الإعلام التركي الذي يعتمد في تغطيته للشأن الأفريقي مصطلح “أفريكالي” (Afrikalı) للدلالة على السواد والتوحش والعبودية ينصب نفسه وصيا على كسر الصورة النمطية بشأن اعتبار الأفارقة “متوحشين سودا”.
أنقرة – يروج الإعلام التركي لرواية مفادها أن وسائل الإعلام التركية في أفريقيا تواجه تحديا يتمثل في كسر الصورة النمطية العنصرية بشأن اعتبار الأفارقة “متوحشين سودا”، في تناقض فج وصارخ مع التغطية العنصرية التي يعتمدها الإعلام التركي للشأن الأفريقي.
ويستخدم الإعلام التركي بمختلف أنواعه مصطلح “أفريكالي” Afrikalı للحديث تحديدا عن الأفارقة جنوب الصحراء، ورغم أن الكلمة تعني أفريقي فقد أصبحت في الإعلام التركي دلالة على “توحش الأفارقة وسوادهم”.
ومن السخرية أن القمة التركية – الأفريقية للإعلام، التي نظمتها دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، ناقشت في إحدى جلساتها صورة أفريقيا في وسائل الإعلام الغربية.
مصطلح “أفريكالي” يعمم على شعوب أفريقيا جنوب الصحراء وتتم إعادة تدويره بغض النظر عن الإيجابيات أو السلبيات
ولفت رئيس تحرير نشرة الأخبار الأفريقية بوكالة الأناضول حسن حسين كوشغر إلى أن الدول الأفريقية ما قبل الاستقلال لم تظهر في وسائل الإعلام وكانت القارة تُذكر باسم “القارة السوداء”. وبيّن أن الغرب تطرق إلى القارة بلغة سلبية منذ البداية. ولم تأت الجلسة على مناقشة النظرة لأفريقيا في الإعلام التركي الذي يتبنى نفس المقاربة الغربية.
وقال تقرير نشرته وكالة الأناضول التركية إن وسائل الإعلام التركية في أفريقيا تواجه أيضا تحديا يتمثل في كسر الصورة النمطية العنصرية في اعتبار الأفارقة “متوحشين سودا”، وهي وجهة النظر العالمية المعادية للأجانب، والتي لا تزال تهيمن على موقف العالم المتقدم تجاه أفريقيا النامية، إنها عقلية مبتذلة تشير إلى أن أفريقيا حالة “ميؤوس منها”.
وزعم كاتب المقال المقيم في مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا أن “هناك العديد من الأحداث التي ساهمت في بروز الوجود الاقتصادي المتنامي لأنقرة في القارة الأفريقية، ومنها الزيارات المتكررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقارة لعدة مرات أكثر من أي رئيس دولة آخر، كما أن زيادة عدد السفارات التركية من 10 إلى 40 تدل على ذلك أيضا. ومن ذلك أيضا ‘قمة الشراكة التركية – الأفريقية’ التي تعقد منذ عام 2005، ومنح الاتحاد الأفريقي لتركيا صفة المراقب في 2008”.
وأضاف “يُنظر إلى وسائل الإعلام التركية في أفريقيا بشكل أكبر من خلال عدسة الدراما المدبلجة التي يتم بثها على شبكات التلفزيون المحلية، وخاصة مسلسل “قيامة أرطغرل”، وعلى هذا المنوال، فإن تحقيق رسالة القمة التركية – الأفريقية يجب أن يتم من خلال شراكة في السلام والأمن والعدالة والتنمية التي تركز على الإنسان وتعزيز النمو المستدام”.
ويذكر أن ملكية وسائل الإعلام المهمة في أفريقيا تقتصر على مجموعة صغيرة من الأباطرة المنحدرين من جنوب أفريقيا ومنطقة شرق القارة السمراء ونيجيريا. كما تعد حرية وسائل الإعلام في أفريقيا هشة في أحسن الأحوال، حيث يعمل الصحافيون تحت الإكراه، كما توجد في العديد من البلدان وسائل إعلامية للترفيه فقط تسيطر عليها الدولة.
وتحاول تركيا وسط هذا إيجاد موطأ قدم لها في الإعلام الأفريقي الموجه بوصفه مدخلا للوصول إلى قلوب الشعوب في أفريقيا، ومن ثمة تقديم نفسه متحدثا باسمهم وهي “الخلطة السحرية” التي يعتمدها النظام التركي.
وسبق أن قدمت تركيا نفسها كحامية حمى العالم التركي ضد ما وصفته بـ“الفاشية الرقمية والإمبريالية الإلكترونية وصناعة الكذب العالمية” وقبلها قدمت نفسها متحدثا باسم “المسلمين المضطهدين”، محاولة إحياء دولة الخلافة.
ويذكر أنه في الآونة الأخيرة كان هناك انتشار ملحوظ للأخبار والتحليلات المتعلقة بنفوذ تركيا المتزايد عبر القارة الأفريقية. وذهبت بعض المقالات إلى أبعد من ذلك لتلمح إلى أن تركيا يمكن أن تلعب دور الوسيط في الصراعات الأفريقية.
وترحب أنقرة بهذه التغطية الإيجابية لبصمة تركيا الآخذة في الاتساع في أفريقيا في وقت تتعرض فيه الحكومة لانتقادات خارجية وداخلية قاسية. ويبدو أن تركيا العالقة بين المطرقة والسندان على عدة جبهات، في حاجة ماسة لقصص النجاح، لاسيما في مجال السياسة الخارجية.
ويقول خبراء إن انخراط تركيا مع الدول الأفريقية أحد الموروثات السياسية “الشعبوية” للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تتألف من خطاب إنساني ومثل دينية وموقف مناهض للإمبريالية، وهي مكونات أساسية لصورة أردوغان.
ولا تزال أفريقيا ممثلة للجمهور التركي بأجندات مثل النزاعات المستمرة والمشاكل الصحية ونقص الغذاء. وتستخدم وسائل الإعلام التركية المطبوعة والمرئية على حد السواء مصطلح “أفريكالي” (Afrikalı) لوصف الأفارقة وهو مصطلح عنصري يعني “السواد والتوحش” يعمم على جميع شعوب أفريقيا جنوب الصحراء وتتم إعادة تدويره بغض النظر عن الظروف الإيجابية أو السلبية إذ يسري على رجل أعمال أفريقي ناجح، أو حتى على لص أفريقي متلبس بالجرم في مكان ما في إسطنبول، أو لطالب أفريقي قُتل في حادث في مكان ما في أنقرة. الشيء الأكثر إثارة للاهتمام حول “أفريكالي”، مع ذلك، هو أن استخدامه يقتصر في الغالب على أولئك الذين يعتبرونهم “سودا”. وبعبارة أخرى، من المرجح أن يزداد ترديد “أفريكالي” بالنسبة إلى أي شخص يعتبر ذا بشرة سوداء أكثر من، على سبيل المثال، الرجل ذي اللون البني أو “العربي” من نفس القارة.
وكانت شبكة يورونيوز نشرت تقريرا في العشرين من سبتمبر 2020 يظهر أن المهاجرين الأفارقة في تركيا يتعرضون لأبشع أنواع العنصرية والتمييز ويقولون إن “سبب الظلم الذي نمر به هو أننا مازلنا يُنظر إلينا كعبيد”.
وسائل الإعلام التركية في أفريقيا يُنظر إليها بشكل أكبر من خلال عدسة الدراما المدبلجة التي يتم بثها على شبكات التلفزيون المحلية
ويقول التقرير إنهم “جاؤوا إلى تركيا على أمل حياة أفضل. ومع ذلك، فإن حالتهم ازدادت سوءا”.
ويسلط التقرير الضوء على الحوادث العنصرية التي يتعرض لها المهاجرون من دول أفريقية في تركيا إذ توجه لهم مختلف أنواع الشتائم والعبارات العنصرية والساخرة ويعاملون في أفضل الأحوال “كالحيوانات”.
ويقول محمد الذي جاء إلى تركيا كطالب من سيراليون إنهم يسألون أسئلة سخيفة مثل “هل تأكل الكلاب هناك أم تأكل الناس؟”، ويؤكد “ضربونا وطعنونا. يفعلون كل شيء. إذا مررت بشارع مرتين، فإنهم يسببون لك المتاعب. يقولون لماذا تمر من هنا؟”.
ويروي مهاجر آخر طُرد من منزله “تعسفيا” كيف صادر المالك كمبيوتره وأمواله متعلقاته الشخصية. وأكد أنه بقي في الشارع لمدة أسبوعين. واشتكى للشرطة، لكن لم يحصل على أي نتائج.
ويعزو المهاجر كل هذا إلى كونه “أسود”. ويعتقد أن رجال الشرطة يعاملونهم دائما مثل المجرمين. لذلك، يجد أنه من غير المجدي الذهاب إلى الشرطة لطلب حقوقه. ويقول المهاجرون الأفارقة أن “سبب هذه المظالم هو أن السود مازالوا عبيدا بالنسبة إلى الأتراك”.
وكان أردوغان دعا الشباب الأفارقة إلى أن يعتبروا تركيا على أنها وطن ثان بالنسبة إليهم.
العرب