليه كبير في إنتاج الخبز”.

وبيّن أن “الدول العربية تعتمد على ردة الفعل بدل التخطيط والتنفيذ، ولا أعتقد أنهم أعدوا خططا بديلة لاستيراد القمح من أماكن أخرى غير روسيا وأوكرانيا. ومع استمرار الحرب واللجوء إلى بدائل من بقية البلدان تظهر أعباء إضافية بارتفاع الأسعار”.

واستطرد باكير: “نظرا لبعد المسافة والشحن والتأمين، فالمشكلة واقعة، ولا شك ستكون هناك تأثيرات سلبية على أكثر من صعيد اقتصادي واجتماعي وأمني خصوصا إن استمرت الحرب”.

وبينما ينتشر مصطلح “السودان سلة الغذاء العربية”، إلا أن خطط تطوير قطاع الزراعة في الخرطوم لم يتم حتى اليوم، بينما بعض الدول قررت الاستثمار في مناطق بعيدة في أوروبا والقارة الأفريقية، بحسب باكير.

حتى وإن لم تؤثر الأزمة الغذائية بشكل كبير في عدد من الدول العربية والتي تعيش في تبعية نسبية للخارج وتمتلك موارد ذاتية تخفف من حدة الأزمة إلا أن أغلب الدول العربية وخاصة دول شمال أفريقيا والدول التي تعيش نزاعات وأزمات سياسية، فإنها غير قادرة على توفير العملة الصعبة لشراء حاجياتها الضرورية.

وقال الكاتب اليمني ياسين التميمي، إن “الدول العربية تعاني من مشكلات عدة لها علاقة بسلسلة الغذاء التي تبدأ بالشراء من السوق الدولية وتنتهي بالاستهلاك”.

وأضاف: “معظم الدول العربية تكاد تغطي معظم احتياجاتها من القمح وسائر الحبوب الأخرى والزيوت عبر الاستيراد، وتعاني من قصور في القدرة التخزينية ويعاني بعضها من تدني احتياطاتها من العملة الصعبة ومن نفاد هذا الاحتياطي”.

ولفت إلى أن “الحرب الروسية الأوكرانية ضاعفت من تحديات الأمن الغذائي في هذه الدول، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار القمح والذي بلغ أكثر من 7 في المئة في بورصات القمح الدولية”.

وأظهرت بيانات اقتصادية نشرت آخر الأسبوع الماضي أن أسعار الغذاء في العالم استقرت بالقرب من أعلى مستوياتها على خلفية اضطراب حركة التجارة العالمية نتيجة الحرب الروسية ضد أوكرانيا ونقص الإمدادات وارتفاع معدل التضخم.

وتشير التوقعات إلى أنه لا مجال لاستقرار الأسعار إذا لم تنته الحرب وتبدأ الدول مرحلة تعاف فعلي من تداعيات كورونا، وبالنسبة إلى العالم العربي إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن فإن الطلب على الغذاء سيتزايد بمعدلات أكبر من معدلات النمو في إنتاج الغذاء، الأمر الذي يُتوقع معه اتساع الفجوة الغذائية بصورة متزايدة وخطرة.

وتطرق التميمي للمشكلات التي تعاني منها الدول العربية اقتصاديا قائلا “هناك مشكلة مركبة بالنسبة إلى تلك الدول التي تشهد حروبا فهي تواجه مشكلة انعدام النقد الأجنبي، وارتفاع تعرفة التأمين على البواخر، وتعطل الأنشطة الاقتصادية المولدة للدخل”.

وأردف: “تتفاوت الدول العربية في حجم مخزوناتها المستوردة من القمح من 6 أشهر إلى شهر ما يعني أن بعضها على وشك الانكشاف ومواجهة مجاعة محتملة أو اضطرابات”.

وسيسرع الارتفاع الكبير في الأسعار في مضاعفة التحديات أمام الدول العربية وخاصة تلك التي لا تزال اقتصاداتها تئن تحت وطأة تداعيات جائحة كورونا. وعانى العالم بالفعل في العام الماضي من ارتفاع حاد في مستوى غياب الأمن الغذائي بنسبة 25 في المئة وذلك قبل نشوب الحرب في أوكرانيا والتي فاقمت الموقف على مستوى العالم، لذلك من المتوقع اشتداد أزمة الجوع في العالم خلال العام الحالي، بحسب تقرير من الشبكة العالمية لأزمات الغذاء الصادر الأسبوع الماضي.

العرب