الباحثة شذى خليل*
انعكس عدم إقرار الموازنة العامة للعام الحالي 2022، التي من المفترض الانتهاء منها قبل أشهر قليلة ، على جملة من المتغيرات الاقتصادية الحرجة، ومن بينها ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الاستهلاكية والغذائية وتعقيد الوضع المعاشي لأصحاب الدخل المحدود في العراق، حيث يعتمد العراق بنحو 90% على مبيعات النفط الخام لتعضيد الدخل القومي، يقابلها غياب شبه تام للصناعات الوطنية والمحلية وتعثر الكثير من المشاريع الاستثمارية التي إذا ما استكملت ستسهم في تخفيف الضغط على اقتصادها الريعي.
بالاضافة الى ما يعانيه العراق من الانسداد السياسي، والتراجع الاقتصادي مما أثر وبشكل مباشر على حياة المواطن بالدرجة الأولى، وعلى مواجهة الأزمات الخارجية التي يتعرض لها العالم، فالانسداد السياسي وعدم الاتفاق على منهج واضح وعلمي صريح في العراق أديا إلى تأخير إقرار الموازنة 2022.
قال مسؤولٌ في وزارة التخطيط إن “الحكومة الحالية لن تقدم قانون الموازنة إلى مجلس النواب، بل ستتركه للحكومة المقبلة، وان “قانون الدعم الطارئ سيعالج الأمن الغذائي والمشاريع لحين إقرار الموازنة الجديدة”.
وأضاف أن “المادة 62 من الدستور توجب على الحكومة تقديم الحسابات الختامية إلى البرلمان قبل إقرار الموازنة”، مشيراً إلى أن “المادة 8 من قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 أوجبت على وزارة المالية والتخطيط تقديم مشروع قانون الموازنة العامة إلى مجلس الوزراء مطلع سبتمبر/أيلول من كل عام”.
من جانبه أوضح الخبير القانوني علي التميمي، بشأن إمكانية إرسال حكومة تصريف الأعمال لقانون الموازنة العامة إلى البرلمان، وقال إن “الضرورة تقتضي تشريع قانون الموازنة كونها تتعلق بقوت الناس ولقمة عيشهم، وعلى الرغم من أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أمور يومية، ولا يحق لها اقتراح مشروع قانون الموازنة، لكن المصلحة العليا والأمن الغذائي الذي هو من أولى أولويات حكومة الأمور اليومية يوجبان ذلك”.
قانون طارئ لتجاوز عقدة الموازنة:
إن التأخير في إقرار الموازنة العامة للبلاد، أنهى مجلس النواب في الـ28 من الشهر الماضي، قراءته لتقرير ومناقشة مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية.
ومشروع القانون هو عبارة عن موازنة استثنائية تهدف إلى استثمار الفائض المالي من واردات النفط في تعزيز مفردات البطاقة التموينية وقطاع الزراعة وزيادة صندوق المشاريع الصغيرة في وزارة العمل، بالإضافة إلى العمل على تخصيص الأموال للمشاريع المتلكئة بسبب التمويل.
مشعان الجبوري العضو السابق في مجلس النواب، أكد أن “قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية سيتغير من العنوان وحتى الفقرات”، موضحاً أن “القانون نافذ لغاية تشريع قانون الموازنة لعام 2022”.
ولاقى مشروع القانون جدلاً كبيراً بين الأوساط الاقتصادية والسياسية تضاربت فيه المواقف ما بين التأييد والرفض.
وكان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي قد دعا القوى السياسية إلى العمل بكل جد للاتفاق على صيغة لتشكيل الحكومة، والقيام بواجباتها والعمل على إعداد موازنة عام 2022، والإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين.
وأكد النائب الأول لرئيس مجلس النواب، حاكم الزاملي، أن “قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية لن يكون بديلاً عن الموازنة، وإنما جاء بهدف معالجة أبرز الحالات والقضايا الطارئة للبلد”.
صوّت البرلمان العراقي، على قانون “الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية”، والمُعد من قبل اللجنة المالية في البرلمان، والقاضي بتخصيص أكثر من 25 تريليون دينار عراقي، (قرابة 18 مليار دولار)، كبديل عن مشروع الموازنة الاتحادية المالية للدولة، التي تعثر إقرارها بسبب تأخر تشكيل الحكومة، وعدم قدرة حكومة تصريف الأعمال الحالية على إرسال الموازنة لهذا العام.
وجرى تمرير القانون بأغلبية مريحة، حيث شارك نحو 280 نائباً من أصل 329 نائباً في جلسة الأربعاء، صوّت معظمهم للقانون، بمن فيهم نواب عن “الإطار التنسيقي”.
ويعد تمرير القانون نقطة جديدة لصالح الكتلة الصدرية في البرلمان بزعامة مقتدى الصدر، التي دعمت تمرير القانون مع حلفائها في كتلتي “السيادة” والحزب الديمقراطي الكردستاني، رغم تحفظ خصوم الصدر التقليديين على القانون، واعتباره محاولة لمنح صلاحيات أوسع لحكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي.
وتتوزع القيمة الإجمالية التي يتضمنها القانون والبالغة أكثر من 25 تريليون دينار على جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية، لغرض تسيير أمورها المالية، بسبب عدم إقرار موازنة سنة 2022، وتأخير تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
الهدف الأساسي لقانون “الدعم الطارئ” هو صرف المبلغ على دعم قطاع الكهرباء والطاقة، ووزارة التجارة ودفع مستحقات الفلاحين والخدمات وإعمار المناطق المحررة من تنظيم “داعش الإرهابي”، شمالي وغربي البلاد، بينما تصرف أموال لإكمال المشاريع في المحافظات الجنوبية والوسطى، وفقاً لنسب الفقر فيها ودعم شبكة الرعاية الاجتماعية وتخصيصات مالية بهدف تثبيت أصحاب العقود والأجور اليومية في مؤسسات الدولة، إضافة إلى تعيين حملة الشهادات العليا الأوائل.
عضو اللجنة المالية، ناظم الشبلي أكد أن “قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية يرتبط بأكثر من وزارة وهي المالية والتخطيط والتجارة والزراعة والعمل والشؤون الاجتماعية ونطمح أن تكون هناك حصة لوزارة الصحة في القانون”.
وأضاف الشبلي، أن “اللجنة المالية النيابية أجرت بعض تعديلات على مسودة القانون قبل إقراره ومنها رفض فقرة القرض الداخلي والخارجي والاعتماد فقط على الوفرة المالية من أسعار النفط الخام والاعتماد على نسبة الصرف المعلنة.
وحسب النائب هادي السلامي فإن “القانون من حيث المبدأ ربما يساعد في تقليل العبء المعيشي على المواطنين في ظل أزمة ارتفاع الأسعار الحالية وتراجع أوضاع البلاد الاقتصادية، لكن يجب أن يشرَّع بطريقة لا تسمح لمافيات الفساد باستغلاله والنفاذ من بعض ثغراته”، وأضاف أن “القانون سيعزز مفردات البطاقة التموينية وقطاع الزراعة وزيادة صندوق المشاريع الصغيرة في وزارة العمل، بالإضافة إلى العمل على تخصيص الأموال للمشاريع المتلكئة بسبب التمويل”.
آراء ضد القانون، وحسب رأي النائب أحمد الربيعي أن القانون “خطير جداً ويحوّل صلاحيات البرلمان في إعداد الموازنة للحكومة بشكل دائم ويُفرغ الموازنة السنوية العامة تماماً من مضامينها ويجعل قرارات الحكومة حاكمة ومقدمة على قرارات البرلمان المالية”.
من جانبه قال الخبير الدستوري العراقي، علي التميمي، إنه رغم أن القانون يتحدث عن “الدعم الطارئ” إلا أن تفاصيله تشير إلى أولويات مختلفة في الوقت الذي كان يجب أن تركز فيه على الأمن الغذائي في الداخل العراقي.
وقال التميمي إن “القانون جاء مقتضبا وليس فيه الكثير من التفاصيل، والذي سيفتح باب الاجتهاد في التنفيذ لمشاريع بـ17 مليار دولار، وهو ما قد يشكل إخلالا بالأسس التشريعية للقوانين”، وأكد أن “القانون يتضمن تناقضا في تخصيص الأموال بحسب الجداول المرفقة”، ناهيك عن عدم تضمنه أي شيء يتعلق بفرض “الرقابة المالية على المخصصات المالية”.
الصحفي العراقي، قصي أبو الحسن، انتقد القانون عبر حسابه في فيسبوك، وألمح إلى أنه باب جديد “للفساد”، وقال “إقرأ النقطة العاشرة مصروفات طارئة ١٠٠ مليار. يعني 80 مليون دولار.. هذا المبلغ بدون عنوان ولا نص ولا جداول ولا تعليمات صرف متاح للصرف بـ(تبويب) أي شيء على أنه طارئ.
النائب العراقي المستقل، باسم خشان، قال بعد إقرار مجلس النواب للقانون إنه “يتضمن مخالفات كثيرة.. ناهيك عن تغيير الأرقام وإضافة فقرات جديدة بالنسبة للتخصيصات بعد اتفاق اللجنة المالية”، وأضاف أن “هذا الأمر تم بطريقة غير قانونية وغير دستورية”، وأنه “سيراجع القانون للنظر في الطعن فيه بشكل كلي أو جزئي”.
وقال سياسي آخر إن “قانون 12\1 المتبع حالياً من الحكومة العراقية هو تصريف أعمال فقط، ولم يعد كافياً لتسيير نفقات الدولة العراقية لأن بناء موازنة عام 2021 كان مبنياً على سعر برميل النفط المحدد بـ45 دولاراً، واليوم وصلت أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار وبحسب المعطيات، فإن الأسعار في ارتفاع وتغيرات بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية”.
ختاما في ظل عدم إقرار موازنة العام الحالي، مرر مجلس النواب العراقي قانون “الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية”، في خطوة تتيح للحكومة الإنفاق على مشاريع مختلفة ذات أولوية بهدف تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار في البلاد.
وان الظرف الاقتصادي العالمي يحتم على العراق خلق آلية اقتصادية جديدة وتشريع قوانين اقتصادية جديدة تتماشى مع الأحداث الاقتصادية والسياسية الجارية في العالم، وذلك من أجل تحقيق أمن اقتصادي سليم معزز بلجان اقتصادية حكومية وبمشاركة مؤسسات القطاع الخاص العراقي وعدد من الخبراء والمختصين في المجال الاقتصادي، على أن تكون اللجان حقيقية لا لجان شكلية وغير فاعلة وغير مؤثرة في القرار الحكومي، وتكون مهام اللجان متابعة ومراقبة الأسواق العالمية والمتغيرات الاقتصادية والخروج بمقترحات اقتصادية مدروسة تعمل على التخفيف عن كاهل المواطن العراقي”.
لكن هل فعلا سيكون انضباطا حقيقا وصرف المبالغ في مكانها الصحيح لتعزيز الأمن الغذائي وإدارة المشاريع المعطلة، فهل سيغيب الفساد المالي والإداري عن تلك المبالغ، ومن المسؤول إذا تحقق عكس الهدف الذي أنشأ من أجله هذا القانون؟!
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية