إشارات مشجعة من البيت الأبيض في انتظار تجاوز بايدن عقدته مع السعودية

إشارات مشجعة من البيت الأبيض في انتظار تجاوز بايدن عقدته مع السعودية

واشنطن – وجدت الولايات المتحدة نفسها في وضع يحتّم عليها تغيير لهجتها مع السعودية بعد أن تصرفت إدارة جو بايدن بأدنى حدود اللباقة والدبلوماسية مع الرياض على مدى السنة الأولى من الحكم.

وفرضت حرب أوكرانيا واقعا استراتيجيا جديدا خصوصا في ما يتعلق بكميات النفط والغاز المتاحة في الأسواق العالمية وأسعارها. وأشاد البيت الأبيض في بيان الخميس بالدور الذي لعبته السعودية في قرار دول أوبك+ زيادة إمدادات النفط.

ونقلت وكالة بلومبرغ عن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير قولها إن الولايات المتحدة تدرك دور السعودية، كرئيس لمنظمة أوبك+ وأكبر منتج للنفط، في تحقيق هذا الإجماع بين أعضاء التحالف النفطي.

ويقول مراقبون إن الزيادة في إنتاج أوبك+ لا تتجاوز حوالي 200 ألف برميل يوميا، ويمكن اعتبارها زيادة “معنوية” لإثبات حسن النوايا، ولكنها أبعد ما تكون عن أن تصنع فارقا في المعروض من النفط في الأسواق، إلى درجة أن روسيا لم تعرها اهتماما لأنها محدودة بشكل يجعل مقارنتها بالملايين من البراميل التي تنتجها روسيا يوميا غير واردة.

إدارة بايدن تريد أن تقنع الأميركيين بأنها حققت إنجازا، فيما لم يبد السعوديون أي تعليق يوحي بتحسن العلاقة مع واشنطن

وأشار المراقبون إلى أنه رغم محدودية هذه الزيادة ورمزيتها، إلا أن إدارة بايدن تريد أن تقنع الأميركيين بأنها حققت إنجازا، معتبرين أن “التفاؤل” الأميركي بهذه الزيادة يقابله صمت سعودي عن أيّ تعليق، وهو ما يعني أن الرياض لا ترى في الإشارات الأميركية ما يشجع على الإحساس بوجود تغيير مّا في سياسة واشنطن تجاه المملكة وفي الإقليم ككل.

وبالتوازي مع ذلك، أبدى بايدن اهتماما مفاجئا بموضوع الهدنة في اليمن، حيث رحب بالتمديد في الهدنة لشهرين إضافيين، حاثا على “جعل الهدنة دائمة”، في وقت يقول فيه المتابعون إنه كان يمكن لأيّ مسؤول في الخارجية أو البيت الأبيض أن يعبّر عن هذا الموقف، وإن الحدث لا يستحق التوقف عنده لكن اهتمام الرئيس الأميركي به محاولة لإظهار مرونة في ملف من الملفات الخلافية مع السعودية.

وترسل إدارة بايدن إشارات متناقضة بشأن رغبتها في إذابة الجليد مع السعودية، فقد عملت على التقارب مع الرياض في موضوع النفط وسعت لكسر تحالفها مع موسكو في تحالف أوبك+، لكن واشنطن لم تبد أيّ إشارات على رغبتها في تطوير العلاقة مع المملكة بمعالجة مختلف الملفات، خاصة موقف بايدن من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي النقطة المفتاح في أيّ تقارب مع الرياض.

وكانت آخر مناورات البيت الأبيض في ما يتعلق بإعادة تطبيع العلاقة مع السعودية ما ذكرته تسريبات من أن بايدن وضع شروطا لزيارته إلى الرياض من بينها أن يكون الأمير محمد بن سلمان في القاعة ولكن ليس محدثه الأساسي.

وقد يكون هذا التسريب مجرد اختبار لمعرفة موقف السعودية، لكنّ مراقبين يقولون إن هذا الشرط سيعني أن الزيارة لن تتم، خاصة أن السعودية لا شيء يدفعها إلى مناقشة هذا الشرط أو تقديم تنازلات أقل منه، فهي غير مضطرة لذلك كما أنها نجحت في بناء علاقات متعددة تعوض عن أيّ قطيعة مفترضة مع واشنطن بما في ذلك العلاقات الدفاعية.

وإلى حد الآن لم تظهر أيّ مؤشرات على تحمّس سعودي لزيارة بايدن وإلا لتحدث عنها مسؤولون سعوديون واحتفى بها الإعلام السعودي كما يفعل مع زيارات مماثلة، ومنها خاصة زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وذكرت مصادر الأربعاء أن مسؤولين أميركيين يخططون لجولة بايدن في الشرق الأوسط هذا الشهر للقاء حلفاء في الخليج قد ألمحوا إلى أن زيارته إلى السعودية قد تشمل اجتماعه في القاعة نفسها مع الأمير محمد بن سلمان.

وردا على سؤال بخصوص إمكانية أن يزور بايدن السعودية خلال جولته قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحافيين الأربعاء إنه لا يوجد لديها مخطط لأيّ جولة، مضيفة أن بايدن متمسك بآرائه السابقة بخصوص ولي العهد السعودي.

وستهدف الزيارة إلى تدعيم العلاقات مع السعودية في وقت يحاول خلاله بايدن إيجاد سبل لخفض أسعار البنزين المرتفعة في الولايات المتحدة.

وقالت المصادر إن بايدن يريد المشاركة في قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي تعقد في الرياض. والهدف من مشاركته هو إحياء قمة سنوية بين الولايات المتحدة والمجلس، الذي يضم البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات، بدأت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

وذكر أحد المصادر أن واشنطن، قبل الموافقة على القمة، تتطلع إلى تمديد الهدنة في اليمن والحصول على توضيح بخصوص إنتاج النفط السعودي والإماراتي.

وخسرت العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الكثير من منسوب الثقة منذ أن استلم بايدن الحكم قبل عام ونصف العام، ونتج هذا الخسران خاصة عن موقفه من الأمير محمد بن سلمان ومحاولة تجاهله في مرحلة أولى ثم السعي لتحميله مسؤولية قضية الصحافي جمال خاشقجي في مرحلة ثانية، في وقت يمسك فيه ولي العهد السعودي بالملفات الحيوية في المملكة ولا يمكن بناء أيّ شكل من أشكال الشراكة دون الحصول على موافقته.

وتعرضت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين للاختبار بسبب ازدواجية الإدارة الأميركية التي تريد أن تحصل على مزايا اقتصادية متينة في علاقتها مع السعودية دون أن تراجع موقفها من حرب اليمن، وخاصة موقفها من إيران حيث تبدو واشنطن حريصة على المضي قدما في التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي دون مراعاة مصالح السعودية وأمنها القومي.

العرب