حزب الله يستضعف الجيش اللبناني

حزب الله يستضعف الجيش اللبناني

مع تتالي الدعوات الداخلية والدولية إلى حصر سلاح حزب الله بيد الدولة اللبنانية، رد الحزب على تلك الدعوات باستضعاف المؤسسة العسكرية قائلا إنها “غير قادرة على حماية لبنان”. ويعاني الجيش اللبناني من أزمة مالية خانقة أثرت سلبا على مهامه ما يزيد من إضعافه مقابل سطوة الميليشيات.

بيروت- قلل نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم من قدرة الجيش على الدفاع عن لبنان في معرض رده على دعوات حصر السلاح الذي يمتلكه حزبه بيد الدولة، في وقت تشهد “الاندفاعة الدولية” لنجدة المؤسسة العسكرية اللبنانية، التي تعاني من تداعيات الأزمة المالية الخانقة، تخبطا بشأن الآليات الكفيلة بذلك.

وقال قاسم في تصريحات صحافية “عندما يستطيع الجيش اللبناني مواجهة إسرائيل والدفاع عن لبنان فليناقشونا في سلاح حزب الله”.

ودائما ما يستعرض حزب الله قوته العسكرية وهو استعراض ليس موجها فقط إلى الخارج (إسرائيل) وإنما موجه أيضا إلى الداخل.

وفي وقت يستضعف فيه حزب الله الجيش اللبناني الذي يعاني من أزمة مالية خانقة أثرت بشكل سلبي على مهامه، لا يزال المجتمع الدولي الذي حذر مرارا من مغبة انهيار المؤسسة العسكرية اللبنانية وتداعياتها على المنطقة، مختلفا بشأن الآليات الكفيلة للحيلولة دون ذلك.

نعيم قاسم: عندما يستطيع الجيش الدفاع عن لبنان ناقشوا سلاحنا

واكتفى المجتمع الدولي إلى حد الآن بتقديم مساعدات عينية إلى الجيش اللبناني في شكل مواد تموينية، بينما يطالب الخبراء بتمويل مباشر لرواتب العسكريين اللبنانيين الذين تأثروا بشدة من الأزمة المالية الخانقة، ما يمنع اتساع ظاهرة الفرار من الخدمة في الجيش اللبناني وبقية الأجهزة الأمنية.

واستطاعت المؤسسة العسكرية تأمين مساعدات من دول عربية وغربية، وهي تصل دورياً إلى بيروت، وغالبيتها حصص غذائية ووجبات طعام للجنود وعائلاتهم، إلا أن ذلك غير كاف لتأمين استمرارية وحدات الجيش.

ويؤكد مراقبون أن كل يوم يمر من دون تدخل دولي أو عربي فاعل، يعني المزيد من انهيار أوضاع العسكريين والقوات الأمنية. ويشير هؤلاء إلى أن ذلك ينمي قدرات حزب الله العسكرية، التي قد يستغلها لفرض أجنداته الداخلية والإقليمية.

وحذر سياسيون لبنانيون وغربيون من انهيار أمني شامل يعصف بآخر قلاع الاستقرار في لبنان، ما يكرس سطوة الميليشيات في حال قررت الحكومة اللبنانية المأزومة السماح لموظفي القطاع العام بالاستقالة الطوعية والسماح بتسريح العسكريين من الخدمة في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد.

وأفادت مصادر لبنانية بأن عدد الفارّين من الخدمة في الجيش اللبناني تجاوز عتبة الخمسة آلاف بين ضابط وعسكري، بينما لامس العدد خمسمئة في قوى الأمن الداخلي وتجاوز العشرات في بقية الأجهزة الأمنية.

وتأتي هذه الأرقام التي لا تزال غير مقلقة، لكنها مرشحة للارتفاع، في وقت تزداد فيه المخاوف من انهيار كبير للمؤسسة العسكرية والأمنية في حال قررت الحكومة اللبنانية السماح بتسريح العسكريين من الخدمة للضغط على المصاريف الحكومية الشحيحة.

ودعت أوساط داخلية وغربية إلى ضرورة تسريع المساعي الدولية لتوفير تمويل مباشر لرواتب العسكريين والأمنيين وعدم الاقتصار على المساعدات التي تقدم إلى الجيش اللبناني والقوى الأمنية، بما ينقذ آخر قلاع الاستقرار في لبنان.

وأشارت تلك الأوساط إلى أن انهيار المؤسستين العسكرية والأمنية يضع لبنان تحت سطوة الميليشيات التي تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة. ويتنامى الاستياء في صفوف الجيش اللبناني بسبب انهيار العملة الذي أدى إلى إلغاء أغلب قيمة رواتب الضباط والجنود.

وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية 90 في المئة منذ أواخر 2019 في انهيار مالي يشكل أكبر تهديد لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.

ويفرض الانهيار الاقتصادي ضغوطا غير مسبوقة على القدرات العملياتية للجيش، مما يؤدي إلى القضاء على قيمة رواتب الجنود وتحطيم معنوياتهم. ويعرّض هذا التدهور للخطر أحد مراكز القوى القليلة التي توحد اللبنانيين في وقت تتصاعد فيه التوترات الطائفية ومعدلات الجريمة وسط ارتفاع شديد في نسب الفقر.

وينظر إلى الجيش اللبناني منذ فترة طويلة على أنه مؤسسة تمثل نموذجا نادرا يجسد الوحدة والفخر الوطني. وأدى انهيار الجيش في بداية الحرب الأهلية عندما انقسم وفقا لانتماءات طائفية إلى تسريع انزلاق لبنان نحو سيطرة الميليشيات.

ويقول مراقبون إن اندفاع الغرب إلى مساعدة المؤسسة العسكرية في لبنان، والتي تعاني من صعوبات مالية خانقة تهدد بانهيارها، ناتج عن مخاوف دولية من أن تتسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي لم تع الأطراف السياسية خطورتها إلى حد الآن في تفكك الحصن الأخير لأمن اللبنانيين في ظل أجندات داخلية وخارجية تتربص باستقرار البلاد.

وتتطلع الدول الغربية إلى دور أكبر للمؤسسة العسكرية اللبنانية نظرًا إلى ما تتمتع به من تقدير من كافة القوى السياسية في الداخل اللبناني، وستكون الدعامة الأساسية لذلك الدور ترجيح كفة الردع العسكري للدولة في مواجهة تنامي قدرات حزب الله العسكرية، لمنع أي ضغوط من الحزب لتحقيق مصالح سياسية في الداخل اللبناني أو تجاه ملفات إقليمية.

وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن إدارة جو بايدن ترغب في تفعيل قدرات الجيش اللبناني من أجل التصدي لحزب الله واحتواء نفوذ إيران في لبنان.

وأوضح المسؤول أن إدارة بايدن تدرك أن طهران تؤدي دورا فاعلا ومؤثرا في لبنان عبر تنظيم حزب الله، وهي بالتالي ستبقى متمسكة بنفوذها في هذا البلد رغم التقارب الممكن حصوله على مستوى المحادثات غير المباشرة مع طهران والمتعلقة بملفها النووي.

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن فريق إدارة بايدن الأمني يرغب في تفعيل قدرات الجيش اللبناني بهدف التصدي لتنظيم حزب الله المدرج على لائحة الإرهاب في واشنطن ومنع سقوط مؤسسات الدولة الأمنية اللبنانية بيد التنظيم.

الانهيار الاقتصادي يفرض ضغوطا غير مسبوقة على القدرات العملياتية للجيش، مما يؤدي إلى القضاء على قيمة رواتب الجنود وتحطيم معنوياتهم

وتخشى الولايات المتحدة أن يؤدي تدهور وضع الجيش إلى تعزيز تموضع ميليشيا حزب الله التي باتت تشكل جيشا موازيا من حيث عدد عناصرها وحجم التسليح، لا بل إن الأوساط الاستخبارية تُجمع على أن حزب الله يملك من العتاد ما يفوق قدرات الجيش.

وازدادت مؤخراً حدة الأزمة الاقتصادية. ومنذ أيام، ينتظر اللبنانيون في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، التي اعتمدت سياسة التقنين في توزيع البنزين والمازوت. ويتزامن ذلك مع انقطاع في عدد كبير من الأدوية وارتفاع في أسعار المواد الغذائية المستوردة بغالبيتها.

وتعكس هذه الحاجات “الطابع الحرج” للوضع داخل المؤسسة العسكرية، التي حذّرت قيادتها مراراً من تداعياتها على القيام بواجباتها العسكرية في حال ازداد الوضع سوءاً.

العرب