ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، بواقعة تسريب أسئلة الصف الثالث المتوسط (التاسع)، لمبحث ” الرياضيات. لذلك، قررت وزارة التربية في العراق تأجيل امتحانات طلبة الثالث المتوسط على أن يتم استئنافها في 12 حزيران/ يونيو الحالي. وفجّرت تلك القضية، غضباَ شعبياً عارماً على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعادت الأسئلة بشأن واقع التعليم في البلاد، وتغلغل الفساد في مفاصله، فيما تصاعدت الدعوات لإقالة وزير التربية، علي حميد الدليمي، ومعاقبة كل من يثبت تورطه في الحادثة.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تُسرب فيها أسئلة امتحانات المواد، فقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، الأربعاء الماضي، بتسريب مادة اللغة الإنجليزية، وقامت مجموعات خاصة بنشرها على “تليغرام”، رغم أن وزارة التربية نفت حصول ذلك.
من جهته، وجّه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بتشكيل لجنة تحقيق خاصة حول الواقعة. وذكر المكتب الإعلامي للكاظمي، أن الأخير وجه بإجراء تحقيق كامل للتسريبات، وسيتم معاقبة كل شخص أو جهة متورطة بالأمر. وشكلت عدة جهات رسمية، مثل وزارة الداخلية والتربية والبرلمان والنزاهة، لجان تحقيق في الحادثة، التي هزت الرأي العام في البلاد.
وتصف عضو لجنة النزاهة البرلمانية النائبة سروة عبد الواحد ما جرى من تسريب للأسئلة الوزارية بأنه “كارثة بمعنى الكلمة وليست فضيحة فقط”.وتدعو عبد الواحد في حديثها لموقع “الحرة” إلى ضرورة “تحويل المقصرين للقضاء من خلال الادعاء العام كي تتم محاسبتهم”. وتقول عبد الواحد: “الوزير وكل من هو مسؤول من مركز الفحص الدراسي والوكلاء الفنيين ورئيس لجنة الامتحانات والمدراء العامين يجب أن يحالوا للقضاء”.وتؤكد سروة عبد الواحد أن “الواقع التعليمي والتربوي في العراق مزر وهذه الفضيحة ستزيد الطين بله”، مشددة أن هناك “عدم ثقة من قبل الطلاب بالنظام التدريسي والهيئة التربوية بشكل عام، وما جرى اليوم سيزيد من هذه الفجوة”.
من جانبها، أبدت مفوضية حقوق الانسان، أسفها الكبير لقرار تأجيل الامتحانات الوزارية والذي عدته “انتهاكاً واضحاً”، لحق التربية والتعليم بالعراق وبما يخل بالضمانات الدستورية التي تهدف لكفالة واحترام الحقوق والحريات العامة. ودعت المفوضية، بحسب بيان لها، وزارة التربية “لتدارس الموضوع بالسرعة الممكنة وتشكيل لجنة تحقيقية عاجلة لكشف المتسببين بهذا الخرق الكبير الذي سيسهم في إخلال التصنيف العالمي لجودة التعليم في العراق والمؤشرات الدولية التي تكن الاحترام لمستوى التعليم في العراق ومعاقبة المتسببين عن تسرب الأسئلة”.
من جانبها، أبدت أوساط أكاديمية وطلبة استياءها الكبير من تسريب أسئلة الامتحانات، محذرة من تداعيات ذلك على مستقبل الأجيال المقبلة، وفقدان السمعة الدولية للبلاد في مجال التعليم والتربية.
فقد كتب الأستاذ عبدالامير مدير مدرسة: “أعزائي طلبة الثالث المتوسط لاتذهبوا هذا اليوم لأداء الإمتحانات لأن الأمانة ضاعت والقيم تشوهت وأصبحنا اليوم نخجل أن نصارحكم أننا فشلنا أن نكون لكم قدوات. ٱه وألف ٱه لقد بكيت أعزائي والله في هذا الصباح وأنا أنقل لكم خبر موت ضمائرنا . وتحطيم قيمنا تحت أقدام حراس قصر الأمير كيف لنا أن نقف أمامكم ونكتب على لوحة الصف عن الصدق والأمانة كيف لي أن أحاسب من يكذب منكم أو يسرق وأنا اليوم بنضركم سارق وكذاب. عذرا مجتمعنا عذرا طلبتنا. أنا سأبقى في منزلي خجلاً منكم”. وعزا البعض ما يجري من عمليات تسريب للأسئلة المتكررة إلى الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة، وكذلك الإهمال والتقصير والصراعات السياسية.
ووصف حسن حامد، مدرس مادة اللغة الإنجليزية في إحدى ثانويات العاصمة بغداد، ما جرى بأنه “وصمة عار” في مسيرة الضمير التربوي وانحطاط مؤسساتي يمهد لإعلان وفاة الاجتهاد العلمي. وأضاف حامد، أن “الكوادر التربوية والتدريسية باتت جميعها في موضع اتهام من قبل الشارع العراقي بعد أنباء تسريب الامتحانات”. وأضاف: “الكارثة ليست في خيانة الأمانة العلمية فحسب وإنما ستقود تلك الحوادث إلى فقدان الثقة بعبارة من جد وجد”.
وكان العراق قد سجل في أكثر من مرة خلال المواسم الدراسية السابقة حالات تسرب للأسئلة الوزارية، ولكنها لم تكن بمستوى التهديد الذي شهده العام الحالي ودفع بموجبه إلى تعطيل استكمال الامتحانات النهائية إلى الـ12 من يونيو/حزيران الحالي.
وفي تطور جديد بشأن الحادثة المدوية لتسريب الأسئلة الوزارية في العراق أعلنت السلطات العراقية، السبت، اعتقال أشخاص قالت إنهم مسؤولون عن حادثة تسريب أسئلة الامتحانات الوزارية قبل عدة أيام.وقال جهاز الأمن الوطني العراقي في بيان نشر على صفحته في فيسبوك إن التحقيقات توصلت إلى إدانة ثلاثة موظفين في وزارة التربية، هم المسؤولون المباشرون عن تسريب الأسئلة”.وأضاف البيان أن التحقيق جار مع اثنين آخرين يشتبه بصلتهما بحادثة تسريب الأسئلة.
وتابع البيان أن “جهاز الأمن الوطني ألقى القبض على عدد من المروجين على منصات التواصل الاجتماعي ممن ساهموا بنشر وبيع تلك الأسئلة”. وأشار إلى أن عملية اعتقال المسؤولين عن تسريب الأسئلة جاءت “بعد سلسلة إجراءات تضمنت الكشف الموقعي ورفع البصمات والتحقيق مع الموظفين المعنيين باستلام وتوزيع الأسئلة”.
خلاصة القول أن تسريب الأسئلة ما هو إلا عبارة عن مؤشر خطير على أزمات مفصلية تواجه العملية التربوية وتستدعي تدخلاً عاجلاً لحلها، فالعراق لا يزال يعاني فيه متأخرًا من ناحية جودة التعليم، لم يشهدها العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة. فما حدث، سيؤثر في سمعة التربية والتعليم داخل العراق وخارجه، وهي سمعة بنتها أجيال كاملة من العراقيين بتعبهم وجهدهم وتفوقهم.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية