لا يزال الجانبان الإيراني والأمريكي متمسكين بفرص التفاوض رغم ما جرى في قطر مؤخرا من فشل الجانبين في التوصل إلى نقطة توافق.
والسؤال المطروح: أي مسار تفاوضي يمكن أن يبدأ بعد إلقاء وزير خارجية إيران باللوم على الولايات المتحدة في فشل المفاوضات الأخيرة، متهمًا واشنطن بـ”عدم تقديم مبادرة سياسية”؟
وهل فعلا يحتاج الجانبان إلى مرحلة جديدة من التفاوض عقب زيارة الرئيس جو بايدن للشرق الأوسط؟
وما الجديد المطروح في ظل توافر إرادة أوروبية تعمل في اتجاه محدد، سعيا لإبرام اتفاق جديد، أو البناء على الاتفاق السابق مع ثبات مواقف الأطراف الرئيسة كما هي؟
ثنائيا، لا تزال هناك نقاطٌ تشكل أكبر تحد أمام الجانبين الأمريكي والإيراني، إذ تطالب إيران برفع جميع العقوبات المفروضة بعد انسحاب الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي، ومختلف العقوبات التي فرضت ضمن سياسة الضغوط الكبيرة للولايات المتحدة، والتي تطالب إيران بالاستجابة لمتطلبات العالم المتعلقة بالمخاوف من تهديداتها النووية.
إيران تطلب توفير ضمانات سياسية وحقوقية وتجارية من الجانبين الأمريكي والأوروبي حتى لا يتكرر الانسحاب من الاتفاق، فيما ترى الولايات المتحدة هذا الأمر “غير واقعي”.
ولا تزال إيران أيضا تطالب بإخراج “الحرس الثوري” من القائمة السوداء الأمريكية للمنظمات الإرهابية، غير أن الولايات المتحدة تعتبر هذا المطلب “بحاجة إلى مفاوضات أوسع تشمل ملفات أخرى”.
من الواضح أنه كان على الولايات المتحدة -إن أرادت إنجاح التفاوض- أن تقترح حزمة مبادرات سياسية واقتصادية يمكنها أن تقدم حافزًا إضافيا لإيران لقبول الصيغة التي توصلوا إليها في فيينا. وربط بعض التدابير بالتطبيق الكامل لاتفاقية 2015، مثل تعزيز أمن الطاقة والتعاون الاقتصادي الإقليمي. إلا أن رؤية الرئيس “بايدن” تعمل في اتجاه آخر انتظارا لما تأتي به نتائج انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس في نوفمبر المقبل، وذلك بصرف النظر عن تحرك الجانب الأوروبي للعمل مع إدارة “بايدن”، ومع إيران، من أجل الضغط لتطبيق التدابير التي تم الاتفاق بشأنها في فيينا.
إن أوروبا، أولا وليست الولايات المتحدة، تحتاج إلى إحياء الاتفاق مع إيران أكثر من أي وقت مضى.. مع التأكيد أن هناك معارضة كبيرة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإبرام الصفقة النووية بالشكل الذي يريده الجانب الإيراني، إذ إن هناك تيارا قويا بالداخل الأمريكي يضغط تجاه عدم إبرام الصفقة النووية مع إيران، والعمل في مسار تشديد العقوبات الاقتصادية.
إسرائيليا، فالملاحظ أن أجواء التوتر داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية ستنعكس بضغوطاتها على رئيس الوزراء المؤقت، يائير لابيد، وتهدف إلى تغيير السياسة الراهنة تجاه إيران.
وخلافا للموقف المُعلن، تزايدت مؤخرا عناصر التباين بين المسؤولين الكبار في إسرائيل، بين من يؤيدون العودة إلى الاتفاق النووي الحالي مع إيران، أو يعارضونها، وهناك فجوة مواقف في ضوء الحديث عن أن قائمة مؤيدي العودة إلى الاتفاق تتسع، وتتركز وجهة نظرها في أنه من الأفضل دعم اتفاق سيئ، من أجل كسب الوقت، وإعداد خيارات مستجدة للتعامل مع إيران، بدلا من عدم إبرام اتفاق، حتى لا يمكن لإيران الوصول إلى القنبلة النووية.. مع استمرار إسرائيل في معارضة الاتفاق إذا فشل المجتمع الدولي في مواجهة السلوك الإيراني.
ووفقًا لرؤية الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن إيران أصبح لديها في الوقت الراهن ما يكفي من اليورانيوم المخصّب لصنع القنبلة، وهو ما يؤكد مدى إلحاح الوضع الحالي، وضغوطاته الكبيرة.
في كل الأحوال -بصرف النظر عما يجري من تصورات في الاتجاهات الراهنة وفي أعقابها- فإن استئناف المفاوضات النووية مع إيران سيسهم في تخفيف المخاوف المتزايدة بشأن الصراع الإقليمي، على أن تكون مفاوضات شاملة تضم دولا معنية بالمنطقة، وسيشير ذلك إلى مسار مستقبلي محتمل نحو إتمام اتفاق.. لكن من غير المرجح أن يتم التوصل إلى اتفاق سريع، حيث إن النقاط الشائكة التي أوقفت المحادثات في مارس الماضي لا تزال قائمة، وتتمثل في النشاط النووي المتزايد لإيران وقائمة المطالب لاستئناف الامتثال للاتفاق النووي دون حل، وقد تتسبب هذه النقاط مرة أخرى في إيقاف أي مفاوضات مقبلة، مع تأكيد أن التقدم النووي المتسارع في إيران يخاطر أيضا بإلغاء كل التقدم، الذي أحرزه المفاوضات، فكلما أصبحت إيران أقرب إلى الحصول على مواد كافية لإنتاج قنبلة نووية، صارت المفاوضات الراهنة أقل فاعلية في وقف أو تجميد النشاط النووي لإيران.
الخلاصة، أنه لا تغيير جوهري قد طرأ على ما كانت قد توقفت عنده المفاوضات، إلا أن الرغبة المشتركة لدى الجانبين بإعادة إحياء الاتفاق، والحاجة المتبادلة إليه، قد تشكل منطلقا لاستكمال المفاوضات، ما لم يتغير شيء في زيارة “بايدن” للشرق الأوسط.
العين الاخبارية