طهران- تسعى إيران لتخفيف التوترات بينها وبين تركيا وتقوية النفوذ المحلي الذي يتمتع به الحرس الثوري وتعزيز قدراته الخارجية، لذلك قامت مؤخرا بإقالة رئيس المخابرات التابع للحرس الثوري حسين طائب واستبداله بمحمد كاظمي الذي كان مسؤولا عن منظمة حماية استخبارات الحرس الثوري الإيراني على مدى سنوات.
لكن مراقبين يقللون من إمكانية نجاح إيران في التقرب من تركيا التي أرّقتها العمليات الاستخباراتية ضد إسرائيليين التي تقوم بها طهران على أراضيها، في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة.
ويرى هؤلاء المراقبون أن هذه البادرة يمكن أن تساعد في الحفاظ على علاقة متوازنة بين إيران وتركيا، ولكن من غير المرجح أن تقلص أنقرة تواصلها مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية؛ إذ يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتعزيز نفوذ حزبه الحاكم ودعم فرص فوزه في انتخابات 2023 من خلال ضخ استثمارات خليجية وإسرائيلية جديدة في اقتصاد تركيا المتعثر.
~ الإخفاقات المتزايدة تهدد بإضعاف سيطرة الحرس الثوري على تعيين مرشد أعلى جديد في حالة وفاة المرشد الحالي علي خامنئي
وتزامنت تحركات إيران المتعلقة بتركيا مع تنامي العلاقات بين أنقرة وأكبر خصمين إقليميين لطهران، إسرائيل والسعودية. ويهدد توثيق العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتركيا بتطويق إيران بخصوم يتعاونون بشكل متزايد.
وتبقى الدول الثلاث حليفة أو شريكة للولايات المتحدة، وهو ما قد يصبح مشكلة خاصة لإيران في الأشهر القليلة المقبلة إذا انهارت المحادثات الهادفة إلى إعادة تفعيل الاتفاق النووي.
وتأججت التوترات بين أنقرة وطهران خلال السنوات الأخيرة وسط اكتشاف العديد من عمليات الحرس الثوري الإيراني في تركيا.
وأُعلن عن الإقالة في اليوم نفسه الذي اعتَقل فيه المسؤولون الأتراك ثمانية أشخاص (خمسة منهم على الأقل إيرانيون) زُعم أنهم كانوا يعملون لصالح خلية استخبارات إيرانية كانت تخطط لاختطاف إسرائيليين في إسطنبول.
وتصاعدت حرب الظل بين إسرائيل وإيران بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة بدءا من اغتيال حسن صياد خدايي -العقيد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري- في الثاني والعشرين من مايو في طهران، وهو ما اتهمت إيران إسرائيل بالوقوف وراءه.
~ إقالة حسين طائب بسبب هجمات إسرائيل
وفي الثلاثين من مايو حذرت إسرائيل مواطنيها من السفر إلى تركيا بسبب مؤامرات محتملة من إيران للرد على الاغتيال. وفي الثالث عشر من يونيو رفعت إسرائيل تحذيرها من السفر باتجاه إسطنبول إلى أعلى مستوى وقالت إن “هناك مؤامرة من إيران لاختطاف إسرائيليين”.
وجاءت الاعتقالات وإقصاء حسين طائب في الوقت الذي زار فيه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أنقرة في الثالث والعشرين من يونيو للاجتماع بوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.
وقال جاويش أوغلو بعد لقائه نظيره الإسرائيلي إن “تركيا لن تسمح باستخدام بلدها لشن هجمات ضد إسرائيل”، مضيفا أنه “تم إرسال الرسائل وفقا لذلك”.
ويبقى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني مسؤولا عن العمليات خارج الحدود الإقليمية، بمساعدة منظمة استخبارات حسين طائب.
وحاول فيلق القدس خلال السنة الماضية تنفيذ عمليات متعددة تستهدف المواطنين الإسرائيليين والمعارضين الإيرانيين في تركيا، وهو ما اعتبرته أنقرة انتهاكا صارخا لسيادتها. وفي سبتمبر ألقت تركيا القبض على مواطن إيراني وسبعة أتراك بسبب مخطط قيل إنه يهدف إلى اختطاف مسؤول عسكري إيراني سابق كان قد فر إلى تركيا.
وفي فبراير قُبض على ثمانية أشخاص في تركيا بسبب مؤامرة إيرانية يُزعم أنها كانت تهدف إلى قتل رجل أعمال إسرائيلي – تركي يعيش في إسطنبول.
وفي 2019 اغتيل العالم الإيراني المنشق مسعود مولوي وردنجاني على يد المخابرات الإيرانية في تركيا.
وتبدو إقالة حسين طائب محاولة لتطوير عمليات الحرس الثوري الإيراني في أعقاب سلسلة من الإخفاقات الاستخباراتية التي تهدد بتقويض رد إيران على التهديدات الأميركية والإسرائيلية المتزايدة، بالإضافة إلى النفوذ السياسي للحرس الثوري الإيراني داخل إيران.
وتضررت صورة الحرس الثوري كثيرا في السنوات الأخيرة، حيث فشلت عملياته الخارجية التي استهدفت شخصيات إسرائيلية ومعارضين إيرانيين وكشفتها وكالات الاستخبارات الأجنبية.
~ تحركات إيران المتعلقة بتركيا تزامنت مع تنامي العلاقات بين أنقرة وأكبر خصمين إقليميين لطهران، إسرائيل والسعودية
كما فشل الحرس الثوري في مهمة حماية المواقع النووية الإيرانية خلال العام الماضي، وهو ما عكسته الانفجارات الغامضة وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية، مما أدى إلى إلحاق أضرار بمواقع نووية وصاروخية حساسة، بما في ذلك محطة نطنز وهي أكبر منشأة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في إيران.
وتهدد الإخفاقات المتزايدة للحرس الثوري بإضعاف نفوذه السياسي المحلي، ومن ثَمّ إضعاف سيطرته على تعيين مرشد أعلى جديد في حالة وفاة المرشد الحالي علي خامنئي الذي تتواتر الأنباء بشأن تدهور وضعه الصحي.
ومن المحتمل أن تكون هناك إعادة تنظيم لمهام الحرس الثوري الإيراني خلال الأشهر المقبلة، وهو ما يستدعي زيادة حرفيته والكشف عن المزيد من المخبرين والوكلاء الإسرائيليين وغيرهم من أجهزة المخابرات الأجنبية.
وبالإضافة إلى المؤامرات الأخيرة التي اكتشفتها إسرائيل في تركيا، تفطّنت وكالات الاستخبارات الأجنبية إلى مؤامرات إيرانية في قبرص وألمانيا والولايات المتحدة خلال سنة 2021 أيضا.
وفي العامين الماضيين اغتالت إسرائيل العديد من كبار المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني وعلماء نوويين. وفي 2020 قتلت العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده. ويتوقع مسؤولون وخبراء غربيون أن فخري زاده لعب دورا حيويا في جهود إيرانية مشبوهة شملت تطوير سبل تصنيع رؤوس نووية خلف ستار برنامج مدني معلن لتخصيب اليورانيوم.
العرب