قروض ومنح بمليارات الدولارات.. هل تواجه مصر أزمة في توفير السلع الأساسية؟

قروض ومنح بمليارات الدولارات.. هل تواجه مصر أزمة في توفير السلع الأساسية؟

القاهرة- وقّعت مصر عدة اتفاقيات دولية ضخمة بمليارات الدولارات -بين قروض ومنح ومساعدات- مع العديد من المؤسسات والبنوك الدولية في الأيام الأخيرة، من أجل تمويل شراء السلع الأساسية مثل القمح والحبوب والمواد البترولية، في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، فهل تواجه مصر أزمة في توفير السلع الأساسية؟

المصرية، أكبر مشتر للقمح في العالم، في الثالث من يونيو/حزيران الجاري، توقيع الاتفاقية الإطارية المعدلة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة بشأن توريد السلع الأساسية بحد ائتماني بقيمة 6 مليارات دولار.

في غضون ذلك، تستعد مصر للحصول على أكثر من 600 مليون دولار (بواقع 497.5 مليون دولار من البنك الدولي، و107 ملايين دولار من الاتحاد الأوروبي) لدعم واردات القمح وتحسين نظام صوامع التخزين، حسب رويترز.

وتتوقع الحكومة المصرية قفزة كبيرة في فاتورة استيراد القمح بأكثر من 4 مليارات دولار؛ إذ تستورد مصر نحو 12 مليون طن سنويا (حكومي وخاص)، وتستهلك قرابة 20 مليون طن من القمح سنويا، من بينها نحو 9 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم، الذي يُصرف على البطاقات التموينية لإنتاج ما يقرب من 270 مليون رغيف يوميا.

اضطرابات الخبز
أكثر ما تخشاه السلطات المصرية هو حدوث أزمة في توفير الخبز المدعم لأكثر من 70 مليون مستفيد، وبالتالي التسبب في اندلاع اضطرابات اجتماعية في ظل حالة الغلاء والندرة في السلع، على غرار انتفاضة الخبز أو ما تسمى “ثورة الجياع” عام 1977.

وتحذر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” (FAO) من أن الحرب في أوكرانيا تهدد بشكل خاص الأمن الغذائي في مصر، كونها أكبر مستورد للقمح في العالم.

وقالت الباحثة الاقتصادية في الفاو، إكاترينا كريفونوس، خلال المؤتمر السنوي للمصرف الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بمراكش في المغرب، مايو/أيار الماضي، إن “أكثر من 40% من واردات مصر من القمح وزيت دوار الشمس” تأتي من روسيا وأوكرانيا.

وتأتي المحاولات الحثيثة لتوفير القروض والمنح لتأمين شراء السلع الإستراتيجية، بالتزامن مع معاناة البلاد من تراجع الموارد الدولارية، مع ارتفاع حجم العجز المتوقع إلى 30 مليار دولار في ميزانية السنة المالية التي تبدأ في يوليو/تموز المقبل.

وقال البنك المركزي المصري إن احتياطي البلاد من النقد الأجنبي انخفض إلى 35.5 مليار دولار بنهاية مايو/أيار الماضي من 37.1 مليار دولار في أبريل/نيسان الماضي بنسبة انخفاض بلغت 4.4%.

وأضاف البنك -في بيان- أن الانخفاض جاء بسبب سداد ديون بنحو ملياري دولار في مايو/أيار، منها مدفوعات سندات حكومية دولية صادرة عن وزارة المالية ومستحقات لصندوق النقد الدولي، والتزامات خارجية أخرى.

وكان البنك أعلن -أبريل/نيسان الماضي- أن رصيد احتياطي النقد الأجنبي لديه بلغ نهاية مارس/آذار الماضي 37.08 مليار دولار، مقابل نحو 41 مليار دولار نهاية فبراير/شباط الماضي بنسبة انخفاض بلغت 10%.

وأرجع البنك الانخفاض حينها إلى تعويض التدفقات الأجنبية الخارجة وسداد خدمة الديون وشراء السلع الإستراتيجية، وقال إنه “حشد احتياطات العملات الأجنبية الزائدة لتهدئة الأسواق خلال فترات الضغط الاستثنائي”.

رغم تأكيد وزير التموين المصري، علي مصيلحي، أن مصر لن تستورد قمحا خلال هذه الفترة بسبب موسم توريد القمح المحلي، فإن هيئة السلع التموينية (المستورد الحكومي للقمح) تعاقدت على استيراد 8 شحنات قمح بإجمالي 465 ألف طن -روماني وروسي وبلغاري المنشأ- بسعر 480 دولارًا للطن بما في ذلك سعر الشحن.

وقال وزير التموين -قبل أكثر من 3 أسابيع- “لن نستورد القمح الآن لأننا في موسم توريد القمح المحلي، ولدينا ما يكفينا حاليًا ولأول مرة لدينا 4.5 ملايين طن تكفي لنهاية العام (6 شهور احتياطي) على أن يتم استيراد 4.5 ملايين طن أخرى وقت الحاجة”.

وكانت الحكومة المصرية تعول على شراء 6 ملايين طن من القمح المحلي -قبل أن تخفضها إلى 5.5 ملايين طن- من المزارعين بعد إلزامهم بتوريد نحو 60% من حجم المحصول بسعر 5800 جنيها للطن (312 دولارا)، مقابل وصول سعر القمح المستورد إلى 8950 جنيها (480 دولارا)، وهددت بفرض عقوبات مادية جسيمة على المخالفين.

ويبلغ إجمالي المساحة المزروعة من محصول القمح على مستوى مصر حوالي 3 ملايين و659 ألف فدان، ومن المتوقع أن تبلغ إجمالي إنتاجية المحصول هذا الموسم نحو 10 ملايين طن، وفقا لوزارة الزراعة.

عقوبات كبيرة للفلاحين المخالفين
وقبل أيام، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي -خلال اجتماع مجلس المحافظين- منع تداول القمح المحلي حتى نهاية أغسطس/آب المقبل، وحذّر الفلاحين من الاحتفاظ به داخل منازلهم، ومصادرة القمح الذي يتم توريده خارج الإطار الرسمي.

وحسب وزارة التموين، بلغت الكمية الموردة من القمح المحلي نحو 3.5 ملايين طن منذ بدء موسم التوريد الحالي مطلع أبريل/ نيسان الماضي، مشيرة إلى استمرار الموسم الحالي حتى أغسطس/آب المقبل.

وأثار عودة الحكومة المصرية إلى استيراد القمح في أثناء موسم الحصاد المحلي العديد من التساؤلات حول صلابة احتياطي البلاد من السلع الأساسية وفي مقدمتها القمح وعدم قدرتها على جمع المستهدف من محصول القمح، أم رغبة منها في الاستفادة من التوسع في بناء الصوامع الحديثة وزيادة مساحتها الضعف إلى 3.4 ملايين طن من الحبوب.

ويقول عبد الغفار السلاموني، نائب رئيس غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، إن توسع الحكومة في زيادة السعة التخزينية للصوامع مستمر بهدف توفير وتأمين مخزون إستراتيجي من القمح طوال الوقت، حسب بيان الغرفة.

هل هي تصريحات وردية؟
يصف الأكاديمي المصري والأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية سابقا، الدكتور عبد التواب بركات، تصريحات الحكومة بشأن الاحتياطي من السلع الإستراتيجية بأنها “وردية وبعضها يصل إلى نهاية العام أي نحو 6 شهور على عكس الحقيقة”.

وأوضح -في تصريحات للجزيرة نت- أنه رغم أن مصر تستورد نحو 7 ملايين طن من القمح المخصص لرغيف الخبز المدعم، و5 ملايين لصناعة المعكرونة والحلويات، وتستورد 9 ملايين طن من الذرة الصفراء، وتستورد كل زيوت الطعام تقريبا، فإن الحكومة لم تكشف خلال 8 سنوات عن خطة واضحة للاكتفاء الذاتي من هذه السلع.

ورأى بركات أن أكثر ما يقلق السلطات المصرية هو الوقوع في أزمة نقص توفير الخبز لملايين المصريين، وقال لا أتوقع أن تتمكن من جمع الكميات المطلوبة من القمح المحلي، لذلك لجأت إلى فتح باب استيراد القمح مجددا.

وأضاف أن هناك مخاوف حقيقية لدى المؤسسات الدولية من تضرر ملايين الأسر المصرية بسبب أزمة نقص الغذاء.

المصدر : الجزيرة