يواجه العراقيون في حياتهم اليومية مصاعب مناخية تعرقل نشاطهم الاقتصادي الهش، فالعواصف الرملية التي تتالت في الفترة الأخيرة خنقت المواطنين في البيوت والشوارع وعطلت المصالح الإدارية والتجارية وصارت حركة المرور أصعب كلما هبت الرياح المحملة بالرمال في المدن والبلدات.
بغداد- أغلقت المطارات والإدارات العامة وعلّقت الامتحانات في الجامعات والمدارس الاثنين ودخل نحو ألفي شخص المستشفيات، بسبب عاصفة ترابية جديدة ضربت العراق بعد سلسلة من العواصف المماثلة التي ترزح تحت وطأتها البلاد منذ نحو شهر.
وضربت عاصفة رملية واحدة على الأقل العراق كل أسبوع على مدى الأسابيع القليلة الماضية، فيما قال عراقيون إنها أسوأ موجة من نوعها في الذاكرة الحديثة.
تسببت العاصفة الأخيرة التي غطّت العراق بالرمال في الخامس من مايو، بحالات اختناق لأكثر من 5 آلاف شخص وأدخلتهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، فيما لقي شخص واحد حتفه.
في مشهد بدأ العراقيون بالاعتياد عليه، غطّت طبقات الرمال الصفراء صباح الاثنين المباني والسيارات المركونة في الشوارع وأثاث المنازل، فيما حجبت سحب الغبار السميكة الرؤية لمجرد بضعة أمتار قليلة.
وقال أحمد زمان وهو سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 23 عاما “يتكرر الأمر كل ثلاثة أو أربعة أيام الآن… من الواضح أن الأمر نتيجة التغير المناخي ونقص المطر. كلما هبت رياح تثير الأتربة والرمال”.
وخفض ضباب أحمر من الأتربة والرمال في بغداد ومدن جنوب العراق مجال الرؤية لبضع مئات من الأقدام فقط.
وأعلن المتحدّث باسم وزارة الصحة سيف البدر، في بيان، أن ألفي حالة على الأقلّ دخلت “مؤسساتنا الصحية مختلفة الشدّة”.
وأضاف في تصريح صحافي الاثنين، أن غالبية الإصابات هي من النوع البسيط والمتوسط دون تسجيل أي حالة وفاة، وأن جميع المستشفيات وفرق الإسعاف الفوري في حالة تأهب تام لمعالجة الإصابات والأمراض التنفسية جراء موجة الغبار.
ودعا الأهالي إلى عدم الخروج من المنازل وخاصة كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة والأمراض التي تتعلق بالجهاز التنفسي فضلا عن التقيد بارتداء الكمامات.
في طوارئ مستشفى الشيخ زايد ببغداد، استلقى 20 رجلا، معظمهم من كبار السنّ، على الأسرّة يتنفسون بواسطة أقنعة أوكسجين، وإلى جانبهم أقرباؤهم.
واستقبل المستشفى منذ الفجر 75 مريضا جاؤوا لتلقي الأوكسجين، كما قال المسؤول في قسم الطوارئ طالب عبدالمنعم نجم. وأوضح “أغلب الحالات المسجلة هي حالات مزمنة. يوجد مرضى كبار في السن يعانون من أمراض مزمنة كأمراض القلب”.
وقال إحسان مولود وهو طبيب حوادث وطوارئ في مستشفى بغداد “وصلتنا 75 حالة تعاني من مشكلات تنفسية… نقدم العلاج للمرضى بأجهزة الأوكسجين إذا استدعى الأمر”.
تمدّد هادي صعدة (70 عاما) على سرير الطوارئ فيما جهد للتنفس تحت قناع الأوكسجين، ويكاد لا يستطيع أن يتكلّم بصوت مسموع. هذه المرة الثالثة التي يدخل فيها المستشفى جراء الطقس، كما قال ابنه محمد الذي رافق أباه الذي يعاني من مرض في القلب.
هذه ثاني زيارة للمستشفى بالنسبة إلى خالد جاسم أيضا. وقال ابنه وليد “نحن هنا منذ الساعة الثامنة صباحا. يبلغ والدي من العمر 70 عاما، ويعاني من عجز بالقلب وأمراض السكري والضغط وهو يختنق من التراب”.
في الأثناء، علّقت سبع محافظات من محافظات العراق الثماني عشرة الدوام الرسمي في الإدارات العامة، باستثناء دوائر الصحة، لاسيما في العاصمة بغداد وفي الديوانية جنوبا وديالى وكركوك في الشمال.
كذلك أغلقت كل مدارس البلاد وأرجئت امتحاناتها حتى الثلاثاء، كما أعلنت وزارة التربية، فضلا عن إرجاء الامتحانات الجامعية التي كانت مقررة للاثنين.
كما حثت مديرية المرور العامة سائقي الشاحنات والسيارات على توخي الحذر الشديد عند القيادة على الطرق الخارجية والشوارع الداخلية، لانعدام الرؤية بسبب موجة الغبار التي تشهدها البلاد منذ الليلة الماضية وبلغت ذروتها في ساعات الصباح لهذا اليوم.
◙ عاصفة رملية واحدة ضربت على الأقل العراق كل أسبوع على مدى الأسابيع القليلة الماضية وتعتبر أسوأ موجة من نوعها في الذاكرة الحديثة
والعاصفة هي الثامنة منذ منتصف شهر أبريل، فيما تكررت في الشهرين الأخيرين العواصف الترابية بشكل غير مسبوق في العراق، ويعزوها الخبراء إلى التغير المناخي وقلة الأمطار والتصحر.
ويعد العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحّر في العالم خصوصا بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز في أيام من فصل الصيف خمسين درجة مئوية.
وحذر المدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة العراقية في لقاء مع وكالة الأنباء العراقية من تزايد العواصف الرملية، خصوصا بعد ارتفاع عدد الأيام المغبرّة إلى “272 يوما في السنة لفترة عقدين”. ورجح “أن تصل إلى 300 يوم مغبرّ في السنة عام 2050”.
وتسبب الجفاف والارتفاع الحاد في درجات الحرارة في تجفيف الأراضي الزراعية. وسجلت البلاد درجات حرارة قياسية وصلت إلى 52 درجة مئوية في السنوات القليلة الماضية.
وتمثل زيادة الغطاء النباتي وزراعة أشجار كثيفة تعمل كمصدات للرياح أهم الحلول اللازمة لخفض معدل العواصف الرملية بحسب وزارة البيئة العراقية.
العرب