الاتحاد الوطني الكردستاني منحاز إلى طهران على حساب أربيل

الاتحاد الوطني الكردستاني منحاز إلى طهران على حساب أربيل

تتفاقم التوترات بين الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق، حيث تعمقت الخلافات بينهما على العديد من القضايا حتى أن الاتحاد الوطني الكردستاني صار يلتزم الصمت على هجمات إيران المتكررة، مما يوحي بانحيازه إلى طهران على حساب أربيل وينذر بتقويض الاستقرار الهش داخل الإقليم.

أربيل (كردستان العراق)- انتظر الحزب الديمقراطي الكردستاني أن يصدر منافسه الاتحاد الوطني الكردستاني موقف إدانة لقصف الحرس الثوري الإيراني الأربعاء الماضي مواقع مفترضة لمعارضين أكراد في أربيل، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، ما يترجم عمق الشرخ بين الحزبين اللذين يتقاسمان الحكم في إقليم كردستان بشمال العراق.

وكان الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه مسعود بارزاني توجه عبر رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني مؤخرا برسائل تدعو إلى “الوحدة والتعاضد”، من أجل مواجهة التحديات المفروضة على كردستان، لكن الاتحاد بقي على موقفه الحريص على أن يكون أقرب إلى طهران منه إلى أربيل.

ويرتبط الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه الراحل جلال طالباني بعلاقات جيدة مع إيران، في مقابل ذلك تشهد العلاقة بين الحزب الديمقراطي وطهران تباعدا أكثر في ظل التوجس الإيراني من العلاقات التي تربط الأخير بعدد من القوى الإقليمية، وطموحاته التي تتعارض والمصالح الإيرانية، وآخرها سعي الحزب إلى تصدير الغاز إلى تركيا وأوروبا، والذي يعتقد أنه السبب في قصف إيران المتكرر لعاصمة إقليم كردستان.

عزت صابر: سنلجأ إلى حلول بديلة إذا واصل الديمقراطي نهجه الحالي

وأعلن الحرس الثوري الإيراني في الحادي عشر من الشهر الجاري عن استهداف “قواعد إرهابية” في مدينة أربيل، جاء ذلك بعد أيام على تعرض منشآت نفطية في الإقليم إلى قصف بصواريخ يعتقد أن ميليشيات موالية لإيران هي من أطلقتها.

وكان الحرس الثوري شن في مارس الماضي هجوما غير مسبوق استخدم فيه صواريخ باليستية طالت منشآت مدنية في أربيل، من بينها منزل لرجل أعمال كردي يعمل في مجال الطاقة، قيل لاحقا إنه احتضن اجتماعات ضمت مسؤولين إسرائيليين وأميركيين وأتراكا لدراسة مشروع تصدير الإقليم للغاز.

ومع تواتر الهجمات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة، التزم الاتحاد الوطني الكردستاني الصمت، ولم يسجل له أي ردود فعل تذكر، ما يعكس حجم التوتر في العلاقة مع الحزب الديمقراطي، ولم يكتف الاتحاد بذلك، بل أعلن صراحة عن رفضه مشروع تصدير الغاز وأن يتم مد أنبوب عبر أراضي السليمانية، متهما بشكل غير مباشر حزب بارزاني بالسعي لتحقيق منافع خاصة من هذا المشروع الذي قد يجلب “المزيد من المآسي للإقليم”.

وقال رئيس الاتحاد الوطني بافل طالباني خلال اجتماعه مؤخرا مع ممثلين لدول ومنظمات دولية في الإقليم، وبحضور عدد من قيادات الحزب، “لن نقف مكتوفي الأيدي أمام اللا عدالة واللا شفافية، والاحتكار والتمييز، وإهدار الواردات العامة وسيكون لنا موقفنا، إذ يجب توضيح العقود وفقراتها إلى أبناء شعب كردستان، ولا نريد جلب مآسي أخرى على الإقليم”.

وأضاف “أعلن هنا أنه على جثتي سيُمد أنبوب الغاز إلى الخارج، إذا خالف ما يطلبه المواطنون ولم يكن في خدمتهم”. وقال طالباني “للأسف بعض شركات النفط تديرها الأحزاب وتُستغل من أجل مصالح شخصية، ونحن لن نسمح لأي قوة أو طرف بأن تحقق الثراء على حساب معيشة المواطن”.

ويرتكز الاتحاد الوطني في تبرير موقفه الرافض لمشروع الغاز على عدم انتفاع الإقليم بإيرادات النفط التي يديرها الحزب الديمقراطي، فضلا عن كون الأخير يوجه معظم النفط إلى التصدير دون أن يحرص على تحقيق الاكتفاء الداخلي من هذه المادة، الأمر الذي يؤثر على مواطني الإقليم.

وحذّرت النائبة عن كتلة الاتحاد شيرين يونس من “تكرار الأخطاء التي ارتُكبت في ملف النفط مع ملف الغاز، أي أن تقرر جهة لوحدها”، في إشارة إلى الحزب الديمقراطي، متوعدة الأخير بأنه “سيواجه التهميش بشدة في حال عدم إدراكه لدعوات بافل طالباني إلى التوقف، فالغاز ثروة وطنية وليس عدلا أن تتحكم به جهة أو جهتان، ولنا تجربة مع النفط عندما سعينا لتحقيق استقلال اقتصادي، والنتيجة كانت ثراء بعض الأشخاص في حزب ما، بينما يرزح الشعب تحت ديون تقدّر بمليارات الدولارات”.

ووفق بعض الإحصائيات، يقدر احتياطي إقليم كردستان من الغاز الطبيعي بنحو خمسة تريليونات متر مكعب، وتقع الكثير من الحقول في محافظة السليمانية، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني، مثل حقل بلكانة، وجمجمال، وميران.

ويرى مراقبون أن موقف الاتحاد الوطني الرافض لمشروع الغاز إلى جانب كونه يتماهى إلى حد كبير مع موقف طهران، فهو في شق منه، رد فعل أيضا على سلوكيات الحزب الديمقراطي الذي يسعى لإضعافه في الداخل ومحاصرته.

وكان القيادي في الاتحاد عزت صابر، اتهم حزب بارزاني بأنه “يعمل وفق برنامج منذ أشهر لمعاقبة السليمانية”، وكشف صابر عن “تراجع حاد في إيرادات السليمانية بسبب الحصار الذي تفرضه الحكومة على المحافظة، التي استدانت خلال الأشهر الثلاثة الماضية نحو تسعين مليون دينار، إما من خلال أرصدة أشخاص في المصارف، أو من خطابات ضمان شركات”.

وقال إن “تماهي حزبنا مع هذا الوضع نابع من الحرص على عدم العودة إلى نظام حكم الإدارتين وبالتالي تفكك الإقليم، نعم إن الصبر جميل لكن له حدود”. وأردف أن قيادة حزبه “ستلجأ إلى خيارات وحلول بديلة في حال مضى الأصدقاء في الديمقراطي على نهجهم الحالي”.

ولا تقف الخلافات بين الحزبين الكرديين عند المسائل المالية والاقتصادية، بل تتعداها إلى الجوانب السياسية في ظل حرص آل بارزاني على الاستفراد بالسلطة، متجاهلين الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العام 2005.

ويسعى زعيم الحزب الديمقراطي إلى فرض وزير الداخلية الحالي للإقليم ريبير أحمد خالد، وهو من عائلة بارزاني، رئيسا للجمهورية في العراق، بالرغم من أن هناك اتفاقا سابقا على أن يكون هذا المنصب من حصة الاتحاد الوطني، الذي رشح الرئيس الحالي برهم صالح لولاية جديدة.

ويتخذ بارزاني من النتائج التي حققها في الانتخابات التشريعية التي جرت في العراق في العاشر من أكتوبر الماضي، ومن دعم حليفيه التيار الصدري وائتلاف السيادة السني، السند للضغط باتجاه إيصال مرشحه إلى المنصب.

وقد أثار موقف الحزب الديمقراطي استفزاز الاتحاد الوطني الذي طالب بضرورة تعديل القانون الانتخابي للإقليم وتحديث سجل الناخبين، قبل السير في الانتخابات التشريعية لكردستان المقررة في أكتوبر.

ويحذر المراقبون من أن الخلافات المتنامية بين الحزبين، من شأنها أن تؤثر على الوضع داخل الإقليم، في ظل بروز إدارتين منفصلتين.

وذكر تقرير أعده مركز الدراسات المستقبلية المجاز من قبل حكومة كردستان ومقره السليمانية، بأن “مكتسبات الإقليم تتعرض إلى خطر لم تواجهه منذ انطلاق العملية السياسية بالعراق في عام 2005، نتيجة للانقسام غير المسبوق بين الحزبين الرئيسين”.

واعتبر أن “هذا الانقسام أدى إلى ضياع فرصة للأكراد من أجل لعب دور في الانقسام بين الشيعة والسنة بسبب الصراع على منصب رئاسة الجمهورية، كما تتضح تداعياته على الساحة الكردية، خصوصا في ملفي الطاقة والانتخابات النيابية للإقليم المقبلة”.

ولفت التقرير إلى أن “الرؤية المشتركة بين الحزبين على الصعيد الاتحادي في التعامل مع ملف الطاقة وقرار المحكمة الاتحادية، تلاشت في ضوء خلافاتهما على إدارة ملف الطاقة في الإقليم، والذي يتصدر أساسا الخلافات مع بغداد”.

العرب