واشنطن – كشف تحقيق رسمي مع الجنرال السابق في مشاة البحرية جون آر ألين، وهو قائد سابق للقوات الأميركية والناتو في أفغانستان، عن حجم الاختراق القطري المتقدم للدولة العميقة في الولايات المتحدة، خلال المقاطعة التي قادتها دول خليجية ومصر ضد قطر في 2017 واتهامها بدعم جماعات متشددة.
وقاد التحقيق كذلك إلى إماطة اللثام عن الدور الذي لعبه السفير السابق لدى الإمارات ريتشارد جي أولسون في التأثير على موقف بلاده في الأزمة الخليجية.
ووصف مراقبون ودبلوماسيون هذا الكشف بالصادم، متسائلين كيف نجحت هاتان الشخصيتان المهمتان في تضليل البيت الأبيض ولعب دور مؤثر لصالح قطر، فألين، وهو جنرال في القيادة المركزية، كان يعرف كل أسرار المنطقة، والثاني كان يعرف أسرار العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة، وهو ما سهّل عليهما التأثير في موقف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في القضية.
وصادر مكتب التحقيقات الفيدرالي بيانات إلكترونية تتبع ألين وتقول السلطات إنه أدلى بتصريحات مضللة وحجب وثائق تدين دوره في حملة ضغط أجنبية غير قانونية نيابة عن دولة قطر. وقد تمت الاستعانة بألين سنة 2017 لقيادة مؤسسة أبحاث بروكينغز المعروفة، التي كانت تحصل على دعم قطري.
ألين اقترح في رسالة أن يتلقّى 20 ألف دولار تشمل تغطية جهود “العمل على ترتيب أشمل لعلاقة طويلة الأمد”
وكان النظر في البيانات جزءا من تحقيق موسّع أوقع ريتشارد جي أولسون، الذي سبق أن شغل منصب سفير في باكستان، وقد أقر بممارسة الضغط بشكل غير قانوني لصالح حكومة قطر، ورجل الأعمال عماد الزبيري الذي أصدر قاضٍ فيدرالي في كاليفورنيا ضدّه حكما بالسجن 12 سنة بتهمة تزوير سجلات لإخفاء عمله كوكيل أجنبي أثناء الضغط على مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى. كما استُجوب عدد من أعضاء الكونغرس ضمن التحقيق.
وتبرز آخر المعلومات التي كشفها التحقيق جهود ألين المبذولة وراء الكواليس لمساعدة قطر في التأثير على السياسة الأميركية في 2017 عندما اندلعت أزمة دبلوماسية بين قطر وجيرانها.
وكتب عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي باباك أديب في طلب مذكرة تفتيش أن ألين أساء التصريح بدوره في حملة الضغط أمام المسؤولين الأميركيين، ولم يكشف عن أنه “كان يسعى لإبرام صفقات تجارية بالملايين من الدولارات مع حكومة قطر”.
ويقول مكتب التحقيقات الفيدرالي إن ألين قدم “نسخة خاطئة من الأحداث” حول عمله لصالح قطر خلال إجابته عن استفسارات مسؤولي إنفاذ القانون في 2020 ولم يقدّم رسائل البريد الإلكتروني ذات الصلة ردا على أمر استدعاء سابق لهيئة المحلفين.
ورفض ألين التعليق على التهم الموجهة إليه. ونفى سابقا نشاطه كعميل قطري، وقال إن جهوده بشأن قطر في 2017 كانت مدفوعة لمنع اندلاع حرب في الخليج من شأنها أن تعرّض القوات الأميركية إلى الخطر.
وقال المتحدث باسم ألين بو فيليبس لوكالة أسوشييتد برس الأسبوع الماضي إن الجنرال “تعاون طواعية مع تحقيق الحكومة في هذا الأمر”.
وذكرت الإفادة الخطية أن ألين، الذي كان زميلا سابقا في معهد بروكينغز قبل أن يصبح رئيسا له، استخدم حساب بريده الإلكتروني الرسمي في مركز الأبحاث لبعض اتصالاته المتعلقة بقطر.
ولطالما كانت قطر واحدة من أكبر الداعمين الماليين لمعهد بروكينغز، على الرغم من أن المؤسسة تقول إنها توقفت مؤخرا عن تلقي التمويل من الدولة الخليجية.
وكان أولسون يعمل مع الزبيري في مسألة أخرى تتعلق بقطر في 2017 عندما أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر عن مقاطعة الدوحة.
وبدا الرئيس الأميركي آنذاك ترامب متحيزا ضد قطر بعد فترة وجيزة من إعلان المقاطعة.
وتقول أوراق المحكمة إن ألين لعب دورا مهما في تغيير رد فعل الولايات المتحدة. وتقول السلطات إنه ضغط على مستشار الأمن القومي آنذاك إتش آر ماكماستر لجعل إدارة ترامب تتبنى لهجة أكثر صداقة مع قطر.
وقال ألين في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى ماكماستر إن القطريين يريدون من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية إصدار بيان بلغة تدعو جميع أطراف الأزمة الدبلوماسية الخليجية إلى “ضبط النفس”. ويقول مسؤولو إنفاذ القانون إن وزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون استجاب بعد يومين فقط، وأصدر بيانا دعا فيه دول الخليج الأخرى إلى “تخفيف الحصار المفروض على قطر” وطالب “بألا يكون هناك المزيد من التصعيد من الأطراف في المنطقة”.
كما تقول سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية إن أولسون وألين سافرا إلى قطر للقاء أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ومسؤولين كبار آخرين كجزء من حملة الضغط. وقدّم ألين في الاجتماع المشورة بشأن كيفية التأثير على السياسة الأميركية وقال إن على القطريين “استخدام النطاق الكامل” لعمليات المعلومات، بما في ذلك العمليات “البيضاء والسوداء”، حسب الإفادة الخطية.
وعادة ما تكون العمليات “السوداء” سرية وأحيانا غير قانونية. واتُّهمت قطر بتدبير عمليات اختراق وتسريب لمنتقديها وخصومها خلال الأزمة الدبلوماسية. ونفت قطر ارتكاب أيّ مخالفات.
وقالت الإفادة الخطية إن ألين أراد “إجراء محادثة” مع أولسون والزبيري حول مكافأته المالية قبل ذهابهم إلى الدوحة. واقترح ألين في رسالة بريد إلكتروني أن يتلقّى 20 ألف دولار نظير “رسوم الخطاب” على الرغم من أنه لم يلقه. وذكرت الإفادة أن المبلغ يشمل تغطية جهود “العمل على ترتيب أشمل لعلاقة طويلة الأمد”.
كما حددت الإفادة الخطية أن الزبيري دفع أجرة سفر ألين من الدرجة الأولى إلى قطر. وقال المتحدث باسم ألين إن الجنرال لم يقبض أيّ أموال. وليس من الواضح لماذا. ويُذكر أن بعض شركاء الزبيري السابقين اتهموا رجل الأعمال بعدم احترام التزاماته المالية.
وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن ألين كان مدفوعا بحوافز مالية أخرى لمساعدة القطريين والحفاظ على علاقات قوية مع كبار قادة البلاد.
وجاء في الإفادة الخطية “في نفس الوقت الذي كان يضغط فيه على المسؤولين الحكوميين الأميركيين نيابة عن قطر، أجرى ألين صفقة تجارية واحدة على الأقل بالملايين من الدولارات مع الحكومة القطرية نيابة عن شركة عمل في مجلس إدارتها”.
وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن ألين وأولسون ضغطا على أعضاء الكونغرس بعد عودتهما من رحلتهما إلى قطر، لاسيما أولئك الذين أيدوا قرار مجلس النواب الذي يربط قطر بتمويل جماعات مشبوهة.
وكان من بينهم النائب تيد ليو، وهو ديمقراطي من ولاية كاليفورنيا، أخبر مسؤولي إنفاذ القانون أنه لا يتذكر بالضبط ما قاله ألين ولكن انطباعه أنه كان هناك مسعى منه “لدعم المسؤولين القطريين وموقفهم”.
العرب