تضغط إيران على الرئيس الأميركي جو بايدن لدفعه إلى رفع الحرس الثوري من القائمة السوداء التي تضم الحركات التي لديها صلات بالإرهاب، في وقت تشهد فيه المفاوضات التي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي تعثرا واضحا.
ويرى محللون سياسيون أن إيران تريد استغلال ارتباك بايدن وغياب رؤية واضحة له تجاه قضايا المنطقة وخاصة في علاقته مع السعودية لإجباره على تقديم تنازلات سريعة مقابل التوقيع على الاتفاق النووي، معتبرين أن إخراج الحرس الثوري من قائمة الإرهاب لا يهدد مصالح الخليجيين فقط بل مصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، خاصة أنه يقف خلف الفوضى الأمنية في العراق، وهو الذي يهدد أمن الملاحة في المضائق البحرية التي يتم عبرها نقل شحنات النفط.
وليست دول الخليج وحدها من تعارض هذا الإجراء، فإسرائيل أيضا تعارض هذه الخطوة بشدة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد في بيان مشترك إن “الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية قتلت الآلاف من الأشخاص بمن فيهم أميركيون”، مؤكدين أنه “يستحيل علينا التصديق بأن الولايات المتحدة ستلغي تعريفه كمنظمة إرهابية”.
بقدر ما تستهدف العقوبات الجديدة الحرس الثوري فإنها من أقوى المؤشرات على أن بايدن يعتزم الإبقاء على الضغوط القائمة على إيران
وتابع البيان أن “الحرس الثوري الإيراني هو حزب الله في لبنان والجهاد الإسلامي في غزة والحوثيون في اليمن والميليشيات في العراق، وكان وراء خطط لاغتيال كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية”.
واتهم البيان الحرس الثوري الإيراني بـ”لعب دور في قتل مئات الآلاف من المدنيين السوريين”. وقال “إنهم دمروا لبنان ويضطهدون بوحشية المدنيين الإيرانيين وأيديهم ملطخة بالدماء”.
ويشير المراقبون إلى أن إيران أغلقت على الرئيس الأميركي فرص تقديم تنازلات ولم تعطه أي أوراق بيده ليقنع الأميركيين بصوابية رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي مجيد رفيع زادة في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست إن البيت الأبيض أعلن يوم الأربعاء أنه سيفرض عقوبات جديدة على شبكة إيرانية لتهريب النفط وغسيل الأموال تتألف من عشرة أفراد وتسع شركات في عدة دول مختلفة.
وقال المسؤولون الأميركيون على وجه التحديد إن عمليات الشبكة كانت موجهة من قبل الحرس الثوري الإسلامي التابع للنظام، وأنها تلقت أيضا دعما كبيرا من روسيا، التي من المتوقع إلى حد كبير أن تعتمد بشكل أكبر على التهرب من العقوبات على الطريقة الإيرانية في مواجهة العقوبات الدولية واسعة النطاق المتعلقة بالغزو الروسي غير المبرر لأوكرانيا.
وأضاف رفيع زادة رئيس المجلس الدولي الأميركي للشرق الأوسط، أنه بقدر ما تستهدف العقوبات الجديدة الحرس الثوري، يمكن القول إنها من بين أقوى المؤشرات على أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعتزم الإبقاء على جميع الضغوط القائمة أو التوسع فيها.
وسبق أن واجهت الإدارة انتقادات من مختلف الحلفاء الأجانب والمشرعين الأميركيين، بما في ذلك بعض من الحزب السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس، لرفضهم استبعاد احتمال إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
وألغت كندا هذا الشهر مباراة كرة قدم ودية مقررة مع المنتخب الإيراني بعد سيل من الانتقادات العامة للحدث المخطط له. ويرى منتقدون أنه يجب محاسبة طهران على إسقاط الحرس الثوري الإيراني لطائرة ركاب في يناير 2020، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 176 شخصا.
ويقول رفيع زادة إن النظام الإيراني فرض مطلب الشطب من لائحة الإرهاب خلال المفاوضات في فيينا، والتي تهدف إلى استعادة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
وبدا أن طهران تتمسك بمطلبها أكثر في مارس، بعد أن توقفت المفاوضات نتيجة للمطالب الروسية بأن العقوبات الجديدة على موسكو لن تتداخل مع التوسع المحتمل للعلاقات التجارية الروسية مع إيران.
أحدث التقييمات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى أن إيران خزنت تسعين رطلا من المواد النووية
وأعلن المسؤولون الروس في وقت لاحق بشكل غامض أنهم تلقوا التأكيدات المطلوبة، لكن نفس التوقف لا يزال قائما حتى يومنا هذا، حيث قال المفاوضون الإيرانيون إنهم لن يعودوا إلى فيينا إلا من أجل التوقيع على اتفاق يعكس الإذعان الأميركي للمطالبة برفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة.
ومنذ ذلك الحين، أصبح احتمال هذا التوقيع قاتما، وتوصل بعض الخبراء إلى استنتاج مفاده أن مفاوضات فيينا والاتفاق النووي قد انتهيا فعليا، على الرغم من أن الحكومات المشاركة لا تزال ترفض قبول ذلك على هذا النحو. ومع ذلك، تخلى بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين مؤخرا عن تفاؤلهم السابق وبدأوا يعترفون بأنه من غير المرجح إلى حد كبير، وإن لم يكن مستحيلا، أن يتم التغلب على المأزق الحالي.
وكان هذا الاتجاه واضحا مرة أخرى يوم الأربعاء عندما مثل روب مالي، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية إلى إيران، أمام جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وواجه أسئلة من المشرعين الذين كانت شكوكهم حول الاتفاق النووي مسألة رأي عام لعدة أشهر، إن لم يكن لسنوات. وأعلن السيناتور بوب مينينديز، الرئيس الديمقراطي لتلك اللجنة، أنه “حقيقة واضحة بشكل متزايد” أنه لا توجد عودة وشيكة إلى اتفاق يعتبره “ليس في المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة”.
وفي الوقت نفسه، صرح مالي نفسه بأن احتمال إعادة تنفيذ الاتفاق النووي كان “ضعيفا” وأن إدارة بايدن كانت تستعد بنشاط لوضع تفشل فيه محادثات فيينا ويعلن أخيرا عن وفاة الاتفاق.
وتشير أحدث التقييمات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الآن إلى أن إيران خزنت تسعين رطلا من المواد النووية بينما لا تزال ترفض التعاون مع التحقيقات في منشأ وحالة المواد النووية التي تبين أنها كانت موجودة في ثلاثة مواقع نووية غير معلنة، بما في ذلك قاعدة بارشين العسكرية.
وعادت تلك القاعدة إلى عناوين الصحف الدولية يوم الخميس عندما تردد أن “حادثا” في وحدة أبحاث دفاعية تسبب في وفاة مهندس.
وبحسب رفيع زادة، من المرجح أن يثير الحادث تساؤلات جديدة بين صناع السياسة الغربيين حول طبيعة المشاريع العسكرية التي يتم تنفيذها حاليا داخل النظام الإيراني، فضلا عن القيود التي سيتم فرضها على مراقبة تلك المشاريع حتى لو أعيد تنفيذ الاتفاق النووي.
ويقول رفيع زادة إنه لدى طهران تاريخ طويل في تصوير جميع العقوبات الأميركية على أنها عدوان على الشعب الإيراني. ويبدو أن رواية النظام قد رفضت من قبل الرأي العام خلال عدد من الانتفاضات الأخيرة المناهضة للحكومة، والتي استمرت إحداها منذ أن قفزت أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 400 في المئة في أوائل مايو.
ومن بين الشعارات التي تحدد الانتفاضات هتاف يقول إن أعداء الشعب الإيراني هم داخل نظام الملالي وإنهم “يكذبون عندما يقولون إنها أميركا”. وقد تبنت جماعة المعارضة الرائدة، المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، علنا فكرة توسيع نطاق العقوبات على النظام الإيراني، بحجة أن تدفق رأس المال الأجنبي إلى البلاد لن يصل إلى عامة الشعب على أي حال.
ويضيف أن النظام قد تشجع بسبب الزيارة الأخيرة التي قامت بها ألينا دوهان، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالتدابير القسرية أحادية الجانب، إلى إيران. ودعا تقريرها الأسبوع الماضي إلى إنهاء العقوبات المفروضة على إيران بعد أن أكدت أنها تعوق تمتع المواطنين الإيرانيين بحقوق الإنسان. لكن العديد من جماعات حقوق الإنسان حذرت مسبقا من أن طهران ستعزز رواية تخدم مصالحها الذاتية خلال زيارتها وستستغل استنتاجا إيجابيا للتهرب من المسؤولية عن انتهاكات النظام المنهجية لحقوق الإنسان.
صحيفة العرب