كان الأجدى في التعامل مع إيران أن يكون التفاوض معها شاملاً إن كانت الدول التي تفاوضها صادقة في رهانها على المعتدلين الإيرانيين. العرض كان يجب أن يكون تخلي إيران عن مشروعها التوسعي تماماً، وذلك بتخليها عن الميليشيات الإرهابية وبرنامج الصواريخ الباليستية، مقابل حزمة كبيرة من الإغراءات تقدمها لها دول المنطقة، إضافة إلى بقية الدول الراعية للاتفاق، خاصة أن (لعبة) المفاوضات أصبحت مكشوفة ومملة!
حتى المعارضة الإيرانية تقترح تحويل الملف النووي إلى الأمم المتحدة بدلاً من كونه أداة لعب سياسي بين إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فالمماطلة الإيرانية باتت تشكل خطراً على الأمن الدولي إذا أصبحت في يد هذا النظام، الذي يؤمن أنه مبعوث العناية الإلهية، قنبلة نووية.
والاتفاق النووي عموما بدأ يلفظ أنفاسه تقريباً بسبب تعنت النظام الإيراني، فحتى الاتحاد الأوروبي بدأ يفقد صبره، وهو الذي منح إيران الفرصة تلو الأخرى، وهيئة الطاقة تحذر بعد أن أغلقت إيران كاميراته عنها، والكونغرس الأميركي يصوّت على إجراءات تضيف مزيداً من العقوبات على إيران ويحذر الإدارة من عقد صفقة مع إيران تتضمن رفع «الحرس الثوري» الإيراني من قائمة الإرهاب.
واضح جداً أن إدارة الرئيس بايدن في وضع صعب لا تضمن فيه حتى الديمقراطيين في صفها، فعدد معارضي الاتفاق منهم يتزايد يوماً تلو آخر، فلا أمل له أن يمر إذن، خاصة أن مساوئ هذا الاتفاق وضعفه تتضح يوماً بعد يوم، فهو اتفاق يعطل ولا يدمر التخصيب الذي وصلت إليه إيران، ويعطله لمدة عامين فقط.
لو يفكر النظام الإيراني قليلاً لوجد أن أكبر حليف له في المنطقة – ممكن أن يكون – دول الخليج لو أراد، فالاثنان يملكان من القواسم المشتركة الكثير، التاريخية منها والجغرافية والعقائدية، وحتى الموارد يتقاسم فيها الكثير مع دول الخليج، وبإمكانهما أن يكونا تحالفاً يحقق الأمن للاثنين معاً دونما حاجة لهذا الفكر الاستيطاني التمددي الذي يسيطر على القادة الإيرانيين، ويدفع إيران للاعتقاد أن أمنها يكون بالسيطرة والهيمنة لا بالتعاون والتنسيق، ودونما الحاجة لوجود القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة.
الاثنان من مصلحتهما ألا تقوم حرب في المنطقة.. الاثنان من مصلحتهما ألا تعتمد الدول العربية على المساعدات الأميركية في تأمين الحماية لمياه الخليج العربي.. الاثنان من مصلحتهما رفاهية شعوبهما واستقرار الأمن فيهما.
الإيرانيون سيأكلون الشهد مثلما يقال، لو أنهم وضعوا أيديهم في يد دول الخليج. تخيلوا لو أن الاستثمارات الخليجية دخلت إيران، وأن الإيرانيين تحولوا إلى قوة شرائية والعكس، فإنَّ ذلك سيحقق ازدهاراً للجميع.
إنما مع الأسف أن النظام الإيراني غير مستعد وغير قابل، لأنه مصر على أن يعيش في وهم طوباوي يعتقد فيه أنه مكلف بتهيئة الأرض لخروج المخلص (المهدي)، لذلك لا تصل النقاشات الإيرانية – السعودية إلى مكان المفاوضات التي تجري في العراق، لذلك يجد الوسطاء صعوبة في أن يتقدموا خطوة إلى الأمام وإيصال الاثنين إلى كلمة سواء.
النظام الإيراني صرف مليارات الدولارات ووضع كل بيضه في سلة التمدد والسيطرة والهيمنة، حتى لو كان ذلك المشروع على حساب رفاهية شعبه، وحتى لو كانت ضمانته رهينة على استمرار تبعية شريحة غير إيرانية تحالفت معه ظناً أنها ستأكل الشهد مع الإيرانيين حين يتحقق الحلم. ألا يرى هذا النظام أنه صرف الكثير على أحلامه طوال نصف قرن من الزمان دونما فائدة تعود على الإيرانيين؟ ها هو توسع وتوغل إلى أربع عواصم عربية كما يريد، ما هو العائد عليه أو على الشعب الإيراني؟ فها هو الشعب الايراني يثور المرة تلو الأخرى وخطوط الفقر تتسع، والعقوبات الدولية عليه تخنقه. ماذا قدم لبنان أو العراق أو اليمن أو سوريا للشعب الإيراني؟ وها هي صيحات الإيرانيين تعلو بأنهم لا يريدون أن يموتوا من أجل أي من تلك العواصم الأربع، ومع ذلك يتمسك النظام بأوهامه ممنياً الإيرانيين بأنهم سيأكلون ذلك الشهد إنما بعد حين، فهو مشروع يعتمد على هاتين الأداتين؛ امتلاك سلاح نووي وتحالفه مع مجموعات إرهابية، وعلى الإيرانيين أن يصبروا حتى يكتمل الحلم، ومضى نصف قرن لم يأكل أحد منهم سوى العلقم ومخلفات القمامة.
إنما لو تخيلنا أن إيران قالت لدول الخليج إنها مستعدة لوقف مشروعي التمددي على أن أتحالف معكم، وأضع يدي في أيديكم لتأمين المنطقة ولخلق تحالف اقتصادي مشترك… تخيلوا فقط هذه القوة إن كانت مشتركة فماذا سيعود على الشعب الإيراني من خيرات، ويعود حتى على تلك الشرائح العربية التي تتبع هذا النظام؟
فإن كان هناك رهان على وجود معتدلين إيرانيين، وهذا ما تقوله إدارة الرئيس بايدن، فليكن التفاوض شاملاً ولتشارك فيه دول المنطقة، وليقدم هذا العرض وليترك القرار للشعب الإيراني في استفتاء عام.
الشرق الاوسط