أبوظبي – اعتبر متابعون للشأن الخليجي أن الجولة الخليجية التي قام بها القائد الجديد للقوات المركزية الأميركية مايكل كوريلا تهدف إلى تهدئة التوتر مع السعودية والإمارات الشريكين الرئيسيين في المنطقة بعد فشل إدارة الرئيس جو بايدن ووزارة الخارجية في بناء جسور الثقة معهما.
وقال المتابعون إن البيت الأبيض والخارجية تعاملا بنوع من الغرور مع منطقة تشهد تحولات كبيرة، وفي بلدين باتا حريصين على بناء علاقات خارجية على قاعدة الندية وتبادل المصالح حتى لو كان الأمر مع الشريك التاريخي، أي الولايات المتحدة.
وأشار هؤلاء إلى أن أسلوب إدارة بايدن كان سيئا منذ البداية في التعامل مع الشركاء الخليجيين من خلال الحث على وقف حرب اليمن دون مراعاة مصالح السعودية والإمارات والمخاطر التي تهدد أمنهما القومي وكانت المبرر الأول للدخول في الحرب ضمن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
وكان قرار الولايات المتحدة تقليص منظوماتها الدفاعية في الخليج ونقلها إلى جنوب شرق آسيا بداية القطيعة مع الشركاء الخليجيين، تزامنا مع اقتناع بأن الخطوة تعبر عن موقف سياسي بالدرجة الأولى وتوحي بالاستخفاف بأمن الخليج وقدرة دوله على البحث عن بدائل، كما توحي بأن الولايات المتحدة تعتقد أن هذه الدول ستعود إلى البيت الأبيض باحثة عن الحماية. وهذا ما رجّح فكرة أن القرار لم تتخذه الدوائر الأمنية والعسكرية الأميركية فهو مثلما يمس بأمن الخليج يمس أيضا بأمن واشنطن ومصالحها في المنطقة.
تعيين قائد جديد من شأنه أن يوفر مخاطبا قادرا على الاستماع للخليجيين وتفهم مصالحهم وتهدئة الخواطر مع الشركاء الاستراتيجيين
ويعتقد المراقبون أن إدارة بايدن -التي اكتشفت أن دول الخليج قد تغيرت وأن قيادتها باتت أكثر صلابة وأكثر اعتمادا على الذات- ستعمل على التخفيف من التوتر مع السعودية والإمارات، والعودة إلى التعاون الأمني والعسكري وإيكال المهمة إلى وزارة الدفاع (البنتاغون) التي ستكون أقدر على الإصغاء لمخاوف الخليجيين لأنها تعرف المخاطر الأمنية في المنطقة.
ومن شأن تعيين قائد جديد للقوات المركزية الأميركية أن يمهّد لبروز مخاطب جديد قادر على طمأنة الخليجيين. وقال كوريلا إن الحلفاء يشعرون بالقلق بشأن التزام الولايات المتحدة طويل الأمد إزاء المنطقة، وذلك في ختام زيارة إلى الإمارات الجمعة.
ويعمل كوريلا -الذي تولى منصب قائد القيادة المركزية الشهر الماضي- على تقييم جهود الجيش الأميركي على مدى 90 يوما في منطقة كانت ذات يوم في قلب سياسة خارجية صارت تركز الآن بشكل أكبر على الصين وروسيا والحرب في أوكرانيا.
وقبل توجهه إلى الإمارات زار كوريلا السعودية ومصر. وأبلغ الصحافيين المرافقين له بأن “اللهجة في اجتماعاتي في مصر والسعودية والإمارات كانت صريحة وواضحة؛ شركاؤنا قلقون بشأن التزامنا طويل الأمد تجاه المنطقة”. وبمرور الوقت خفضت الولايات المتحدة أيضا بشكل كبير حجم القوات في المنطقة، بما في ذلك القوات البحرية.
وجاءت زيارة كوريلا إلى القاهرة بعد أقل من أربعة أشهر على إعلان إدارة بايدن حجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان. وكان ذلك انتقادا نادرا لحليف استراتيجي يسيطر على قناة السويس.
وأكد كوريلا -الذي التقى بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي- أن الولايات المتحدة حليف يمكن الاعتماد عليه. وقال “زرت ثلاث دول لدينا معها شراكات استراتيجية. رسالتي إلى الدول الثلاث هي أن الولايات المتحدة شريك يُعتمد عليه هنا، وهذه العلاقة وطيدة”.
وفي الإمارات التقى كوريلا ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وأفادت رويترز بأن بايدن أثار استياء الشيخ محمد بن زايد بعدم الاتصال به سريعا بعد هجوم شنه الحوثيون على الإمارات في يناير وعدم الرد بقوة أكبر. وقال كوريلا إن تقييمه سيشمل “الفجوات” التي حدثت في مثل هذه العلاقات.
وفي السعودية أجرى كوريلا محادثات مع مسؤولين عسكريين من بينهم نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان. وقال إن “المملكة مستعدة للمستقبل وأنا أتطلع إلى استمرار الشراكة العسكرية”.
وغضب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من رفض بايدن التعامل معه مباشرة ومحاولة ربطه بقضية جمال خاشقجي.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية نقلا عن مسؤولين كبار قولهم إن السعودية والإمارات رفضتا التحدث مع الرئيس جو بايدن بشأن حرب أوكرانيا، ما يشير إلى حجم الخلافات.
ومارست الولايات المتحدة ضغوطا شديدة على الرياض من أجل زيادة إنتاج النفط وفرض عقوبات على النفط الروسي، لكن السعودية تصر على الالتزام باتفاقيات “أوبك+”.
ويبدو أن الولايات المتحدة فشلت في إقناع الرياض بخططها للضغط على موسكو، في خضم تطور ملحوظ في العلاقات الروسية – السعودية وبالتزامن مع سياسة الانسحاب من قضايا المنطقة التي تنتهجها واشنطن، وخاصة برودة مواقفها في ما يتعلق بالحرب في اليمن وتصاعد خطر الحوثيين.
وفي رسالة سعودية شديدة اللهجة إلى إدارة بايدن كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المملكة وجهت دعوة إلى رئيس الصين شي جين بينغ لزيارتها، مبينة أن الرئيس الصيني سيحظى بحفاوة كبيرة.
وقبل ذلك وجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان انتقادات حادة للإدارة الأميركية، وذلك في حوار مع مجلة “ذا أتلانتيك”. وقال ولي العهد السعودي إنه “لا يهتم بما إذا كان بايدن قد أساء فهم الأشياء المتعلقة به”.
العرب