من الواضح أن اعتذار رئيس روسيا فلادمير بوتين، لرئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، عن أقوال وزير خارجية روسيا سرجيه لافروف، الذي نسب بكل سذاجة ووقاحة أصلاً يهودياً لهتلر، لا أهمية دبلوماسية له؛ لأنه لم يعط له تأكيداً علنياً من قبل النظام الروسي. ولكن حتى لو كان الاعتذار علنياً وصريحاً، ولم يتم قول تلك التصريحات الوهمية، فسيظل من الأفضل لإسرائيل أن تغير سياستها المخزية التي تتمثل بالحياد في مواجهة العدوان الإمبريالي الروسي على أوكرانيا، والوقوف إلى جانب أوكرانيا بشكل لا لبس فيه مع الغرب الذي تتفاخر بالانتماء إليه. بصورة حاسمة أكثر، يجب على إسرائيل أن توسع مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بدرجة كبيرة وجوهرية، وبشكل خاص تزويد جيش أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية للحماية من الصواريخ.
يعتقد الخبراء أن القبة الحديدية لا تناسب نوع الحرب الجارية في أوكرانيا. ولكن لأن روسيا جددت القصف مؤخراً في كل أرجاء أوكرانيا، وأصابت صواريخها للمرة الأولى حتى المقاطعة الغربية وهي مقاطعة زاكارباتيا، فلا شك أن تسلح الجيش الأوكراني بمنظومة دفاع متقدمة مثل القبة الحديدية سيقيد عدوانية روسيا بشكل كبير. ولكن الأكثر أهمية، إضافة إلى الجانب العسكري المحض، هناك سبب للاعتقاد بأن بيع القبة الحديدية لأوكرانيا كجزء من قرار إسرائيل الاستراتيجي العلني بالوقوف إلى جانبها ضد التهديد الوجودي الروسي، قد يلحق بالنظام الإمبريالي الوطني لبوتين ضربة نفسية شديدة، التي قد يتبين أنها ضربة حاسمة في الطريق إلى هزيمته المأمولة.
لهذا الاعتقاد أسباب رئيسية: الأول أن إسرائيل تحظى في خطاب روسيا الإعلامي والأمني بصورة دولة عظمى تكنولوجية بما يتعلق بأساليب الحرب المتطورة. والسبب الثاني والأهم أن للاسامية المتجذرة عميقاً في الخطاب الوطني والثقافي في روسيا، تقليدياً، أساسا قويا للخوف من اليهود. ربما يصعب على مراقبين من الغرب تصديق ذلك. ولكن حتى الآن يمكن العثور في الوعي الثقافي الروسي على إشارات واضحة على خوف سحري من اليهود، مع التأكيد على الصورة النمطية لحكمة اليهود ومكرهم. والدليل على ذلك واضح في ملاحظات لافروف اللاسامية المذكورة أعلاه، الذي أدخل مفهوم “الشعب اليهودي الحكيم” في أعماقهم.
الخوف الروسي البدائي من “العبقرية اليهودية القديرة” إلى جانب الإعجاب بتفوق إسرائيل التكنولوجي، يعشعش في قلب المؤسسة والقيادة الحاكمة والعسكرية في نظام بوتين. لذلك، يمكن الافتراض بأن انضمام إسرائيل إلى تحالف الدول المؤيدة لأوكرانيا، خاصة تزويدها بالقبة الحديدية التي تعتبرها روسيا الآن نوعاً من الهوية الحديثة لقوة إسرائيل التكنولوجية، سيكون فيه ما من شأنه أن يزرع ذعراً غير قليل في أوساط القيادة الروسية التي أصيبت بالجنون أصلاً إزاء مراوحة المعركة في مكانها ضد كييف. لذلك يمكن التقدير بأنه سيكون هناك تأثير حاسم للحرب النفسية بين الدولتين، التي قد تترجم فيما بعد إلى حسم في المعركة.
هل يكتنف تزويد أوكرانيا بالقبة الحديدية خطر على إسرائيل بسبب احتياجها للتنسيق مع روسيا، السيد العسكري الفعلي في سوريا، ونشاطاتها ضد الجهات الإيرانية هناك؟ إذا كانت هذه الأخطار قائمة فالأفضل عدم المبالغة في خطورتها لسببين: الأول أن الصعوبات والإخفاقات التي ترافق الغزو الروسي لأوكرانيا حتى الآن تدل على أن مناعة روسيا العسكرية والسياسية بعيدة جداً عن صورة الدولة العظمى التي يعطيها إياها الغرب وإسرائيل في السنوات الأخيرة. رغم عمليات التحديث والتقدم التكنولوجي الكبير، خصوصاً في كل ما يتعلق بأنظمة الحكم والثقافة التنظيمية والمؤسسية، إلا أن روسيا بوتين هي نفس الكيان السياسي غير الفعال وغير الناجع الذي كان في الفترة القيصرية والفترة السوفييتية. مع أخذ ذلك في الحسبان، مثلما عرفت إسرائيل كيفية معالجة التهديد السوفييتي في الشرق الأوسط في فترة الحرب الباردة، وهي الآن ستنجح أيضاً في مواجهة الوجود الروسي في منطقتنا جيداً.
السبب الثاني والأهم هو أن انضمام إسرائيل الكامل للتحالف الدولي المناهض لبوتين مع توفير أنواع سلاح ومنظومات دفاع متطورة لأوكرانيا، يمكن أن يقدم على الصعيد النفسي مساهمة مصيرية لصد الجيش الروسي وطرده النهائي من أراضي أوكرانيا. هذا التطور سيقرب النهاية المأمولة لنظام بوتين، وعند انهيار نظام بوتين سيوضع حد لتدخل روسيا في سوريا، وفي الأصل ستنتهي الحاجة للحصول على مصادقة روسيا على نشاطات إسرائيل ضد التهديد الإيراني.
إذا كان الأمر هكذا فيجب أن تكون النتيجة واضحة كالشمس. إن زيادة مساعدة إسرائيل العسكرية لأوكرانيا عملية مطلوبة وصحيحة من ناحية أخلاقية. وليس هذا فقط، بل هي خطوة مناسبة على المدى البعيد لمصالح إسرائيل الاستراتيجية في الشرق الأوسط. بناء على ذلك، يجب على إسرائيل أن تجتاز العقبة الكأداء الأخلاقية والسياسية، والبدء في تزويد منظومة القبة الحديدية لأوكرانيا.
بقلم: ديمتري شومسكي
القدس العربي